[65]
سيدي الشيخ نسيم حلمي الدرمللي([1])
(...- 1343)
النور الساطع، والبرهان القاطع، حجة الله في أرضه، الصوفي الجليل، العارف بالله، الذاكر الأواه، الدال على الله بالله لله في الله، أحد أركان هذه الطريق، وقطب يعتمد عليه في أسرار أهل التحقيق، صاحب الكرامات الظاهرة، والمعارف الزاهرة، والفتوحات الكثيرة الباهرة، فاتح البلدان، ومربي الإخوان، وموصل السالكين إلى حضرة الرحمن، الزاهد المحقق الورع المدقق، أبو المكارم والأنوار، والمتحلّي بتاج الفخار سيدي ومولاي الشيخ نسيم بن سيدي عبد الله بن عبد القادر بن سليمان من آل سليمان القبيلة المعروفة بأرض كردفان.
ولد رضى الله عنه بها، وحفظ القرآن، وورد مصر، ودخل الأزهر الشريف، وحضر دروس المشايخ، حتى كمل أمره، ونال أعلى الدرجات، فأخذ الطريقة ذوقًا وإشراقًا من شيخه ومربيه أبو الفيض سيدي محمود الوفائي قدس سره، وبشره ببشارات، وأمدَّه بسائر الإمدادات، وقد تحقق ما بشره به، وظهرت على يديه عجائب وغرائب.
وكان رضى الله عنه من أكابر الرجال الراسخين، ومن الأقطاب العارفين المعدودين، ومن أهل الوجدان والتمكين، لا يستطيع الناظر إليه تحقيق النظر لما علاه من أنوار خير البشر.
ساح رضى الله عنه في البلاد، ونشر الطريقة بين العباد، وأيده الله بالفتوح، فاشتهرت الطريقة على يديه.
كان رضى الله عنه إذا سار تلحظه الأعين بالإجلال أينما سار، وكانت تنزل العلماء بساحته ملتمسين من بركاته ونفحاته.
وكان رضى الله عنه نظره إكسير، ومدده كثير، له تأثيرٌ يجلب المريد بنظراته، ويدنيه لا بالكلام والدليل بل بإشاراته، والسبب الأقوى في اندماجي في سلك هذا الطريق، إنما هي نظرة من نظراته، وعطفة من عطفاته، وهو أول من صحبت من الأشياخ، ونلت والله بصحبته خيرًا كثيرًا من الحس والمعنى، كما هو الحس مشاهد، فجزاه الله عنا أحسن الجزاء، حيث أمدنا بهذا العطاء، ولقد فتحت لي والله أبواب القبول، فصرت في مدده أجول حتى مَنَّ الله عليَّ بجزيل النعم.
وأول تأليفي هذه «الطبقات»، وبعد وفاته بقليل من الأوقات، رأيته في منامي في حضرة قدسية، وخلوة نورانية، يرتدي ملابس بيضاء، وأتى إليَّ هرولة، وأشار إليَّ بإشارة خفية، ففهمت القصد والنية، وحمدت الله على هذه العطية، وكنتُ قد شرعت في درج مناقبه في هذه «الطبقات»، فعلمت أنه إذن إلهيٌّ، وعلامة التيسير، فقيدت ما سطرت، إذ بإذنه قيدت، ولولا أن جاء الإذن عاريًا عن التقييد لقلت: هل من مزيد؟ فالحمد لله على هذا التقييد.
كان رضى الله عنه آية في التحقيق، مناقبه لا تُحدُّ ولا يقف لها عند حدٍّ، فهو البحر المحيط الزاخر، ومنبع السر والمدد الزاهر، ظاهره وباطنه محمديٌّ، وإن شئت قلت: نورانيًّا رحمانيًّا.
كان رضى الله عنه آية في الجمال، يغلب بسطه على جماله، فتظهر عليه علائمُ أهل المحبة والدلال، متصفًا بصفات أهل الكمال؛ من التواضع، والذلِّ، والانكسار، والتقشف في الملبس، وتقليل الأكل، ودوام الذكر والفكر.
وكان قد أقامه الله رحمة للعباد، فكان آية من آياته العظمى، ارتضع من ثدي التربية الربية إلى أن ارتوى من الحقائق الإلهية، والمعارف الغيبية، فصار ركنًا شديدًا، يأوي إليه كل ذي عقل سديد، تعطر بطيب النفحات والإمداد، حتى صار من أقطاب الدلالة والإرشاد، فكم أروى قلوب الواردين! وأنعش أرواح المريدين! وهذب نفوس السالكين! تطهر بماء اللاهوت([2]) بنعت التخلي عن هويات الناسوت، فهو نور أشرق بين قلوب العارفين، فاستمد منه من استمد، وسعد بوصاله من سعد، تفجرت من بين أصابعه ينابيع الحكم الإلهية.
كانت مُذاكراته رضى الله عنه نورانية، لها تأثير في القلوب فيا سعادة من جلس بين يديه، ويا فوز من سعى إليه، وصار من المقربين لديه.
وله كرامات وبشاراتٌ مشهورة بين الطائفة الشاذلية قدس الله أنوارهم وأسرارهم العلية، وحقَّقنا لهم بالتبعية، وإن تتبعنا كراماته فلا نحصيها، وما زالت أنواره في القلوب مشرقة وزاهرة، وذكراه باقية، نفعنا الله بها، وجعلنا على أثره.
توفي رضى الله عنه غرَّة ذي القعدة سنة ألف وثلاث مئة وثلاث وأربعين، وكان يوم وفاته يومًا مشهودًا، كثر أسف الناس عليه، وما عم خبر وفاته بين الطائفة إلا وهلعت القلوب أسفًا عليه، فرحمه الله رحمة واسعة، ودفن رضى الله عنه بطنطا بمدفن أسيادنا آل العقاد رضى الله عنهم، وله ضريح يزار، ومقامٌ تحفُّه الأنوار، وعليه قبَّةٌ معقودة، ومقصورةٌ ممدودة، والناس يتوافدون إليه، ويتوسلون به إلى الله لديه، والحوائج عنده مقضية، بعطفة خير البرية، وقد زرته مرارًا، وأمدني بنفحاته كما أمدني بها حال حياته، اللهم إنا نسألك بسره لديك الذي منحته، وبلذيذ وصالك الذي به أدنيته وقربته، أن تسقينا من بحر حبه، وأن تمدَّنا وأحبتنا وإخواننا بمدده. آمين آمين آمين.