أبو القاسم الجنيد بن محمد
سيد الطائفة وإمامهم .
أَصلُهُ مِنْ نَهَاوَنْد ، ومنشؤه ومولده بالعراق ، وأبوه كان يبيع الزجاج ، فلذلك يُقال له : القواريري .
وكان فقيهاً على مذهب أبي ثور ، صحب السري والحارث المحاسبي ومحمد بن علي القصاب .
مات سنة سبع وتسعين ومئتين .
سمعت محمد بن الحسين يقول : سمعت محمد بن الحسن البغدادي يقول : سمعت الفرغاني يقول : سمعتُ الجنيد يقول وقد سُئِلَ : مَنِ العارف ؟
قال : مَنْ نطق عن سرك وأنت ساكت (1)
سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي يقول : سمعت محمد بن عبد الله الرازي قال : سمعت أبا محمد الجريري يقول : سمعت الجنيد يقول : ( ما أخذنا التصوف عن القيل والقال ، لكن عن الجوع ، وترك الدنيا ، وقطع المألوفات والمستحسنات )(٢)
سمعت محمد بن الحسين يقول : سمعت أبا بكر الرازي يقول : سمعت الجريري يقول : سمعت الجنيد يقول لرجل ذكر المعرفة وقال : أهل المعرفة بالله يصلون إلى ترك الحركات من باب البر والتقرب إلى الله عزَّ وجلَّ ! فقال الجنيد : إنَّ هذا قول قوم تكلموا بإسقاط الأعمال ، وهو عندي عظيمة ، والذي يسرق ويزني أحسن حالاً مِنَ الذي يقول هذا ، وإنَّ العارفين بالله أخذوا الأعمال عن الله ، وإليه رجعوا فيها ، ولو بقيتُ ألف عام .. لم أنقص مِنْ أعمال البر ذرَّةً إِلَّا أَنْ يُحال بي دونها (3)
وقال الجنيد : ( إن أمكنك أَلَّا تكون آلة بيتِكَ إِلَّا خَزَفاً .. فافعل ) (4)
وقال الجنيد : ( الطرق كلها مسدودة على الخلق ، إِلَّا على مَنِ اقتفى أثر الرسول صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ) (5)
سمعت محمد بن الحسين يقول : سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا عمر الأنماطي يقول : سمعتُ الجنيد يقول : ( لو أقبل صادق على الله تعالى ألف ألف سنة ثم أعرض عنه لحظة .. كان ما فاتَهُ أكثر مما ناله ) (6)
وقال الجنيد : ( مَنْ لم يحفظ القرآن ، ولم يكتب الحديث .. لا يُقتدى به في هذا الأمر ؛ لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة ) (7)
سمعت محمد بن الحسين يقول : سمعت أبا نصر الأصبهاني يقول : سمعت أبا علي الروذباري يقول عن الجنيد : ( مذهبنا هذا مقيد بالأصول ؛ الكتاب والسنة ) .
وقال الجنيد : ( علمنا هذا مشيد بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .
أخبرنا محمد بن الحسين قال : سمعت أبا الحسين بن فارس يقول : سمعت أبا الحسين علي بن إبراهيم الحداد يقول : حضرت مجلس أبي العباس ابن سريج ، فتكلم في الفروع والأصول بكلام حسن أُعجبتُ به ، فلما رأى إعجابي .. قال : تدري من أين هذا ؟ قلتُ : يقول القاضي ، فقال : هذا ببركة مجالسة أبي القاسم الجنيد (8)
وقيل للجنيد : ممَّن استفدت هذا العلم ؟ فقال : من جلوسي بين يدي الله عز وجل ثلاثين سنة تحت تلك الدرجة ، وأومأ إلى درجة في داره (9)
سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق رحمه الله يحكي ذلك ، وسمعته يقول : ربِّيَ في يَدِهِ سُبحةٌ ، فقيل له : أنت مع شرفك تأخذ بيدك سبحة ؟! فقال : طریق به وصلت إلى ربي لا أفارقه (10)
وسمعت الأستاذ أبا علي يقول : كان الجنيد يدخل كل يوم حانوته ويسبل الستر ، ويصلي أربع مئة ركعة ، ثم يعود إلى بيته (11)
وقال أبو بكر العطوي : ( كنتُ عند الجنيد حين مات ؛ ختم القرآن ، ثمَّ ابتداً مِنَ البقرة ، وقرأ سبعين آيةً ، ثمَّ مَاتَ رَحمَهُ اللهُ ) (12)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(۱) رواه السلمي في ( طبقاته ) ( ص ١٥٧ ) .
(۲) ورواه السلمي في ( طبقاته ) ( ص ۱۵۸ ) ، وأبو نعيم في ( الحلية » ( 10/277 ) .
(3) ورواه السلمي في ( طبقاته ) : ( ص ۱۵۸ - ۱۵۹ ) ، وأبو نعيم في ( الحلية ) ( 10/278 ) ، وقوله : ( يصلون إلى ترك الحركات من باب البر ...) يعني : يتركون أعمال البر والقربى التي كانوا عليها في ابتداء أمرهم .
(4) رواه السلمي في ( طبقاته ) ( ص ١٥٩ ) ، قال الراوي : ( وكذلك كانت آلة بيته ) .
(5) رواه السلمي في ( طبقاته ) ( ص ١٥٩ ) ، وأبو نعيم في ( الحلية ) ( 10/٢٥٧ ) .
(6) ورواه السلمي في ( طبقاته ) ( ص ١٦١ ) ، وسببه كما قال العلامة اللخمي في ( الدلالة ) : ( فإن ما ناله وسيلة لحمل ما لم ينله ) ، والوسيلة دون المتوسل إليه .
(7) رواه أبو نعيم في ( الحلية : (10/٢٥٥ ) .
(8) ورواه الخطيب في ( تاريخ بغداد ) (7/٢٥١ ) .
(9)ورواه الخطيب في ( تاريخ بغداد ) (7/٢٥3 ) .
(10) ورواه البيهقي في : ( الزهد الكبير ) ( ۷۷۰ ) .
(11)ورواه الخطيب في ( تاريخ بغداد ) (7/٢٥3 ) .
(12) رواه أبو نعيم في « الحلية ، (10/٢٦٤ ) .