يجيب عليها : أ.د. علي جمعة - عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية السابق
قال تعالى : ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾([1])، وصح عن سعيد بن جبير رحمه الله أن قال في معنى هذه الآية : « لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة، فقال إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة »([2])، فهذه توصية بقرابته يأمره الله أن يبلغها إلى الناس.
وقد أمرنا رسول الله صلي الله عليه وسلم بحب آل بيته والتمسك بهم، ووصانا بهم - عليهم السلام أجمعين - في كثير من أحاديثه الشريفة، نذكر منها قوله صلي الله عليه وسلم : « أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربى فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين؛ أولهما : كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ». فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال : «وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي». فقال له حصين : ومن أهل بيته يا زيد ؟ أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال : نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال : ومن هم ؟ قال : هم آل على، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس. قال : كل هؤلاء حرم الصدقة ؟ قال : نعم»([3]) وقوله صلي الله عليه وسلم : « يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا؛ كتاب الله، وعترتي أهل بيتي »([4]).
فنحن نحب الله حبًا كبيرًا، وبحبنا لله أحببنا رسوله صلي الله عليه وسلم الذي كان نافذة الخير التي رحم الله العالمين بها، وبحبنا لرسوله صلي الله عليه وسلم أحببنا آل بيته الكرام الذين أوصى بهم صلي الله عليه وسلم وعظمت فضائلهم وزادت محاسنهم.
فموقع محبة أهل بيت رسـول الله من كل أعماق قلب المسلم، وهو مظهر حب رسول الله صلي الله عليه وسلم فبحبه أحببتهم، كما أن محبة النبي صلي الله عليه وسلم هي مظهر محبة الله، فبحب الله أحببت كل خير، فالكل في جهة واحدة وسائل توصل للمقصود والله يُفهمنا مراده.
والمغالاة لا تكون في المحبة، وإنما تكون في الاعتقاد، فطالما أن المسلم سليم الاعتقاد، فلا حرج عليه في المحبة لرسول الله صلي الله عليه وسلم وأهل بيته، فنحن نعتقد أنه لا إله الله، وأن سيدنا محمد هو رسول الله صلي الله عليه وسلم، وأن الأنبياء معصومون، وغير الأنبياء من العترة الطاهرة والصحابة الكرام ليسوا بمعصومين وإنما هم محفوظون بحفظ الله للصالحين، ويجوز شرعًا وقوعهم في الآثام والكبائر، ولكن يحفظهم الله بحفظه. فطالما أن المسلم سليم الاعتقاد في هذه النواحي فيحب أهل بيت رسول الله صلي الله عليه وسلم من كل قلبه، وهي درجات يرزقها الله لمن أحبه، فكلما زاد حب المسلم لأهل البيت ارتقى بهذا الحب في درجات الصالحين؛ لأن حب أهل البيت الكرام علامة على حب رسول الله صلي الله عليه وسلم، وحب رسول الله صلي الله عليه وسلم علامة على حب الله عز وجل، والله تعالى أعلى وأعلم.