يجيب عليها : أ.د. علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية السابق
التصوف هو منهج التربية الروحي والسلوكي الذي يرقى به المسلم إلى مرتبة الإحسان، التي عرفها النبي صلى الله عليه وسلم : «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» ( أخرجه أحمد ، والبخاري ، ومسلم).
فالتصوف برنامج تربوي، يهتم بتطهير النفس من كل أمراضها التي تحجب الإنسان عن الله عز وجل، وتقويم انحرافاته النفسية والسلوكية فيما يتعلق بعلاقة الإنسان مع الله ومع الآخر ومع الذات.
والطريقة الصوفية هي المدرسة التي يتم فيها ذلك التطهير النفسي والتقويم السلوكي، والشيخ هو القيم أو الأستاذ الذي يقوم بذلك مع الطالب أو المريد.
فالنفس البشرية بطبيعتها يتراكم بداخلها مجموعة من الأمراض مثل : الكبر، والعجب، والغرور، والأنانية، والبخل، والغضب، والرياء، والرغبة في المعصية، والخطيئة، والرغبة في التشفي والانتقام، والكره، والحقد، والخداع، والطمع، والجشع. قال تعالى حكاية عن امرأة العزيز : {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ } [يوسف: 53]؛ ومن أجل ذلك فطن أسلافنا الأوائل إلى ضرورة تربية النفس، وتخليصها من أمراضها لتتواءم مع المجتمع وتفلح في السير إلى ربها.
والطريقة الصوفية ينبغي أن تتصف بأمور منها
أولا: التمسك بالكتاب والسنة؛ إذ إن الطريقة الصوفية هي منهج الكتاب والسنة، وكل ما خالف الكتاب والسنة فهو ليس من الطريقة، بل إن الطريقة ترفضه وتنهى عنه.
ثانيا : لا تعد الطريقة تعاليم منفصلة عن تعاليم الشريعة بل جوهرها.
وللتصوف ثلاثة مظاهر رئيسية حث على جميعها القرآن الكريم، وهي:
أولا : الاهتمام بالنفس، ومراقبتها، وتنقيتها من الخبيث، قال تعالى : {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } [الشمس: 7 - 10].
ثانيا : كثرة ذكر الله عز وجل قال سبحانه : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا } [الأحزاب: 41] وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله»( أخرجه أحمد ، والترمذي ، وابن ماجه ، وابن حبان ، والحاكم).
ثالثا : الزهد في الدنيا، وعدم التعلق بها والرغبة في الآخرة. قال تعالى : { وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } [الأنعام: 32].
أما عن الشيخ الذي يلقن المريدين الأذكار ويعاونهم على تطهير نفوسهم من الخبث، وشفاء قلوبهم من الأمراض، فهو القيم، أو الأستاذ الذى يرى منهجًا معينًا هو الأكثر تناسبًا مع هذا المريض، أو تلك الحالة، أو هذا المريد أو الطالب، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن ينصح كل إنسان بما يقربه إلى الله وفقًا لتركيبة نفس الشخص المختلفة، فيأتيه رجل فيقول له : يا رسول الله، أخبرني عن شيء يبعدني عن غضب الله، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم : «لا تغضب»( أخرجه البخاري، والترمذي)، ويأتيه آخر يقول أخبرني عن شيء أتشبث به فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم : « لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله»( أخرجه أحمد ، والترمذي ، وابن ماجه ، وابن حبان ، والحاكم)، وكان من الصحابة رضى الله عنهم من يكثر من القيام بالليل، ومنهم من يكثر من قراءة القرآن، ومنهم من كان يكثر من الجهاد، ومنهم من كان يكثر الذكر، ومنهم من كان يكثر من الصدقة.
وهذا لا يعني ترك شيء من الدنيا، وإنما هناك عبادة معينة يكثر منها السالك إلى الله توصله إلى الله عز وجل، وعلى أساسها تتعدد أبواب الجنة، ولكن في النهاية تتعدد المداخل والجنة واحدة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «لكل أهل عمل باب من أبواب الجنة يدعون بذلك العمل ولأهل الصيام باب يدعون منه يقال له الريان»( أخرجه ، والبخاري ، ومسلم، واللفظ لأحمد.)، فكذلك الطرق تتعدد المداخل والأساليب وفقًا للشيخ والمريد نفسه، فمنهم من يهتم بالصيام، ومنهم من يهتم بالقرآن أكثر ولا يهمل الصيام وهكذا.
ما ذكر يبين التصوف الحق، والطريقة الصحيحة، والشيخ الملتزم بالشرع والسنة، وعلمنا سبب تعدد الطرق، لتعدد أساليب التربية والعلاج، واختلاف المناهج الموصلة، ولكنها تتحد في المقصد، فالله هو مقصود الكل.
ولا يفوتنا أن ننبه أن ذلك الكلام لا ينطبق على أغلب المدعين للتصوف، الذين يشوهون صورته، ممن لا دين لهم ولا صلاح، الذين يقومون يرقصون في الموالد، ويعملون أعمال المجاذيب المخرفين، فهذا كله ليس من التصوف ولا الطرق الصوفية في شيء، وإن التصوف الذي ندعو إليه لا علاقة له بما يراه الناس من مظاهر سلبية سيئة، ولا يجوز لنا أن نعرف التصوف ونحكم عليه من بعض الجهلة المدعين، وإنما نسأل العلماء الذين يمتدحون التصوف حتى نفهم سبب مدحهم له.
وأخيرًا نرد على من يقول : لماذا لا نتعلم آداب السلوك وتطهير النفس من القرآن والسنة مباشرة، فهذا كلام ظاهره فيه الرحمة، وباطنه من قبله العذاب؛ لأننا ما تعلمنا أركان الصلاة، وسننها، ومكروهاتها، بقراءة القرآن والسنة، وإنما تعلمنا ذلك من علم يقال له علم الفقه، صنفه الفقهاء واستنبطوا كل تلك الأحكام من القرآن والسنة، فماذا لو خرج علينا من يقول نتعلم الفقه وأحكام الدين من الكتاب والسنة مباشرة، ولن تجد عالمًا واحدًا تعلم الفقه من الكتاب والسنة مباشرة.
وكذلك هناك أشياء لم تذكر في القرآن والسنة، ولابد من تعلمها على الشيخ ومشافهته، ولا يصلح فيها الاكتفاء بالكتاب كعلم التجويد، بل والالتزام بالمصطلحات الخاصة به فيقولون مثلا: «المد اللازم ست حركات» فمن الذي جعل ذلك المد لازمًا ؟ وما دليل ذلك ومن ألزمه الناس ؟ إنهم علمـاء هذا الفن. كذلك علم التصوف علم وضعه علمـاء التصـوف من أيام الجنيد رضى الله عنه من القرن الرابع إلى يومنا هذا، ولما فسد الزمان، وفسدت الأخلاق، فسدت بعض الطرق الصوفية، وتعلقوا بالمظاهر المخالفة لدين الله، فتوهم الناس أن هذا هو التصوف، والله عز وجل سيدافع عن التصوف وأهله وسيحميهم بقدرته قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } [الحج: 38] .
ولعل فيما ذكر بيانًا لمعنى التصوف، والطريقة، والشيخ، وسبب تعدد الطرق، ولماذا نتعلم السلوك وتنقية النفس من ذلك العلم المسمى بالتصوف ونأخذه على المشايخ ولا نرجع مباشرة إلى الكتاب والسنة، ونسأل الله أن يبصرنا بأمور ديننا. والله تعالى أعلى وأعلم.
فالتصوف برنامج تربوي، يهتم بتطهير النفس من كل أمراضها التي تحجب الإنسان عن الله عز وجل، وتقويم انحرافاته النفسية والسلوكية فيما يتعلق بعلاقة الإنسان مع الله ومع الآخر ومع الذات.
والطريقة الصوفية هي المدرسة التي يتم فيها ذلك التطهير النفسي والتقويم السلوكي، والشيخ هو القيم أو الأستاذ الذي يقوم بذلك مع الطالب أو المريد.
فالنفس البشرية بطبيعتها يتراكم بداخلها مجموعة من الأمراض مثل : الكبر، والعجب، والغرور، والأنانية، والبخل، والغضب، والرياء، والرغبة في المعصية، والخطيئة، والرغبة في التشفي والانتقام، والكره، والحقد، والخداع، والطمع، والجشع. قال تعالى حكاية عن امرأة العزيز : {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ } [يوسف: 53]؛ ومن أجل ذلك فطن أسلافنا الأوائل إلى ضرورة تربية النفس، وتخليصها من أمراضها لتتواءم مع المجتمع وتفلح في السير إلى ربها.
والطريقة الصوفية ينبغي أن تتصف بأمور منها
أولا: التمسك بالكتاب والسنة؛ إذ إن الطريقة الصوفية هي منهج الكتاب والسنة، وكل ما خالف الكتاب والسنة فهو ليس من الطريقة، بل إن الطريقة ترفضه وتنهى عنه.
ثانيا : لا تعد الطريقة تعاليم منفصلة عن تعاليم الشريعة بل جوهرها.
وللتصوف ثلاثة مظاهر رئيسية حث على جميعها القرآن الكريم، وهي:
أولا : الاهتمام بالنفس، ومراقبتها، وتنقيتها من الخبيث، قال تعالى : {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } [الشمس: 7 - 10].
ثانيا : كثرة ذكر الله عز وجل قال سبحانه : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا } [الأحزاب: 41] وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله»( أخرجه أحمد ، والترمذي ، وابن ماجه ، وابن حبان ، والحاكم).
ثالثا : الزهد في الدنيا، وعدم التعلق بها والرغبة في الآخرة. قال تعالى : { وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } [الأنعام: 32].
أما عن الشيخ الذي يلقن المريدين الأذكار ويعاونهم على تطهير نفوسهم من الخبث، وشفاء قلوبهم من الأمراض، فهو القيم، أو الأستاذ الذى يرى منهجًا معينًا هو الأكثر تناسبًا مع هذا المريض، أو تلك الحالة، أو هذا المريد أو الطالب، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن ينصح كل إنسان بما يقربه إلى الله وفقًا لتركيبة نفس الشخص المختلفة، فيأتيه رجل فيقول له : يا رسول الله، أخبرني عن شيء يبعدني عن غضب الله، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم : «لا تغضب»( أخرجه البخاري، والترمذي)، ويأتيه آخر يقول أخبرني عن شيء أتشبث به فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم : « لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله»( أخرجه أحمد ، والترمذي ، وابن ماجه ، وابن حبان ، والحاكم)، وكان من الصحابة رضى الله عنهم من يكثر من القيام بالليل، ومنهم من يكثر من قراءة القرآن، ومنهم من كان يكثر من الجهاد، ومنهم من كان يكثر الذكر، ومنهم من كان يكثر من الصدقة.
وهذا لا يعني ترك شيء من الدنيا، وإنما هناك عبادة معينة يكثر منها السالك إلى الله توصله إلى الله عز وجل، وعلى أساسها تتعدد أبواب الجنة، ولكن في النهاية تتعدد المداخل والجنة واحدة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «لكل أهل عمل باب من أبواب الجنة يدعون بذلك العمل ولأهل الصيام باب يدعون منه يقال له الريان»( أخرجه ، والبخاري ، ومسلم، واللفظ لأحمد.)، فكذلك الطرق تتعدد المداخل والأساليب وفقًا للشيخ والمريد نفسه، فمنهم من يهتم بالصيام، ومنهم من يهتم بالقرآن أكثر ولا يهمل الصيام وهكذا.
ما ذكر يبين التصوف الحق، والطريقة الصحيحة، والشيخ الملتزم بالشرع والسنة، وعلمنا سبب تعدد الطرق، لتعدد أساليب التربية والعلاج، واختلاف المناهج الموصلة، ولكنها تتحد في المقصد، فالله هو مقصود الكل.
ولا يفوتنا أن ننبه أن ذلك الكلام لا ينطبق على أغلب المدعين للتصوف، الذين يشوهون صورته، ممن لا دين لهم ولا صلاح، الذين يقومون يرقصون في الموالد، ويعملون أعمال المجاذيب المخرفين، فهذا كله ليس من التصوف ولا الطرق الصوفية في شيء، وإن التصوف الذي ندعو إليه لا علاقة له بما يراه الناس من مظاهر سلبية سيئة، ولا يجوز لنا أن نعرف التصوف ونحكم عليه من بعض الجهلة المدعين، وإنما نسأل العلماء الذين يمتدحون التصوف حتى نفهم سبب مدحهم له.
وأخيرًا نرد على من يقول : لماذا لا نتعلم آداب السلوك وتطهير النفس من القرآن والسنة مباشرة، فهذا كلام ظاهره فيه الرحمة، وباطنه من قبله العذاب؛ لأننا ما تعلمنا أركان الصلاة، وسننها، ومكروهاتها، بقراءة القرآن والسنة، وإنما تعلمنا ذلك من علم يقال له علم الفقه، صنفه الفقهاء واستنبطوا كل تلك الأحكام من القرآن والسنة، فماذا لو خرج علينا من يقول نتعلم الفقه وأحكام الدين من الكتاب والسنة مباشرة، ولن تجد عالمًا واحدًا تعلم الفقه من الكتاب والسنة مباشرة.
وكذلك هناك أشياء لم تذكر في القرآن والسنة، ولابد من تعلمها على الشيخ ومشافهته، ولا يصلح فيها الاكتفاء بالكتاب كعلم التجويد، بل والالتزام بالمصطلحات الخاصة به فيقولون مثلا: «المد اللازم ست حركات» فمن الذي جعل ذلك المد لازمًا ؟ وما دليل ذلك ومن ألزمه الناس ؟ إنهم علمـاء هذا الفن. كذلك علم التصوف علم وضعه علمـاء التصـوف من أيام الجنيد رضى الله عنه من القرن الرابع إلى يومنا هذا، ولما فسد الزمان، وفسدت الأخلاق، فسدت بعض الطرق الصوفية، وتعلقوا بالمظاهر المخالفة لدين الله، فتوهم الناس أن هذا هو التصوف، والله عز وجل سيدافع عن التصوف وأهله وسيحميهم بقدرته قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } [الحج: 38] .
ولعل فيما ذكر بيانًا لمعنى التصوف، والطريقة، والشيخ، وسبب تعدد الطرق، ولماذا نتعلم السلوك وتنقية النفس من ذلك العلم المسمى بالتصوف ونأخذه على المشايخ ولا نرجع مباشرة إلى الكتاب والسنة، ونسأل الله أن يبصرنا بأمور ديننا. والله تعالى أعلى وأعلم.