ما هو ذكر الله، هل يجوز أن نذكر الله باسم مفرد من أسمائه فقط، دون أن تكون جملة بمعنى أن نقول: (الله الله) أو( الرحمن الرحمن)؟
يجيب عليها : أ.د. علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية السابق
الذكر هو ضد النسيان، وهو معناه في اللغة، وقد ذكر صاحب مختار الصحاح ذلك، فقال: (الذكر، والذكرى، والذكرة: ضد النسيان، تقول: ذكرته ذكرى غير مجراة، واجعله منك على ذكر، وذكر، بضم الدال وكسرها، بمعنى، والذكر الصيت والثناء، قال الله تعالى: (ص والقران ذى الذكر)(1) أي ذي الشرف. وذكره بعد النسيان، وذكره بلسانه، وبقلبه يذكره ذكراً وذكرة وذكرى أيضا، وتذكر الشيء وأذكره غيره وذكره بمعنى، وادكر بعد أمة، أي ذكره بعد نسيان، وأصله اذتكر فأدغم والتذكرة ما تستذكر به الحاجة )(2).
هذا بخصوص معنى الذكر مطلقا، وذكر الله يستعمل في الشرع بمعان أعم، مثل خطبة الجمعة، فقد سماها الله ذكرا، قال تعالى: (يأيها الذين امنوا إِذَا نُودِي لِلصَّلوة من يوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع)(3)، وسمى الله الحج ذكرا، قال تعالى: {وَاذْكُرُوا الله في أيام معدودات}(4) ، وسمى ربنا الصلاة ذكرا، قال سبحانه: (فإن خفتُم فرجالاً أو ركبانًا فَإِذَا أُمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَمْكُم مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)(5) ، وسمى الله القرآن ذكرا، قال تعالى: (ذلك نتلوه عليك من الأيات والذكر الحكيم)(6).
فكل تلك العبادات تسمى ذكرًا باعتبار أن المسلم يذكر اسم الله فيها، أما المقصود من ذكر الله عز وجل في حالة مغايرته لتلك المعاني، فهو ما يفعله المسلم من ذكر الله باللسان والقلب خارج كل تلك العبادات المذكورة، فقد فرق الله بينه وبين الصلاة حيث قال: (إن الصلوة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر)(7) وذكر الله قد يحدث منفردا، وفي جماعة، وقد يحدث سرا وجهرا، وقد يعد على الأنامل، أو على السبحة، كما بينا في إجابات الأسئلة السابقة، وذكر الله قد يكون بالمأثور أو بغير المأثور، فيجوز إنشاء ذكر، والضابط في ذلك أن يشتمل الذكر على معان لا تتعارض مع الدين.
والذكر بالاسم المفرد لا شيء فيه، ولا دليل على حرمته، بل جاء الدليل على مشروعيته، والمخالف قد يعترض على ذكر الله باسمه المفرد لأسباب منها أن يقول إنه غير مأثور عن النبي صلي الله عليه وسلم، وقد بينا ذلك في إجابة السؤال رقم ٥١ والخاص بمسألة الترك، ونعيد التركيز على حديث ذكرناه في تلك الفتوى؛ لدلالته على جواز إنشاء الذكر حتى في الصلاة.
ذكر الحافظ ابن حجر حديث رفاعة بن رافع الزُّرَقِي رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ: (سَمِعَ اللهُ مِنْ حَمِدَهُ). قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، حَمدًا كَثِيرًا طيبًا مُبَارَكًا فِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: (مَنِ الْمُتَكَلِّمُ). قَالَ: أَنَا. قَالَ: (رَأَيْتُ بِضْعَةٌ وَثَلاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا، أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ)(8)، وعقبه بقوله: (وَاسْتُدِلُّ بِهِ عَلَى جَوَاز إِحْدَاثِ ذِكْرٍ فِي الصَّلَاةِ غَيْرِ مَأْثُورٍ إِذَا كَانَ غَيْرَ مُخَالِفِ لِلْمَأثور)(9)، فإن كان هذا الحال في إنشاء ذكر غير مأثور في الصلاة، فالأمر خارج الصلاة أوسع من باب أولى.
وقد يكون الاعتراض أن ذكر الله باسمه المفرد ليس فيه معنى التعظيم، ولابد من إتمام جملة مفيدة حتى يقيد معنى التعظيم، والجواب أن ذكر اسم الله مفردًا فيه معنى التعظيم، وهذا ما فهمه العلماء فها هو إمام الأئمة أبو حنيفة رضي الله عنه يقرر ذلك في مسألة هل يحدث الشروع في الصلاة بمجرد ذكر اسم الله المفرد «الله» فقد ذكر صاحب البدائع ما نصه: (ولأبي حنيفة أن النص معلول بمعنى التعظيم، وأنه يحصل بالاسم المجرد، والدليل عليه أنه يصير شارعا بقوله : لا إله إلا الله، والشروع إنما يحصل بقوله: «الله» لا بالنفي)(10).
انظر فالإمام أبو حنيفة يرى أن اسم الله المجرد «الله» يحصل به التعظيم بغير اشتراط كونه في جملة مفيدة.
هذا رد على المخالف إذا زعم أنه غير مأثور، أو زعم أنه لا يحصل منه معنى التعظيم، وبالإضافة إلى هذه الردود فقد وردت نصوص في القرآن والسنة تفيد جواز قول: «الله» هكذا مفردة، وذكر اسم الله، منها: قوله تعالى: (قل الله ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ)(11)، وقال سبحانه: (واذكر اسم ربك وتبتل اليه تبتيلا)(12).
ودلت الأحاديث النبوية على أن ذكر الله باسمه المفرد سيكون موجودا ممدوحا قبل قيام الساعة، وأن ذهابه من آخر العلامات، فعن أنس رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله ﷺ قال: (لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لا يُقَال في الأرض الله الله)(13)، وفي رواية أخرى: (لا تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى أَحَدٍ يَقُولُ اللهُ اللهُ).
وعن ثابت البناني قال: (كَانَ سَلْمَان فِي عِصَابَة يَذْكُرُونَ اللَّهَ فَمَرَّ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم فَكَفُوا، فَقَالَ: (مَا كُنتُمْ تَقُولُونَ)؟ قُلْنَا: نَذْكُرُ اللهَ يَا رَسُول الله قال: «إِنِّي رَأَيْتُ الرَّحْمَةَ تَنْزِلُ عَلَيْكُمْ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُشَارِكَكُمْ فِيهَا»، ثم قال: «الحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتِي مَنْ أُمِرْتُ أَنْ أَصْبَرَ نَفْسِي معهم»(14).
والمسلم لا يحتاج لدليل حتى يقول «الله» هكذا مجردة، طالما أنه يشعر بمعاني التعظيم والأنس والذكر، وطالما أن الذكر باسم الله المجرد لا يتعارض مع أصول الاعتقاد ومبادئ الإسلام، وطالما أنه يقر بأن الذكر بالمأثور عن النبي ﷺ أفضل عامة، ولكن ما ذكرناه من أدلة نقلية وعقلية وفهم العلماء، مما قد يجعل المخالف يترك الذاكرين يذكرون الله حيثما وجدوا قلوبهم، والله تعالى أعلى وأعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة ص ، آية : [1].
(۲) مختار الصحاح : ج ۱ ص ۹۳.
(۳) سورة الجمعة، آية : [9].
(4) سورة البقرة آية : (۲۰۳).
(5 ) سورة البقرة آية: [۲۳۹].
(6) سورة آل عمران، آية: (٥٨).
(7) سورة العنكبوت، آية: (٤٥).
(8) أخرجه أحمد في مسنده : ج ٤ ص ٣٤٠، والبخاري في صحيحه : ج ١ ص ٢٧٥، وأبو داود في سننه: ج ١ ص ٢٠٤، والنسائي في سننه : ج ۱ ص ۲۲۲، ومالك في الموطأ: ج ١ ص ۲۱۱، والبيهقي في الكبرى: ج ۲ ص ۹۵.
(9) فتح الباري، لابن حجر: ج ۲ ص ۲۸۷.
(10) بدائع الصنائع، للكاساني: ج ۱ ص ۱۳۱.
(11) سورة الأنعام، آية : (91).
(12) سورة المزمل، آية: [۸].
(13) أخرجه أحمد في مسنده : ج ۳ ص ۱۰۷، ومسلم في صحيحه: ج۱ ص ۱۳۱، وابن حبان في صحيحه: ج ١٥ ص ٢٦٣، والحاكم في المستدرك: ج4 ص ٥٣٩، وابن أبي شيبة في مصنفه : ج٧ ص 452.
(14) أخرجه أحمد في الزهد عن ثابت.