ما حكم الاجتماع على الذكر في حلق؟
يجيب عليها : أ.د. علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية السابق
لاجتماع على الذكر في حلق سنة ثابتة بأدلة الشرع الشريف، أمر الله بها في كتابه العزيز، فقال تعالى: (وأصبر نفسك مع الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدْوَةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجهه)(1). وقال النبي صلي الله عليه وسلم : ( إِنَّ لله مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطَّرُقِ ، يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا هَلُمُوا إِلَى حَاجَتِكُمْ . قَالَ فَيَحْفُونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدنيا ..... إلى أن قال: فيقول الله عز وجل : فَأُشْهِدُكُمْ أَني قَدْ غَفَرْتُ لهُمْ ، قَالَ يَقُولُ مَلَكَ مِنَ المَلائِكَةِ فِيهِمْ فُلانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ ، قَالَ هُمُ الْجَلَسَاءُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ )(2).
وعن معاوية رضي الله عنه له أن النبي صلي الله عليه وسلم خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: «مَا أَجْلَسَكُمْ؟».
قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا للإسلام وَمَن بِهِ عَلَيْنَا .... إلى أن قال: «أتاني جبريل فَأَخْبَرَي أَنَّ الله يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ )(3).
وقد بوب النووي الحديث الأول في كتابه رياض الصالحين بعنوان، باب فضل: (حلق الذكر)والذكر في الشريعة الإسلامية له معان كثيرة منها: الإخبار المجرد عن ذات الله، أو صفاته، أو أفعاله، أو أحكامه، أو بتلاوة كتابه، أو بمسألته ودعائه، أو بإنشاء الثناء عليه بتقديسه، وتمجيده، وتوحيده، وحمده، وشكره وتعظيمه، ولا دليل لمن ادعى أن حلق الذكر المراد بها هنا دروس العلم.
وقد أورد الصنعاني حديث مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلي الله عليه وسلم : (لا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ الله عز وجل إلا حَقَّتْهُمُ المَلائِكَةُ، وَغَشِيَتهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ (4).
ثم قال: دل الحديث على فضيلة مجالس الذكر والذاكرين، وفضيلة الاجتماع على الذكر. وأخرج البخاري: «أَنَّ مَلائِكَةُ يَطُوفُونَ فِي الطَّرْقِ، يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا هَلْمُوا إِلَى حَاجَتِكُمْ، قَالَ: فَيَحْفُونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا) الحديث. وهذا من فضائل مجالس الذكر تحضرها الملائكة بعد التماسهم لها.
والمراد بالذكر: هو التسبيح، والتحميد، وتلاوة القرآن، ونحو ذلك، وفي حديث البزار إنه تعالى يسأل ملائكته: ما يصنع العباد؟ وهو أعلم بهم، فيقولون: يعظمون آلاءك ويتلون كتابك، ويصلون على نبيك، ويسألونك لآخرتهم ودنياهم، والذكر حقيقة في ذكر اللسان، ويؤجر عليه الناطق ولا يشترط استحضار معناه، وإنها يشترط ألا يقصد غيره فإن انضاف إلى الذكر باللسان الذكر بالقلب فهو أكمل، وإن انضاف إليهما استحضار معنى الذكر، وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى، ونفي النقائص عنه ازداد كمالا، فإن وقع ذلك في عمل صالح مما فرض من صلاة أو جهاد أو غيرهما فكذلك، فإن صح التوجه وأخلص الله فهو أبلغ في الكمال (5).
ومما سبق يعلم أن التجمع لذكر الله بقراءة القرآن، أو مدارسة العلم، أو التسبيح والتهليل والتحميد من السنن التي حث عليها ربنا في كتابه العزيز، وسنة نبيه صلي الله عليه وسلم الصحيحة الصريحة، والله تعالى أعلى وأعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الكهف آية (28)
(۲) أخرجه البخاري في صحيحه : ج ۵ ص ٢٣٥٣.
(۳) أخرجه مسلم في صحيحه: ج 4 ص ٢٠٧٥.
(4) أخرجه مسلم في صحيحه: ج 4 ص ٢٠٧٤.
(5) سبل السلام، للصنعاني: ج ۲ ص ٧٠٠.