أعلم أنه لا يشترط أن يتوقف أهل السماع من كل مرتبة على ما شرحناه في حقه بل يمكن أن يفسح الله على الأذن بسماع الأعلى ويحتمل ان يلوح الأعلى معنى غريب في النزول إلى السماع في مرتبة الأدنى ثم انه ليس احد من هذه المراتب المذكورة من النسك والسلوك والمحبة والجذب إلا وله رائحة من باقي هذه المراتب لكن الحكم على كل أحد بما غلب عليه ولكل في مقامه استماعات كثيرة وتوجيهات متعددة لا يمكن حصرها وإنما ذكرنا طرفاً من ذلك لمن أراد التشبه بهم وإلا فأصل السماع مبنى على عدم التصنع لأن القلوب تتخلى بالخاء الفوقية عن معلومتها فتقف في حضرة العجز والافتقار بين يدى الله تعالى فيتفضل الحق سبحانه وتعالى عليها بما هو أهله فترد الموارد الإلهامية فتحاً من الله تعالى من غير تصنع ولا اجتلاب ولا تأويل ولا احتمال بل تفاجئ العبد من الله تعالى ما لا يستطيع دفعه فتحصل له عند ذلك من الحركة والصراخ والرقص ما يشاهده الحاضرون وإنما أردنا بهذه التوجيهات تعليماً للمتواجد وتنبيهاً لمن أراد ان يتطلع على اختلاف مشارب القوم في السماع على أنها كثيرة لا تحصى ولئلا ينبهم الأمر على الحاضرين فيما إذا تحرك المبتدئ والمنتهى في بيت واحد فلا يشكل أن للمنتهى غرائب لا يصل إليها فهم المبتدئ ولو تطور غاية الأطوار أو تسلق فوق نهاية الأكوان والأدوار فإن لسان حال المنتهى يقول له:
تندبون اللوى واندب سلعاً كل عين تبكى على ما شجاها