[14]
سيدي عبد القادر الجيلاني([1])
(470- 561)
أبو صالح سيدي عبد القادر الجيلاني ابن السيد موسى ابن السيد عبد الله ابن السيد يحيى الزاهد الحسني قدّس الله سره العالي.
ولد رضى الله عنه سنة سبعين وأربع مئة بجيلان، وتوفي ببغداد سنة واحد وستين وخمس مئة.
وقد أفرده الناس بالتآليف، ونحن نذكر جملةً ممّا ذكروه تبرُّكًا، فنقول : كان قدّس الله سره في طفولته يمتنع عن الرضاعة في رمضان، عنايةً به من الملك المنان، فلما ترعرع سارَ إلى طلب العلم النافع في الدارين، فتفقَّه على جملةِ فضلاء كاملين، واقتبس منهم العلوم والفنون حتى صار من الواصلين، وأخذ علم الطريقة عن العارف بالله أبي الخير سيدي حمَّاد الدبَّاس قدّس الله سره، ولبسَ الخرقةَ المباركة من أبي سعد، وتأدَّبَ بآدابه الزكية، حتى لاحت عليه أنوارُه السنية، ولم يزل ملحوظًا بالعناية الربانية، عارجًا في معارج الكمال بهمَّته الأبية، آخذًا نفسه بالجدِّ والاجتهاد حتى مكث خمسًا وعشرين سنةً سائرًا في صحراء العراق، وفي خراباته حتى وصل إلى العزيز الغفار.
وكان لباسُه جبَّةَ([2]) صوفٍ، وعلى رأسه خُريقةٌ، يمشي حافيًا في الشوك، ويقتات ثمرَ الأشجار، وقمامة البقل([3]) التي تُرمي من ورق الخس من شاطئ الأنهار، وفي أيام لم يشربِ الماء، ولم يأكل الطعام، ومكث على ذلك السنين الطوال، حتى فتح الله له الأبواب، وطرقته من الله الحال، وآن أوان الوصال وبدت على وجهه أنوارُ الجمال، فظهر للناس، واشتهر أمرُه في ذلك الحين، وانتهت إليه الرياسة في وقته، ودانت له ملوكً الأرض بأسرها، وعرفته أهلُ الأرض والسماء، وناظر العلماء، وأرشد الصلحاء، واضطربت من هيبته الألباب، ونزلت بساحته الأقطابُ والأنجاب، وكان قدّس الله سره يفتي على المذهبَيْن، ويتكلم على أسرار الفريقين.
وفضائله قدّس الله سره شهيرة، وأحواله أنورُ من شمس الظهيرة، نفع الله به المسلمين.
توفي قدّس الله سره ببغداد ودفن بها، ومقامه عليه من الله الرضوان، تقصده أمُّةُ الإسلام من سائر البلدان، ويتوسَّلون به إلى الله، ويسألونه الغفران. اللهم أمدَّنا بمدده. آمين.
([1]) عبد القادر بن موسى بن عبد الله بن جنكي دوست الحسني، أبو محمد، مؤسس الدين الجيلاني أو الكيلاني أو الجيلي، من كبار الزهاد والمتصوفين، ولد في جيلان سنة 470هـ وانتقل إلى طبرستان ثم إلى بغداد وتصدر للتدريس والإفتاء بها، وتوفي بها سنة 528هـ. [«الأعلام» (4/47)، و«فوات الوفيات» (2/2)] وفيه توفي سنة 561هـ.