وارث سرِّ أبيه، لم ينتقل والده رحمه الله حتى ورث السرين: سر ذاته الشريفة، وسرَّ والده قدس سره، ونال الخلافتين: المعنوية والحسية، فصار إمام الفريقين، وواحدًا من اثنين، فأشير إليه، وكثرت الأمداد عليه.
نشأ رضي الله عنه وأرضاه ومتَّعنا برضاه، وأفاض علينا من فيوض إمدادته عفيفًا طاهر النفس محبًّا للعبادة، ورعًا تقيًّا، صالحًا صادق الأنفاس، متخلقًا بالأخلاق الحميدة، وما زالت تعلوه الأنوار، وتنزل بساحته الرجال من سائر القرى والأمصار حتى أذنت العناية بانتقال والده قدس سره العالي إلى دار النعيم، حيث العزُّ المقيم، والفوز العظيم، فورث شيخنا رضى الله عنه سره، ومنحه بره، فلوحظ بالأنوار، وأشرقت عليه أنوار والده وأسراره، وجددت عليه تلامذة والده الطريق؛ لما علموا أنه من أهل التحقيق، فزادت الخيرات عليه، وكثرت الأمداد لديه، وصار من كمَّلِ الرجال، ومن أهل الفضل والكمال، ولقد رأيته وكانت أول رؤيتي له، فتمثل لي في شخص والده، ولقد شاهدت منه أسرارًا وأحوالًا بهرت عقلي، وقادتني إليه، وسمعت من مذاكراته ما يبهر العقول في معناه، وكنت أسبح في بحر مدده قبل ملاقاتي به حتى أكرمني الله بلقائه.
تربى قدس سره في حجر الأولياء بالدَّلال والكمال، وقد فتح الله على يديه الطريق، وحل مشكلات هذا الفريق.
ولقد حدثني بعض الإخوان أصلح الله لي وله الشأن، أن سيدنا ومولانا الأستاذ السيد محمد أحمد العقاد رضى الله عنه يحترمه ويجلُّه ويعظمه لمكانة والده قدس سره العزيز، ولا شكَّ أنه كذلك، فإنه رضى الله عنه أُمةٌ لوحده، دعا الخلق إلى الحق، وأجلسهم على بساط الصدق.
وهو عندي من أشياخي الذين تبركت بلقائهم، وانتفعت بهم، ويكفينا في فضائله ما هو مشاهد بالعيان من خدمته إخوانه، وتغرُّبه عن الأوطان في حل مشكلاتهم، فأينما شرف أي جهة ما، يشرق عليها شموس أنواره البهية، وتتلألأ في سمائها كواكب أنواره المحمدية، فتزهو في ربوعها أنواره البهية، فانتشرت به البركات، وعمت الخيرات، فهو سراج وهاج سطعت أنواره في قلوب المريدين والمحبين من أهل الإخلاص، وإن ما اتصف به مولانا الأستاذ الجليل من كمال الهداية، ومحاسن الأخلاق، والتمسك بأهداب الفضيلة والدين، والعلم الغزير، والأدب الجمِّ، والتقوى، والزهد، والدعوة إلى الله عز وجل، وما يبثه في أرواح الأحباب قد قربه من الله تعالى، وكشف له الحجاب.
وقد أعطاه الله تعالى نورًا عظيمًا، وأودع فيه سرًّا مكنونًا، وجعله صراطًا مستقيمًا، دعا الناس للهداية، نفع الله به الطريق، وسلك بنا مسالك أهل التحقيق، وأماتنا على حبهم، وحشرنا في حزبهم وتحت لوائهم بجاه المصطفى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. آمين.