الفصل التاسع في ذكر المكان كالمنازل والرسوم وأمثالها وأن كانت كثيرة فقد اقتصرنا منها في الذكر على خمسة وهى المكان والدار والحي والطلل والرسم:
فإما المكان: قد يؤوله الناسك بالانكسار والذلة والخضوع وأمثال ذلك لأن فيها وجود الحق تعالى حيث قال: (تجدني عند المنكسرة قلوبهم من أجلى) وقد يؤوله بالسجود وبالصلاة لأن ذلك مكان القرب إلى الله تعالى ويؤوله السالك بقلب المؤمن فقد ورد: (قلب المؤمن عرش الله تعالى) ويؤوله أيضاً بالوجود جميعه فإنه مكان ظهور الحق تعالى ولا مكان له سبحانه إلا علمه وقد يؤوله السالك أيضاً بذلك لأن علم الحق مكانته ويؤوله المحب بالأمكنة التي كان فيها اجتماعه بالمحبوب كالعلم الإلهي حيث كنا موجودين فيه قبل إيجادنا في العالم وقد يؤوله المحب بالليل لأن فيه اجتماع المحب بحبيبه ويؤوله المجذوب بالأسماء الذاتية لأنها مكان ظهوره فيها وقد يؤول بالمكانة الإلهية وعبر عن ذلك بقاب قوسين أو أدنى وقد ذهب الأمام محيى الدين ابن العربي رضى الله عنه في الاصطلاحات أن المكان عبارة عن منزلة في البساط لا تكون إلا لأهل الكمال الذين تحققوا بالمقامات والأحوال وجاوزوها إلى المقام الذى فوق الجمال والجلال فلا صفة لهم ولا نعت فهذا قوله في اصطلاحات الصوفية وقد يؤول المكان أيضاً بالتجلي.
الدار: يؤوله الناسك بالكعبة وبالمساجد لأنها بيوت الله تعالى ويؤوله السالك بالدور والرجعة إلى الله تعالى وقد يؤوله بالمناظر الإلهية ويؤوله المحب بمكان الوصال ويؤوله المجذوب بالألوهية لأنها محل تجليات الحق وظهوره فيها فإن الله تعالى لا يزال في ألوهيته كما هو عليه من التنزيه المطلق سبحانه وتعالى.
الحى: قد يؤوله الناسك بأحياء الليل وقد يؤوله بإحياء القلب لورود أنوار العبادة ويؤوله السالك باسمه الحى تعالى وقد يؤوله بالتزكية عن الآثار البشرية لأن بذلك يكون حياة النفس ويؤوله المحب بمكان المحبوب حيث نزل فيه كما قيل: (تحي بهم كل أرض ينزلون بها كأنهم لبلاد الله أمطار) ويؤوله المجذوب بالوجود الساري والروح الإلهية المنفوخة في آدم ويؤوله بذات الحق تعالى لأن به حياة العالم ويؤوله بمعارفه الذاتية لأن بها حياة القلوب.
الطلل: قد يؤوله الناسك بمواضع استجابة الدعاء مثل الروضة الشريفة والمواضع الشريفة بمكة وقد يؤوله بهياكل الأولياء الذين ظهر الله تعالى عليهم فعمر قلوبهم بتجلياته ويؤوله السالك بالحضرة الإلهية وقد يؤوله بهيكل نفسه لكونه مكان ظهور أثار صفات الله تعالى وقد يؤوله المحب بأوصاف المحبوب وقد يؤوله بقلب نفسه لسكنى حبيبه في قلبه ويؤوله المجذوب بالأسماء الصفاتية وقد يؤوله بالعبد لظهور الرب فيه من غير حلول ولا امتزاج حيث قال: (كنت سمع وبصره ولسانه ويديه).
الرسوم: قد يؤولها الناسك بالعبادات وطلب أفضل الأعمال وقد يؤولها السالك بدوام المخالفات والذكر لأن طريق الحق بينهما وقد يؤوله المحب بجمال المحبوب المنقوش في صحيفة القلب طبعاً لأن هذا رسم جماله ويؤولها المجذوب بالكمالات الإلهية وبالأسماء والصفات وبالآثار الظاهرة على هيكل الإنسان الكامل بنفوذ الكلمة وإبراء الأكمة والأبرص وأمثال ذلك.