الفصل العاشر فى ذكر الزمان كالأمس واليوم والليل وغد والشهر والعام:
أمس: أذا وقع فى السماع يؤوله الناسك بما مضى من عمره أيام البطالة وقد يؤوله هو بأيام طاعته لربه وقيامه بالعبادات حملاً على أنه كان أقدر عليها فى ما تعلم من الزمان وقد عجز عن تلك الحالة ويؤوله السالك بيوم (ألست بربكم) ويؤوله أيضاً بالكيفية فى العلم الإلهى حال كنا موجودين له فى العلم قبل بروزنا فى العالم العينى ويؤوله المحب بأيام اللقاء حيث أتفق ذلك له لأن النظر مقدمة المحبة فلا بد من نظر أو معرفة تكون المحبة بعدها سواء كانت حكماً أو عيناً ويؤوله المجذوب بالأزل الذى هو صفة الحق تعالى.
اليوم: يؤوله الناسك بيوم القيامة وقد يؤوله بأوقات الفترة أن كانت حاله وقد يؤوله بزمان الكشف كما يؤول الليل بزمان الحجاب على قدر مرتبة الحال ويؤوله السالك بالأنوار الإلهية كما يؤول الليل بالظلمة الخلقية وقد يؤول السالك اليوم بالمخالفات والرياضات والمجاهدات فى اليوم من مكابد شدة حرارة الشمس حينئذ الليل بالذكر ودوام المراقبة أو بالتجلى والجمعية لأن الليل من أوقات الاجتماع بالمحبوب فى اللقاء وكذلك يؤول المحب اليوم بالهجر والليل بالوصال لما فيه من الإيضاح والبيان ويؤول الليل بالهجر لما فى الليل الظلمة والحجاب وأمثال ذلك وقد يؤول المجذوب اليوم بالتجليات الصفاتية لأنها أنوار ومعارف وآثار وظهور ويؤول الليل بالتجليات الذاتية لانقطاع الآثار فى الليل وقد يؤول اليوم والنهار بتجليات الجمال والليل والظلام بتجليات الجلال والله أعلم وقد يؤوله المجذوب بأيام الله يعنى تجلياته من قوله (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) فافهم.
الغد: وما فى معناه من مستقبل الزمان قد يؤوله الناسك بالدار الآخرة وبالقبر وقد يؤوله بالجنة لقوله تعالى: (هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) وقد يؤوله بالخاتمة التى يختم الله أعماله بها ويؤوله السالك بالرؤية لأن اليوم حجابه وغداً كشفه وعيانه كما قال: (أنكم سترون ربكم) بلفظة المستقبل للزم السين كلمة الفعل فهى خالصة لك مستقبل وقد يؤوله المحب بزمان وصل فيه اللقاء لسياق وعداً ولاحق لها وقد يؤوله المجذوب بالأبد الذى هو وصف الله تعالى.
الجمعة: قد يؤوله الناسك بالجمع بين العلم والعمل وقد يؤوله بأوقات إجابة الدعوات لما ورد (أن فى يوم الجمعة ساعة يستجاب فيها الدعاء) وقد يؤوله بجمع الهمة فى عبادة الله تعالى ويؤوله أيضاً بيوم الجمع على قدر قرينة الحال ويؤوله السالك بالوصول إلى الله تعالى ويؤوله المحب باجتماع الشمل بالمحبوب ويؤوله المجذوب بالجمع بين تجليات الجمال وتجليات الجلال وتجليات الكمال وقد يؤوله بجمع الجمع الذى هو عبارة عن أعطاء حقائق الأسماء والصفات حقها ويؤوله بالطامة الكبرى وبالمشهد الذاتى وبالتجلى القدس وبالمكانة العظمى وذلك عبارة عن تجلى الحق تعالى فى صفة ألإلوهية لوليه الأكمل وهو عبارة عن مقام أو أدنى.
الشهر والعام والسنة والقرن والمدة وما أشبه ذلك من أسماء الزمان الكلى: فإنه قد يقع للناسك تأويلاً على العمر وقد يؤوله السالك على زمان الحجاب كما قيل سنة الوصل سنة وسنة الهجر سنة وقد يؤوله المحب على مواعيد أيام اللقاء أو على مواعيد أيام النوا يؤوله المجذوب على التجلى الإلهى سبحانه وتعالى من حيث اسمه الدهر فى قوله بالدهر: (يا ديهور) وقال عليه السلام: (لا تسبوا الدهر فإنه الله) وأمثال ذلك مقاس عليه فافهم.