اقتران الخلق والرزق(*)
الآية الثانية في أمر الرزق قوله تعالى: ﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾([1])، تضمنت هذه الآية الكريمة فائدتين:
الأولى: أنَّ الخلق والرزق مقترنان؛ أي: كما سلمتم لله بأنه الخالق من غير دعوى منكم للخالقية معه؛ فكذلك سلموا له أنه الرزاق ولا تدعوا ذلك معه؛ أي: كما انفرد فيكم بالخلق والإيجاد، كذلك هو المنفرد بالرزق والإمداد، فقرنهما للاحتجاج على العباد ونهيًا لهم أن يشهدوا رزقًا من غيره، وإحسانه من خلقه، وأنه تعالى كما خلق من حيث لا وسائط ولا أسباب، كذلك هو الرزاق من غير أن يتوقف رزقه على واسطة أو وجود سبب.
الفائدة الثانية: أنه أفاد تعالى بقوله: ﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ﴾ أن الرزق قد أمضى شأنه وأبرم أمره، وليس للقضاء فيه أمر يتجدد في الأحيان، ولا يتعاقب بتعاقب الزمان، وإنما يتجدد ظهوره لا ثبوته، والرزق يطلق على قسمين، على ما سبق في الأزل قضاؤه، وعلى ما ظهر بعد وجود العبد إبداؤه، والآية تحتمل الوجهين، فإن كان المراد ما سبقت به الأقدار فَثَمَّ لترتيب الأخبار، وإن كان المراد رزق الأظهار فهي تنبيه للاعتبار، وسر الآية التي سيقت من أجله إثبات الإلهية لله تعالى كأن([2]) يقول: يا من يعبد غير الله، الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم، ثم يحييكم؛ فهل تجدون هذه الأوصاف لغيره! أم يمكن أن تكون لأحد من خلقه! فمن انفرد بها ينبغي أن يعترف بإلهيته، ويوحد في ربوبيته؛ ولذلك قال بعد ذلك: ﴿هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾([3]).