الصبر والصلاة(*) ([1])
الفائدة الثالثة: قوله تعالى: ﴿وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ فيه إشارة إلى أن في الصلاة تكليفًا للنفوس شاقًّا عليها؛ لأنها تأتي في أوقات مَلَاذِّ العباد وأشغالهم، فتطالبهم بالخروج عن ذلك كله إلى القيام بين يدي الله تعالى، والفراغ عَمَّا سوى الله، ألا ترى أن صلاة الغداة تأتيهم في وقت منامهم، في وقت ألذ ما يكون المنام فيه، فطلب الحق فيهم ترك حظوظهم لحقوقه ومرادهم لمراده؛ ولذلك كان في نداء الصبح خاصًّا به: «الصلاة خير من النوم» مرتين، وأما صلاة الظهر: فإنها تأتيهم في وقت قيلولتهم ورجوعهم من تعب أسبابهم، وأما صلاة العصر: فإنها تأتيهم وهم في متاجرهم وصنائعهم منهمكون، وعلى أسباب دنياهم مقبلون.
وأما صلاة المغرب: فإنها تأتي في وقت تناولهم لأغذيتهم، وما يقيمون به وجود بنيتهم.
وأما صلاة العشاء: فإنها تأتي وقد كثرت عليهم متاعب الأسباب التي كانوا فيها في بياض نهارهم؛ فلذلك قال سبحانه: ﴿وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾([2])، وقال: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الوُسْطَى﴾([3])، وقد قال: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾([4])، وقد قال: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾([5])، قال الله تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الخَاشِعِينَ﴾([6])، فجعل الصبر والصلاة مقترنين؛ إشارة إلى أنه محتاج في الصلاة إلى الصبر: صبر على ملازمة أوقاتها، وصبر على القيام بواجباتها ومسنوناتها، وصبر يمنع القلوب فيها من غفلاتها؛ ولذلك قال الله تعالى بعد ذلك: ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الخَاشِعِينَ﴾([7])، فأفرد الصلاة بالذكر ولم يفرد الصبر به؛ إذ لو كان كذلك لقال: وإنه لكبير؛ فذلك يدل على ما قلناه، أو لأن الصبر والصلاة مقترنان متلازمان، فكان أحدهما هو عين الآخر، كما قال في الآية الأخرى: ﴿وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ﴾([8])، وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ﴾([9]) ، وقال تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا﴾([10])، فافهم!.