والتوكل والأخذ بالأسباب(*)
انعطاف: انظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم: «لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يزرق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا»([1]) تراه يدل على الأمر بالتوكل على الله تعالى لا على نفي الأسباب، بل يدل على إثباتها؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «تغدو خماصًا وتروح بطانًا»، فقد أثبت لها غدوها ورواحها وهو سببها، ونفى عنها الادخار؛ فكأنه صلى الله عليه وسلم يقول: «لو توكلتم على الله حق توكله لما ادخرتم، ولأغناكم التوكل على الله عن الادخار معه، ورُزِقْتُمْ كما يرزق الطير، تؤتى برزق يومها ولا تدخر لغدها؛ ثقة منها بأن الله تعالى لا يضيعها، فأنتم أيها المؤمنون أولى بذلك».
فأفاد عليه السلام : أنَّ الادخار إنما هو من ضَعف اليقين، فإن قلت: أكل ادخار هذا حكمه، أو هو([2]) مختلف الحال.
([1]) هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده، وابن خزيمة، والترمذي، وابن ماجه، وابن حبان في «الصحيح»، والحاكم في «المستدرك» عن عمر رضى الله عنه، ولفظه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أنكم توكلتم على الله تعالى حق توكله، لرزقكم كما يزرق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا». اهـ.
ومن طريف ما يحكى ويؤيد هذا أنه قيل لحاتم الأصم: من أين تأكل؟ فقال: من عند الله. فقيل له: الله ينزل لك دنانير ودراهم من السماء! فقال: كأن ما له إلا السماء! يا هذا، الأرض له والسماء له، فإن لم يؤتني رزقي من السماء، ساقه لي من الأرض، وأنشد:
وكيف أخاف الفقر والله رازقي | * | ورازق هذا الخلق في السر واليسر |
تكفل بالأرزاق للخلق كلهم | * | وللضب في البيداء والحوت في البحر |
اهـ.