أحوال العبد بالنسبة إلى الرزق(*)
فصل: واعلم أنه يرد في شأن الرزق أمور، ويعرض فيه عوارض، وقد ذكر الشيخ -رحمه الله- كثيرًا منها بقوله: «وسخر لي أمر هذا الرزق، واعصمني من الحرص والتعب في طلبه، ومن شغل القلب، وتعلق الهم به، ومن الذل للخلق بسببه، ومن التفكير والتدبير في تحصيله، ومن الشح والبخل بعد حصوله». اهـ.
وليس العوارض الواردة في شأن الرزق بمنحصرة حتى تستوفى، فلنتكلم على ما قاله الشيخ -رحمه الله-: فاعلم أنَّ للعبد بالنسبة إلى الرزق ثلاثة أحوال: حال قبل أن يرزقه وهي حالة السعي، وحالٍ بعد ذلك وهي حالة الحصول، وحالٍ بعد انقضائه وهي الحالة الثالثة.
فأما ما يعرض قبل حصوله: فالحرص والتعب في طلبه، وشغل القلب وتعلق الهَمِّ به، والذل للخلق بسببه، والتفكير والتدبير في تحصيله.
فأما الحرص: فهو الرغبة القائمة بالنفس في التحصيل له، والانكباب على ذلك، وهو ينشأ عن فِقدان الثقة وضعف اليقين، وهما ناشئان عن فقدان النور، وفقدان النور ناشيء عن وجود الحجبة؛ إذ لو كان القلب بأنوار المشاهدة معمورًا، وبمنن الله مغمورًا -لم تطرقه طوارق الحرص، ولو انبسط نور اليقين على القلب لكشف له عن سابق القسمة؛ فلم يمكنه الحرص، وعلم العبد أن له عند الله قسمة لا بد أن يوصلها إليه.
وأما التعب في طلبه: فإما أن يكون تعب الظواهر، ويكون الاستعاذة منه إلى الله تعالى؛ لأنه إذا استولى على الطالب للرزق التعب في الظاهر شغله ذلك عن القيام بالأوامر.
والرزق مع الراحة فيه إعانة على التفرغ إلى طاعة الله تعالى والقيام بخدمته، وإن كان التعب هو تعب القلوب لا تعب الظواهر؛ فهو أولى بأن يستعاذ منه؛ وذلك بأن القلوب يتعبها تكلفها في طلب الرزق والفكرة فيه، ويثقلها ما حملت من ذلك، ولا راحة لها إلا بالتوكل على الله؛ لأن التوكل على الله وضع أثقاله، والله تعالى يحملها عنه؛لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾([2]).
ثم قال الشيخ رضى الله عنه: «ومن شغل القلب وتعلق الهم به»؛ فشغل القلب بأمر الرزق قاطع عظيم حتى قال الشيخ أبو الحسن -رحمه الله-: أكثر ما حجب الخلق عن الله تعالى شيئان: هم الرزق، وخوف الخلق.
وهم الرزق أشد الحجابين؛ وذلك أن أكثر الناس قد يخلو من هم خوف الخلق، ولا يخلو من هم الرزق إلا قليل، لا سيما وشاهد الفاقة قائم بوجودك، وأنت مفتقر إلى ما يقيم بنيتك ويشد قوتك.
قوله: «وتعلق الهم به»؛ أي: تعلق الهمة بأمر الرزق توجهًا واستغراقًا، حتى لا يبقى فيه متسع لغيره، وهذه حالة توجب القطيعة، وتكشف([3]) أنوار الوصلة، تنادي على صاحبها بخراب قلبه من نور اليقين، وفلسفة من القوة والتمكين، وقوله: «ومن الذل للخلق بسببه».
فاعلم أنَّ من ضعف يقينه، وقل من قسمة العقل نصيبه -فالذلة لازمة له؛ لطمعه في الخلق، ولعدم ثقته بالملك الحق؛ وذلك لأنه لم يشهد سابق قسمة الله تعالى، ولم يظفر بصدق وعده؛ فذل للخلق متملقًا، ولح إليها متعلقًا، وذلك عقوبة الغفلة عن الله تعالى، ولعذاب الآخرة أشد، ولو صح إيمانه وثقته بالله كان لذلك عزيزًا، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين؛ فعزة المؤمن بربه لا يعتز بغيره؛ لعلمه أن العزة لله جميعًا، وأنه العزيز فلا عزيز معه، والمعز فلا معز معه؛ فأعزته الثقة ونصره التوكل، فلن يهن لصدق ثقته بربه في قسمته، ولم يحزن لاعتماده عليه في وجود منته، سامعًا قوله تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾([4]).
فعزة المؤمن بترك الطمع في الخلق، ووجود الثقة بالملك الحق.
أبى له إيمانه أن يرفع حاجته لغير ربه، أو أن يصرف لما سواه قلبه؛ ولذلك قال بعضهم:
حرام على من وحدَ الله ربه |
* | وأفرده أن يجتدي أحدًا رفدا |
ويا صاحبي قف لي مع الحق وقفة |
* | أموت بها وجدًا وأحيا بها وجدا |
وقل لملوك الأرض تجهد جهدها |
* | فذا الملك ملك لا يباع ولا يهدى |
ومن حرره الله من رق الطمع، وأعزه بوجود الورع -فقد أجزل منته وكمل عليه همته([5]).
واعلم أن الله قد كساك أيها المؤمن خلعًا عديدة، منها: خلعة الإيمان والمعرفة والطاعة والسنة؛ فلا تدنسها بالطمع في المخلوقين، وبالاستناد إلى غير رب العالمين، قال الشيخ أبو الحسن رحمه الله: «رأيت النبي عليه الصلاة والسلام في المنام فقال لي: «يا علي، طهر ثيابك من الدنس تحظ بمدد الله في كل نفس»، فقلت: «يا رسول الله، وما ثيابي؟»، فقال: «اعلم أن الله تعالى كساك حُلَّةَ الإيمان، وحُلَّةَ المعرفة، وحُلَّةَ التوحيد، وحُلَّةَ المحبة»، قال: «ففهمت حينئذ قوله تعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدثر: 4]»، فمن عرف الله صغر لديه كل شيء، ومن أحب الله هان عليه كل شيء، ومن وَحَّدَ الله لم يشرك به شيئًا، ومن آمن بالله أمن من كل شيء، ومن أسلم لله قلَّما يعصيه، وإن عصاه اعتذر إليه، وإن اعتذر إليه قبل عذره.
واعلم -رحمك الله- أنَّ رفع الهمة بسالكي طريقي الآخرة عن الخلق، وعدم التعرض لهم -أزين لهم من الحلي للعروس، وهم أحوج إليه من الماء لحياة النفوس، ومن خلعت عليه خلعة فحفظها وصانها، فحري أن تدام([6]) له، وألَّا تسلب عنه، والمدنس لخلع المواهب، فحري ألا تترك له؛ فلا تدنس أيها الأخ إيمانك بطمعك في المخلوقين، ولا تجعلن اعتمادك إلا على رب العالمين، فإن اعتززت بالله دام بدوام من اعتززت به، وإن اعتززت بغيره فلا بقاء لعزك؛ إذ لا بقاء لمن أنت به معتز، وأنشد لي بعض الفضلاء لنفسه:
ليكن بربك كل عز |
* | ك يستقر ويثبت |
فإن اعتززت بمن يمو |
* | ت فإن عزك ميت |
ودخل إنسان على بعض العارفين وهو يبكي، فقال: «ما شأنك!»، قال: «مات أستاذي»، فقال له ذلك العارف: «ولم جعلت أستاذك من يموت؟!»، ويقال لك: إذا اعتززت بغير الله فقدته، وإذا استندت إلى غيره عدمته: ﴿وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي اليَمِّ نَسْفًا (٩٧) إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾([7]).
وكن أيها العبد إبراهيميًّا، فقد قال أبوك إبراهيم -صلوات الله عليه وسلامه-: ﴿لَا أُحِبُّ الآَفِلِينَ﴾([8])، وما سوى الله تعالى آفل إما وجودًا وإما إمكانًا، وقد قال الله تعالى: ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ﴾([9])؛ أي: اتبعوا ملة أبيكم إبراهيم، فواجب على المؤمن أن يتبع ملة إبراهيم، وملة إبراهيم: رفع الهمة عن الخلق؛ فإنه يوم زج به في المنجنيق تعرض له جبرائيل عليه السلام فقال: «أما إليك فلا، وأما إلى الله فبلى»، قال: «سله»، قال: «حسبي من سؤالي علمه بحالي».
فانظر كيف رفع إبراهيم -صلوات الله وسلامه عليه- همته عن الخلق، ووجهها إلى الملك الحق؛ فلم يستغث بجبرائيل، ولا احتال على السؤال من الله تعالى، بل رأى الحق أقرب إليه من جبرائيل ومن سؤاله؛ فلذلك سلمه من النمرود ونكاله، وأنعم عليه بنواله وأفضاله، وخصه بوجود إقباله، ومن ملة إبراهيم معاداة كل ما شغل عن الله، وصرف الهمة بالرد إلى الله تعالى؛ لقوله: ﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ العَالَمِينَ﴾([10])، والغنى إن أردت الدَّلالة عليه فهو في اليأس من الناس، ولقد قال الشيخ أبو الحسن -رحمه الله-: «آيست من نفع نفسي لنفسي، فكيف لا أيأس من نفع غيري لنفسي! ورجوت الله لغيري، فكيف لا أرجوه لنفسي! وهذا هو الكيمياء والإكسير الذي من حازه حصل له غِنًى لا فاقة فيه، وعزٌّ لا ذلَّ معه، واتفاق لا نفاد له، وهو كيمياء أهل الفهم عن الله تعالى.
قال الشيخ أبو الحسن -رحمه الله-: [صحبني إنسان وكان ثقيلًا عَلَيَّ فبسطته، فانبسط فقلت له: «يا ولدي، ما حاجتك ولم صحبتني؟»، قال: «يا سيدي، قيل لي إنك تعلم الكيمياء، فصحبتك لأتعلم منك»، فقلت له: «صدقت وصدق من حدثك، ولكن إخالك ألَّا تقبل».
فقال لي: «أقبل»، فقلت له: «نظرتُ إلى الخلق فوجدتهم على قسمين: أعداء، وأحباء؛ فنظرت إلى الأعداء فعلمت أنهم لا يستطيعون أن يشوكوني بشوكة لم يردني الله بها؛ فقطعت نظري عنهم، ثم تعلقت بالأحباء فرأيتهم لا يستطيعون أن ينفعوني بشيء لم يردني الله به؛ فقطعت إياسي منهم، وتعلقت بالله تعالى، فقيل لي: إنك لن تصل إلى حقيقة هذا الأمر حتى لا تشك فينا، وتيأس من غيرنا أن يعطيك غير ما قسمناه لك].
وقال مرة أخرى -رحمه الله- لما سئل عن الكيمياء فقال: «أخرج الطمع من قلبك، واقطع بأسك من ربك أن يعطيك غير ما قسم لك، وليس يدل على شعار العبد كثرة عمله، ولا مداومته على ورده، وإنما يدل على نوره عناه بربه، أو انحباسه إليه بقلبه، وتحرره من رق الطمع، وتحليه بحلية الورع، وبذلك تحسن الأعمال، وتزكو الأحوال، قال الله تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾([11])؛ فحسن الأعمال إنما هو بالفهم عن الله».
والفهم هو ما ذكرناه من الاغتناء بالله، والاكتفاء به، والاعتماد عليه، ورفع الحوائج إليه، والدوام بين يديه، وكل ذلك من ثمرة الفهم عن الله تعالى، وتفقد وجود الورع من نفسك أكثر مما تتفقد ما سواه، وتطهر من الطمع في الخلق، فلو تطهر الطامع فيهم بسبعة أبحر ما طهره إلا اليأس منهم، ورفع الهمة عنهم.
وقدم علي بن أبي طالب رضى الله عنه البصرة فدخل جامعها، فوجد القصاص([12]) يقصون، فأقامهم حتى جاء إلى الحسن([13]) البصري فقال: يا فتى، إني سائلك عن شيء، فإن أجبت عنه أبقيتك، وإلا أقمتك كما أقمت أصحابك. وكان قد رأى عليه سمتًا وهداية.
فقال الحسن: «سل عَمَّا شئت؟»، فقال له علي -رضي الله تعالى عنه-: «ما ملاك الدين؟»، قال: «الورع»، قال: «فما فساد الدين؟»، قال: «الطمع»، قال: «اجلس، فمثلك من يتكلم على الناس».
وسمعت شيخنا أبا العباس -رحمه الله- يقول: [كنت في ابتداء أمري بثغر الإسكندرية، جئت إلى بعض من يعرفني، فاشتريت منه حاجة بنصف درهم، ثم قلت في نفسي: لعله لا يأخذه مني، فهتف بي هاتف: «السلامة في الدين، بترك الطمع في المخلوقين»، وسمعته يقول: «صاحب الطمع لا يشبع أبدًا؛ ألا ترى حروفه كلها مجوفة! الطاء والميم والعين».
فعليك أيها المريد برفع همتك عن الخلق، ولا تذل لهم في شأن الرزق؛ فقد سبقت قسمته وجودك، وتقدم ثبوته ظهورك، واسمع ما قال بعض المشايخ: «أيها الرجل، ما قدر لماضغيك أن يمضغاه، فلا بد أن يمضغاه؛ فكله -ويحك- بعز ولا تأكله بذل».
اعلم أنَّ من عرف الله وثق بضمانه وكفالته، وأنه لا يكمل فَهم العبد حتى يكون بما في يدي الله أوثق منه بما في يديه، وبضمان الحق أوثق منه بضمان الخلق، ويكفيك جهلًا ألَّا تكون كذلك، ورأى بعضهم رجلًا يلازم الجامع ولا يخرج عنه، فتعجب من ملازمته، وفكر في نفسه من أين يأكل! فقال له يومًا: من أين تأكل؟ فقال له ذلك الرجل: إن لي صاحبًا يهوديًّا وعدني كل يوم برغيفين؛ فهو يأتيني بهما. فقال له: ذاك إذن! فقال له ذلك العارف: يا مسكين، وثقت لي بوعد يهودي، وما ثقت لي بوعد الله -سبحانه وتعالى- وهو الصادق الوعد الذي لا يخلف الميعاد!، وقد قال تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا﴾([14]) فاستحيا منه ذلك الرجل وذهب».
وعن آخر: أنه صلى خلف إمام أيامًا، فقال له الإمام يومًا وقد تعجب من ملازمته المسجد([15]) وتركه الأسباب: «من أين تأكل؟»، فقال: «قف حتى أعيد صلاتي؛ فَإِنِّي لا أصلي خلف من شَكَّ في الله»، والحكايات في هذا كثيرة.
قيل لعلي بن أبي طالب رضى الله عنه: «لو أنَّ إنسانًا أدخل بيتًا وطين ذلك البيت عليه، من أين يأتيه رزقه!»، فقال: «يأتيه رزقه من حيث يأتيه أجله»، فانظر هذه الحجة ما أبهرها، وهذه البينة ما أظهرها!.
وقول الشيخ -رحمه الله-: «ومن التفكير والتدبير في تحصيله» فالتفكر: أن تستحضر في نفسك أنه لا بد لك من غذاء يقيم بنيتك، والتدبير أن تقول: «هو من وجه كذا وكذا، لا ولكن هو من وجه كذا وكذا». ويكثر ذلك ويتردد على القلب حتى لا تدري إن كنت مصليًا ماذا صليت، أو تاليًا ماذا تلوت؛ فتتكدر عليك تلك الطاعة التي أنت فيها، وتحرم أنوارها، وتمنع أسرارها، فإذا أورد عليك ذلك فاهدم بناءه بفأس الثقة، ودكه بوجود اليقين.
واعلم -رحمك الله- أنَّ الله تعالى قد تَوَلَّى تدبيرك من قبل أن تكون، وإنك إن أردت نصح نفسك فلا تدبر لها؛ فإن التدبير منك لها إضرار بها؛ إذ ذاك مما يوجب إحالتك عليك، ويمنع إمداد اللطف أن يصل إليك، والمؤمن لا يدعه الحق -سبحانه وتعالى- لوجود التدبير، ولا لمنازعة المقادير، فإن عرض ذلك عليك أو خط فلا تثبت له؛ فإن نور الإيمان لا يدعه لذلك، ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ﴾([16])، ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾([17]).
وقول الشيخ -رحمه الله-: «ومن الشح والبخل بعد حصوله»؛ فهذان من العوارض بعد الحصول، وهما ينشآن عن ضعف،وعدم الثقة فحينئذٍ يكون الشح ويقع البخل، وقد ذَمَّ الله تعالى الشح والبخل كليهما في كتابه العزيز، فقال تعالى: ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾([18]).
فمفهومه أنَّ صاحبَ الشح لا فلاح له؛ أي: لا نور له، والفلاح هو النور، وقال تعالى في وصف المنافقين: ﴿أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمَالَهُمْ﴾([19])، وقال تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾([20])، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ﴾([21]).
والبخل والشح يطلق على أقسام ثلاثة:
الأول: أن تبخل بما في يدك أن تبذُله في واجبات الله تعالى.
الثاني: أن تبخل به ولم يتعلق بك الوجوب على عباد الله.
الثالث: أن تبخل لنفسك أن تبذلها لله تعالى.
والبخل الأول: وهو أن تبخل فلا تؤتي الزكاة وقد خوطبت بها، أو لا تقوم بحق وقد تعين عليك، من: نفقات الأبوين في فقرهما، والأولاد في فقرهم وصغرهم، وكنفقات الزوجات.
وبالجملة: فكل حق أوجب الله عليك القيام به فتخلفك عنه مما يطلق عليك لسان الذم، وتستحق به العقوبة، وفي ذلك جاء قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [التوبة: 34]، قال أهل العلم: «الكنز هو المال الذي لا تؤدي زكاته، فإذا أديت زكاته لا يكون كنزًا»، معناه لا يدخل تحت هذا الوعيد، ولا يطلق عليه لسان الذم.
القسم الثاني: البخل بالبذل فيما لم يتعلق به الوجوب، كمن أخرج زكاة ماله ثم لم يبذل منه شيئًا بعد ذلك، وهذا وإن كان قد فعل ما أمره الله تعالى به من إخراج ما وجب عليه، فينبغي أن يقتصر عليه، فإن الاقتصار على الواجبات وترك نوافل الخيرات إنما هو حال الضعفاء؛ فلا ينبغي للمؤمن المعتني بإصلاح شأنه مع الله تعالى أن يترك معاملة الله تعالى فيما لم يوجبه الله عليه؛ فإنه إن كان كذلك كان حاله كمن يصلي الفرائض ولا يقوم برواتبها.
ويكفيك أيها العبد قوله تعالى فيما حكاه عنه رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: «ما تقرب إِلَيَّ المتقربون بمثل أداء ما افترضت عليهم، ولا يزال عبدي يتقرب إِلَيَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت له سمعًا وبصرًا، ولسانًا وقلبًا، وعقلًا ويدًا ومؤيدًا»([22])، فقد بَيَّنَ -سبحانه وتعالى- أن تكرار النوافل والقيام بها يوجب للعبد وجود الحب من الله تعالى، والنوافل كل ما يطلبك بها لسان إيجاب من صلاة أو صدقة أو حج أو غير ذلك ومثل القائم بالفرائض من الصلوات المقتصر عليها، والقائم بها وبالنوافل، أو المخرج للزكاة المقتصر عليها والمخرج لها والمؤثر معها -كعبدين لسيد جعل عليهما كل يوم خراجًا على كل عبد درهمين.
فأما العبد الواحد: فإنه يؤتي للسيد بذلك ولا يزيد عليه شيئًا ولا يهاديه ولا يواده.
وأما العبد الآخر: فإنه يقوم للسيد كل يوم بما قام به صاحبه، لكن يشتري من الطرف والفواكه ما يهدي إلى سيده زائدًا عن خراجه؛ فهذا العبد لا محالة أحظى عند السيد، وأوفر نصيبًا من الحب، وأقرب إلى إقبال السيد؛ لأنَّ العبد القائم بما خورج عليه غير متودد للسيد، وإنما أعطاه إشفاقًا من عقوبته، والعبد الذي أعطى لسيده ما خارجه عليه، وهاداه بعد ذلك؛ فهو وقد سلك مسلك التودد للسيد، والتعرض لحبه -فهو حَرِيٌّ أن يظفر بقربه وحبه، وإنما جعل الحق تعالى الإيجاب على العباد؛ علمًا منه بما هم عليه من وجود الضعف، وبما نفوسهم متصفة به من وجود الكسل، فأوجب عليهم ما أوجب؛ لأنه لو خيرهم فيما أوجب عليهم لم يكونوا به قائمين إلا قليلًا، وقليل ما هم فأوجب عليهم وجود طاعته، وفي التحقيق ما أوجب عليهم إلا دخول جنته؛ فساقهم إلى الجنة بسلاسل الإيجاب، «عجب ربك من قوم يساقون إلى الجنة بالسلاسل»([23]).
تنبيه وإعلام: اعلم -رحمك الله- أنَّا تَلَمَّحْنَا الواجبات؛ فرأينا الحق تعالى جعل في كل ما أوجبه تطوعًا من جنسه في أي الأنواع كان؛ ليكون ذلك التطوع ذلك الجنس جابرًا لما عساه أن يقع من الخلل في قيام العبد بالواجبات، وكذلك جاء في الحديث أنه ينظر في مفروض صلاة العبد، فإن نقص منها شيء كمل له من النوافل(2)، فافهم -رحمك الله- هذا، ولا تكن مقتصرًا على ما فرض الله عليك، بل ليكن فيك ناهضة حب توجب إكبابك على معاملة الله فيما لم يوجبه عليك.
ولو كان العباد لا يجدون في موازينهم إلا فعل الواجبات وثواب ترك المحرمات -لفاتهم من الخير والمنة ما لم يحصره حاصر، ولا يحزره حازر، فسبحان الفاتح للعباد باب المعاملة، والمبين لهم أسباب المواصلة.
واعلم أنَّ الحق تعالى علم أن في عباده ضعفاء وأقوياء؛ فأوجب الواجبات، وبَيَّنَ المحرمات؛ فالضعفاء اقتصروا على الواجبات والترك للمحرمات، وليس في قلوبهم من سلطان الحب ووجود الشغف ما يحملهم على المعاملة من غير إيجاب، فمثلهم كمثل العبد الذي يعلم السيد منه أنه إن لم يخارجه لم يهد إليه شيئًا؛ فلذلك وَقَّتَ سبحانه الأوراد، وَوَظَّفَ وظائف العبودية، وعرف ذلك بالطالع والغارب والزوال، وصيرورة كل شيء مثله في الصلاة، وبالحول في الأموال النامية في العين والحرث والماشية، وبوقت حصول المنفعة في الزرع، ﴿وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾([24])، وبعشر ذي الحجة في الحج، وبشهر رمضان في الصيام؛ فوظف الوظائف وَوَقَّتَهَا، وجعل للنفوس فيما سواها فسحة للحظوظ والسعي في الأسباب، وأهل الله تعالى وأهل الفهم عنه جعلوا الأوقات كلها وقتًا واحدًا، والعمر كله نهجًا إلى الله قاصدًا، فعلموا أن الوقت كله له؛ فلم يجعلوا منه شيئًا لغيره؛ ولذلك قال الشيخ أبو الحسن -رحمه الله-: «عليك بورد واحد، وهو إسقاط الهوى ومحبة المولى، أبت المحبة أن تستعمل محبًّا إلا فيما يوافق محبوبه». اهـ.
وعلموا أنَّ الأنفاس أمانات الحق عندهم وودائعه لديهم؛ فعلموا أنهم مطالبون برعايتها، فوجهوا هممهم لذلك، وكما أن له الربوبية الدائمة كذلك حقوق ربوبيته عليك دائمة، فربوبيته عليك غير مؤقتة بالأوقات، فحقوق ربوبيته ينبغي أن تكون أيضًا كذلك.
يقول الشيخ أبو الحسن -رحمه الله-: «فإن لكل وقت سهمًا في العبودية يقتضيه الحق منك بحكم الربوبية». اهـ.
ولنحبس عِنان المقال؛ لئلا نخرج عن غرض الكتاب.
القسم الثالث من أقسام الإيثار: وهو الإيثار بالنفس؛ فهذا هو أفضل الوجوه الثلاثة، وإنما أوثر بغيره لأجله، فمن آثر الله تعالى بما أوجبه عليه قد لا يؤثره بما في يديه مما لم يوجبه عليه، ومن آثر الله تعالى بما في يديه مما لم يوجبه عليه فقد لا يؤثره بنفسه ولا يسخو ببذلها، فإن السخاء بالنفس والبذل لها من أخلاق الصديقين، وشأن أهل اليقين الذين عرفوا الله فبذلوا له نفوسهم؛ علمًا منهم أن العبد لا يملك مع السيد شيئًا، وإذا كان الإيثار بالنفس هو أكمل الوجوه فيكون البخل بها أقبح الوجوه؛ فقد تبين من هذا قول الشيخ: «ومن الشح والبخل بعد حصوله» على طريق الإلماح لا الاستقصاء؛ فإن الكتاب غير موضوع لهذا المعنى.
القسم الثالث من أقسام العوارض في شأن الرزق: فإذا ذكرنا أن العوارض التي تعرض في شأن الرزق على ثلاثة أقسام:
عوارض قبل الحصول، وعوارض في حين الحصول -وقد تقدم ذكرهما في كلام الشيخ فيهما، وبَيَّنَّا نحن ذلك- وعوارض بعد حصوله ونفاده، من الأسف والعدم عليه وداوم التطلع إليه، فينبغي أن تطهر منها أيضًا، واسمع قوله تعالى: ﴿لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ﴾([25])، ومن أسف على فقد شيء دون الله تعالى فقد نادى على نفسه بوجود الجهل وثبات القطيعة؛ إذ لو وجد الله لم يفقد شيئًا دونه، فمن وجد الله فلا يجد شيئًا دونه حتى يكون له فاقدًا.
وليعلم العبد أنَّ ما فاته ليس له برزق، وما كان عنده ففقده فليس له؛ لأنه لو كان رزقه ما ذهب عنه إلى غيره، بل كان عارية عنده، أخذ العارية من أعارها، واسترجع الشيء من أوجده، وكان لبعضهم ابنة عم مسماة عليه من الصغر، فلما كبر جرى ما منع زواجه إياها، ثم تزوجت بزوج غيره؛ فجاء إليه بعض أهل الفهم وقال له: «يصلح لك أن تعتذر إلى هذا الزوج الذي تزوج ابنة عمك؛ إذ كنت أنت المتطلع لزوجته؛ إذ هي زوجته في الأزل».
وكفى بالمؤمن تحذرًا من الندم على ما فات قول الله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الخُسْرَانُ المُبِينُ﴾([26]).
فقد ذم الحق تعالى من يسكن للأشياء في حين وجدها، ألا تراه كيف قال: ﴿فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ﴾؛ أي: اطمأن بذلك الخير، ولو فهم لما اطمأن بشيء دون الله تعالى، ولكانت طمأنينته بالله وحده، وكذلك من يحزن عليها عند فقدها؛ لقوله تعالى: ﴿وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ﴾.
والفتنة فقد ذلك المشتهى الذي كان إليه ساكنًا، ﴿انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ﴾؛ أي: دهش عقله، وذهلت نفسه، وغفل قلبه، وما ذلك إلا لعدم معرفته بالله تعالى، ولو عرف الله تعالى أغناه وجوده عن كل موجود، واستغنى به عن كل مفقود.
ومن فقد الله لم يجد شيئًا، ومن وجده لم يفقد شيئًا.
وكيف يفقد شيئًا من يجد بيده ملكوت كل شيء!.
وكيف يفقد شيئًا من وجد الموجد لكل شيء!.
وكيف يفقد شيئًا من وجد الظاهر في كل شيء!.
فما سوى الله عند أهل المعرفة لا يتصف بوجود ولا بفقد؛ إذ لا يوجد غيره معه لثبوت أحديته، ولا فقد لغيره؛ لأنه لا يفقد إلا ما وجد ولو انهتك حجاب الوهم لوقع العيان على فقد الأعيان، ولأشرق نور الإيقان، فغطى وجود الأكوان.
وإذ قد فهمت هذا فينبغي لك -أيها العبد- ألَّا تأسى على فقد شيء، وألَّا تركن بوجود شيء، فإن من وجد شيئًا فركن إليه أو فقد شيئًا فحزن عليه فقد أثبت عبوديته لذلك الشيء الذي أفرحه وجوده وأحزنه فقده.
وافهم ها هنا قوله عليه الصلاة والسلام: «تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش»([27]).
فلا تُحَكِّمْ في قلبك أيها المؤمن شيئًا إلا حب الله ووده؛ فإنك أشرف من أن تكون عبدًا لغيره، فقد جعلك عبدًا كريمًا، فلا تكن عبدًا لئيمًا، وقد أبى لأهل الفهم عن الله تعالى فهمهم أن يركنوا لوجد أو يتطلعوا لفقد لعبوديتهم، وتصحيحًا لحريتهم عَمَّا سواه، وسمعت شيخنا أبا العباس -رحمه الله- يقول: «الكائن في الحال على قسمين: عبد هو في الحال بالحال، وعبد هو في الحال بالمحول».
والذي هو في الحال بالحال: هو عبد الحال الذي يفرح بها إذا وجدها، ويحزن عليها إذا فقدها.
وعبد هو في الحال بالمحول: فذلك عبد الله لا عبد الحال، وهو الذي لا ييأس عليها إذا فقدها، ولا يفرح إذا وجدها.
فقوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ﴾([28])؛ أي: على وجهة واحدة، فإن زالت زالت طاعته وانفصلت موافقته، ولو فهم عنا لعبدنا على كل حالة، وفي كل وجهة كما أنه ربك تعالى في كل حال كذلك، فكن له عبدًا في جميع الأحوال، فقوله -سبحانه وتعالى-: ﴿فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ﴾؛ أي: إن أصابه خير مما يلائم نفسه هو في نظره خير، وقد يكون شرًّا في نفس الأمر، ﴿وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ﴾؛ أي: فقد ذلك الخير الذي كان به مطمئنًا وسماه فتنة؛ لأنَّ في الفقد اختبار إيمان المؤمن، وفي الفقد يظهر أحوال الرجال، فكم من ظانٍّ أن غناه بالله، وإنما غناه بوجود أسبابه، وتعددات اكتسابه! وكم من ظان أن أنسه بربه، وإنما أنسه بحاله دليل ذلك فقدانه لأنسه عند فقدان حال! فلو كان أنسه بربه لدام أنسه بدوامه ولبقي ببقائه، وقوله تعالى: ﴿خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآَخِرَةَ﴾، خسر الدنيا بفقدان ما أراد منها، وخسر الآخرة لأنه لم يعمل لها؛ فقد فاته ما طلبه، وهو ما طلبنا حتى نكون له، فافهم!.
([13]) هو أبو سعيد الحسن البصري رضى الله عنه ، كان والده من أهل بَيْسَان فسبي؛ فهو مولى الأنصار، وكان قد غلب عليه الخوف، حتى كأن النار لم تخلق إلا له وحده، وكان رضى الله عنه يقول: «ذهبت المعارف وبقيت المناكر، ومن بقي من المسلمين فهو مغموم»، ومن كلامه رضى الله عنه: «من شرط المتواضع أن يخرج من بيته فلا يلقى أحدًا إلا رأى له الفضل عليه»، وكان يقول: «إذا أذنب العبد ثم تاب، لم يزدد بتوبته من الله تعالى إلا قربًا، وإذا أذنب ثانيًا لم يزدد كذلك إلا قربًا»، وكان يقول: «أدركنا أقوامًا كانوا فيما أحل الله لهم أزهد منكم فيما حرم عليكم»، وقيل له مرة: «إن الفقهاء يقولون كذا وكذا»، فقال: «وهل رأيتم فقيهًا قط بأعينكم! إنما الفقيه الزاهد في الدنيا، البصير بذنبه، المداوم على عبادة ربه عز وجل»، ومن كلامه: «كانوا يقولون: لسان الحكيم من وراء قلبه، إن أراد أن يقول يرجع إلى قلبه، فإن كان له قال، وإلا أمسك، وإن الجاهل قلبه في طرف لسانه لا يرجع إلى قلبه ما أتى على لسانه تكلم به».
([22]) وفيما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله سبحانه: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ من أداء ما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنَّه».
([23]) هذا الحديث رواه أبو هريرة رضى الله عنه ، وأخرجه أحمد في «مسنده»، والبخاري، وأبو داود، ولفظه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجب ربنا من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل»، ولمعنى هذا الحديث جاءت روايات أخرى، منها ما أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة رضى الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله الصلاة، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، وإن انتقص من فريضته قال الرب: انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من فريضته، ثم يكون سائر عمله على ذلك»؛ ولهذا يقول الإمام النووي رضى الله عنه: قال العلماء: «والحكمة في شرعية النوافل تكميل الفرائض بها إن عرض فيها نقص، كما ثبت في الحديث في سنن أبي داود وغيره، ولترتاض نفسه بتقديم النافلة ويتنشط بها، ويتفرغ قلبه أكمل فراغ للفريضة». اهـ. [«صحيح مسلم» شرح النووي جـ6، ص10].
([27]) هذا الحديث الشريف رواه الإمام البخاري عن أبي هريرة رضى الله عنه ولفظه: عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ، وَعَبْدُ الْقَطِيْفَةِ؛ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ، طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ الله أَشْعَث رَأْسُهُ مُغْبَرَّة قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ، إِنْ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ». اهـ.