بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الخامسة
إِنَّ الحمدَ للهِ نَستعينُهُ ونستغفِرُهُ، ونعوذُ بِهِ من شرورِ أنفسِنَا، مَن يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، ومَن يُضْلِلْ فَلا هادِيَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إِله إلا اللهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا(70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:70-71].
أما بعد، فإن للعلماء واجبًا علينا أن نجلهم ونوقرهم ونتأدب بين أيديهم، ومن كمال تبجيلهم أن ننشر علمهم بعد وفاتهم؛ حتى يستفيد الأحياء من هذا العلم، ويكتب لهم الأجر في قبورهم إلى يوم الدين لانتفاع الناس بهذا العلم.
وقد شرفت بالعمل على نشر كتاب «أصول الوصول» للإمام الرائد محمد زكي إبراهيم رضى الله عنه، وأود قبل أن أتحدث عن هذا العمل أن أذكر قصتي معه، فقد تأخَّر هذا اللقاء عشرين عامًا، ففي البداية كنت أقرأ في مجلة المسلم، ثم سمعت بعد ذلك أن للشيخ محمد زكي إبراهيم رحمه الله أسانيد في الحديث والعلوم الشرعية، وقد كنت مشغولًا آنذاك بجمع الإجازات العلمية ابتغاء أن يجمعني سند واحد مع حضرة المصطفى صلىٰ الله عليه وسلم أولًا، لأن السند من خصائص هذه الأمة المحمدية، وابتغاء التعلم ثانيًا، ثم التماس البركة ودعاء المشايخ ثالثًا، وطلبت من أحد الأصدقاء أن يأخذني إلى الشيخ رحمه الله، ولكنه شغل مرة وشغلت أنا الآخر مرة أخرى، ثم طلبت منه مرة ثانية فأخبرني أن الشيخ مريض وظروفه لا تسمح بذلك، وبعد ذلك رحل الشيخ رحمه الله ورحل معه الأمل في لقائه، ثم شاء الله بعد ذلك وتشرفت بلقاء الدكتور محمد مهنا -متَّعه الله بالصحة والعافية- الذي أبدى لي رغبته في أن أقوم بتصحيح بعض رسائل الشيخ رحمه الله، ثم وقع الاختيار بعد ذلك على كتاب «أصول الوصول» للسيد الرائد رحمه الله، وكنت في البداية أظنه رسالة صغيرة، فإذ به كتاب كبير، سلك فيه الشيخ رحمه الله طريقة الفقهاء والمحدثين في التصنيف، حيث يذكر الحكم الشرعي ومعه الدليل من الكتاب أو السنة أو غيرهما كما هو مقرر في علم أصول الفقه، مع فهم دقيق للمسائل الشرعية، وأدب رفيع في رده على المخالفين، وخُلُقٍ عالٍ في تعليمه للمريدين، وبصيرة نيِّرة في الدعوة إلى الله، حيث يطبق قوله تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ﴾ [يوسف:108].
وهذه الطريقة في التصنيف هي طريقة العلماء السابقين ممن كتب لهم القبول لدى جميع الطوائف حتى المخالفين لهم، ومن أشهر هؤلاء العلماء الإمام النووي رحمه الله، والحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله، وغيرهم الكثير.
ولَمَّا تسلمت الكتاب قرأته عدة مرات لأتعرَّف على المؤلف رحمه الله، والموضوعات التي يعالجها، وكيفية معالجتها، فوجدت الكتاب ينم عم علم غزير، إلا أني وجدت أمورًا لم تَرُق لي، منها: كثرة الأخطاء المطبعية -حيث إن الطبعات السابقة قد طبعت في ظروف خاصة لم يتمكن القائمون عليها بتصحيحها- وكان الكتاب في حاجة إلى إعادة التبويب أيضًا، مما جعلني أسلك المنهج الذي يخدم الكتاب، وتمثَّل في الآتي:
أ- قمت بتبويب الكتاب موضوعيًا، حيث جمعت الأبحاث المختلفة في الموضوع الواحد مع بعضها حتى يتضح علم الشيخ رحمه الله الذي يتناسب مع جلالة قدره وسعة علمه، وحتى ينتفع بهذا العلم كما جاء في الحديث الشريف في صحيح مسلم (1631/14) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ». والشيخ رحمه الله قد ترك هذه الأشياء الثلاثة، فقد ترك الصدقة الجارية ممثلة في العشيرة المحمدية التي قام بتأسيسها، والعلم الذي ينتفع به الناس، والولد الصالح الذي يدعو له، بالإضافة إلى الكثير من المريدين والمحبين الذين ملأوا الأرض عِلمًا وفضلًا، وقد رتَّبته كالآتي:
1- الذكر والأوراد.
2- الخلوة.
3- أهم النوافل عند الصوفية.
4- اتخاذ الشيخ شريعة وطبيعة.
5- أهل الله والعارفون والأولياء والأقطاب.
6- قصة الخضر وموسى.
7- الكرامات.
8- البركة.
9- مشروعية قراءة الفاتحة للأحياء والأموات.
10- الشرك والكفر والصلاة في المقابر.
11- الوسيلة والتوسل.
12- المدح والبردة ودلائل الخيرات.
13- الإنشاد الصوفي.
14- المواكب الصوفية.
15- الموالد الصوفية.
16- مع السادة الشاذلية.
17- حكم تقبيل الأيدي وغيرها في شرع الله.
18- اتخاذ السبحة.
19- حكمة تعدد الطرق.
20- من هم أهل السنة؟
21- حول عبادة الرغبة والرهبة.
22- آراء العلماء السابقين والمعاصرين في التصوف.
23- الحديث الضعيف وموقف الصوفية منه.
24- معلومات مبدئية عن الطريقة المحمدية.
25- من كلام فضيلة الإمام الرائد رضى الله عنه.
ب- قمت بأعمال التحقيق والتصحيح المعتادة، وتمثَّل ذلك في عزو الآيات إلى المصحف الشريف مع تشكيلها، وتخريج الأحاديث الشريفة من مصادرها مع ضبطها أيضًا قدر الإمكان، وتصحيح الأخطاء المطبعية واللغوية التي وقعت في الطبعات السابقة.
وفي النهاية لا يفوتني أن أشكر شباب أمانة الدعوة بالعشيرة المحمدية على كل ما بذلوه من جهد في سبيل إخراج هذا العمل على الوجه الْمُرْضِي إن شاء الله، وأخص بالذكر صديقي الأخ محمد حسن الذي قام بمقابلة الكتاب معي وبعض الأعمال المساعدة.
والله أسأل أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه ومُتَقَبَّلًا، وأن يجعله في ميزان حسنات السيد الرائد رضى الله عنه، وأن يجمعنا بحضرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وأوليائه الصالحين في مستقر رحمته، فهو وحده المسئول، والقبول لديه مأمول.
كتبه
سعيد المندوه
القاهرة في يوم الجمعة
26 ربيع الآخر 1426هـ
الموافق 3 يونيه 2005م