فتوى لفضيلة الدكتور / موسى لاشين
عميد أصول الدين
معروف أن فضيلة الأستاذ الشيخ موسى لاشين لا يعترف بالتصوف، ولا يرضى عن سلفه أو خلفه، فلا يعتبر في فتواه منحازًا إلى الصوفية الذين يكثرون من الاحتفالات الدينية. وقد سئل فضيلته عن الاحتفال بليلة الإسراء ونحوها فقال:
يرى بعض العلماء أن الاحتفال بغير العيدين بدعة لم تكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الخلفاء الراشدين، وما كان من هذا القبيل باطل ويمنع؛ لأنه زيادة في الدين، وتشريع ما ليس بتشريع.
ويرى البعض أن الاحتفال بذكرى المناسبات الدينية كالمولد النبوي، والهجرة، والإسرء والمعراج أمر مستحسن؛ لأنه يحي في نفوس المسلمين شوقًا وحنينًا وعبرًا إسلامية لم تكن تحيا لولا هذه الاحتفالات. والفريقان يتفقان على أن إحياء هذه الليالي وغيرها إحياءً فرديًا بالذكر، وقراءة القرآن، ودراسة السيرة النبوية العطرة أمر مستحسن مشروع. فقد كان الصحابة والتابعون يحي كل منهم ما شاء من الليالي بما شاء من أذكار قد تختلف عما يقوم به الآخر، وكان بعضهم يصوم من الأيام ما لا يصومه الآخر، ولا يختلف اثنان في أن التوسعة على العيال، والفقراء، والمساكين في هذه المناسبات وغيرها أمر مقبول، إذن فقد انحصر الخلاف في التجمع والاحتفال بالمظهر العام، وأعتقد أن الأمر في ذلك هين، لا يتعلق به أمر أو نهي، ولا يحكم على مَن فعله بانه أتى حرامًا أو منكرًا، بل ولا مكروهًا، ولا يؤمر من لا يفعله أن يفعله، ولا من لا يقره أن يقره.
فمن صام هذه الأيام محتسبًا ووسع على عياله، وعلى الفقراء والمساكين، وذكر الله بما شاء مخلصًا كان له أجره وفضله، ومن لم يفعل فلا إثم عليه، والله أعلم. اهـ.
ونحن نسجل هذه الفتوى السمحة سائلين الله التوفيق، وصدق خدمة الإسلام والمسلمين.
ومعروف -أيضًا- أن فضيلة الأستاذ النمر وكيل الأزهر ووزير الأوقاف الأسبق ليس صوفيًا، شأنه شأن الأستاذ موسى لاشين، بفارق المرونة في الشيخ النمر، فلا يتهم بمجاراة الصوفية، ولا الانحياز لهم. وهو يقول:
فتوى لفضيلة الأستاذ الدكتور عبد المنعم النمر
وزير الأوقاف الأسبق
أولًا: حينما نتحدث عن الاحتفال بمناسبة من المناسبات الدينية أو الوطنية فإننا نهدف إلى التعرف عما وراء هذا من عبر وعظات تفيدنا وتصلح نفوسنا في حياتنا.
وقد تسمعون من بعض الناس أن الاحتفاء والعناية بذكرى من هذه الذكريات بدعة لا يصلح أن تكون، ويحاربون هذه العناية أو يقاطعونها، ويظنون أن ذلك من الدين، وأن من يحتفل بها يكون غير ملتزم بالدين.
وأحب أن تقولوا لهؤلاء الإخوة الطيبين الذين لا نشك في غيرتهم الدينية: إن العناية بالمناسبات الدينية والأحداث الوطنية كيوم الاستقلال أو يوم النصر، أو الأحداث الدينية كيوم بدر، وفتح مكة، أو الشخصيات الإسلامية التي لها أثرها في المسلمين وأمجادهم العلمية والحربية؛ إن هذا وأمثاله هو من الأمور التي تتصل بالعادات ولا تتصل بالعبادات.
ونحن في العبادات ممنوعون من أن ندخل عليها شيئًا جديدًا غير ما جاءنا عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: أما العادات فهي أمور تتغير وتتبدل من أمة إلى أمة، ومن جيل إلى جيل، ولكل جيل أن يستحدث من الأمور الحسنة ما يراه نافعًا له في دينه ودنياه، ويتخذ من عنايته واحتفاله بهذا الحدث والنصر مثلًا، أو بهذا الشخص العظيم، وذكر مآثره وخدماته للإسلام والمسلمين يتخذ من هذا درسًا للأجيال الجديدة وللناس كافة لقتدوا به في عظمته، وفي خدماته لأمته.
فهذه أمور لا صلة لها بالعبادات وإنما هي عادات، ثم ما يقال فيها هو كله من عبر وعظات تفيد الأحياء وتحملهم على القدوة الحسنة، فهي دروس تلقى على الناس في مناسباتها ليكون وقعها حسنًا في النفوس، ولكل مقام مقال، ولكل حدث حديث.
فماذا في هذا من سوء عند الإخوة الطيبين الذين يحملون الدين ما لا يحتمل، ويدخلوه في مثل هذه العادات الحسنة ليحكموا باسمه عليها بأنها بدعة سيئة، ويرفضوها ويثيروا جدلًا بينهم وبين غيرهم فيها، ويضيعوا من الوقت والجهد ما يجب أن يصرفوه فيما هو أنفع لهم وللدين.
ثالثًا: هل يكره الإسلام والمسلمون الفاهمون أن نتحدث للناس عن غزوة بدر، وعن شجاعة المسملين وتضحياتهم فيها؛ ليقتدوا بهم؟ هل يكره الإسلام والمسلمون الفاهمون لدينهم أن نتحدث عن فتح مكة ونصر الله لرسوله صلى الله عليه وسلم ولصحابته على المشركين، وعن عفو الرسول وحلمه، وشكره لربه حين فتح له مكة، والله سبحانه وتعالى قد تحدث في القرآن الكريم عن هذا الفتح والنصر؟ هل يكره الإسلام أن نستعرض حياة عظمائنا في كل نواحي الحياة بمناسبة مولدهم أو وفاتهم أو الحادث الذي فعلوه ونتحدث عن نواحي عظمتهم؛ ليقتدي الشباب والمسلمون عامة بهم؟
رابعًا: لقد أحيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرى حادث أخيه موسى من الغرق، وذلك حين قدم المدينة ووجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، وقالوا: إنا نصومه شكرًا لله على نجاة موسى من الغرق. فقال لهم: ونحن أحق بموسى منكم. فصامه وأمر الناس بصيامه كما جاء في الحديث الصحيح. وهذا بلا شك يعتبر احتفالًا من الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه المناسبة الطيبة، وبالطريقة التي رآها الرسول صلى الله عليه وسلم.
فمبدأ الاحتفال بالمناسبات الطيبة وإحياء ذكراها مبدأ مقرر ومبدأ مفيد في عالمنا الآن، وفرصة نبحث فيها حديث الذكريات لنعلم الناس حسن الاقتداء بالطيبين الذين سبقونا بإحسان، وأدوا للإسلام كبرى الخدمات. فهي دروس، وما أحوجنا الآن إلى الدروس التي تقال في مناسباتها فلكل مجال مقال، ولكن حدث حديث.
ومعروف كذلك أن فضيلة الأستاذ الشيخ عطية صقر لا علاقة له بالتصوف، فهو لا يجامل الصوفية بما يكتب، وهو لا يكتب ما يحرم الله أو يعرضه لغضبه تعالى فاسمع له يقول: «الاحتفال بالمناسبات أمر طيب ومشروع».
فتوى لفضيلة الأستاذ الشيخ عطية صقر
عضو مجمع البحوث وعضو مجلس الشعب
أولًا: الاحتفال بالذكريات بوجه عام ليس هناك دليل يمنعه، وإنما الممنوع أن تُسْتَحْدَث فيه عبادة ليس لها أصل في الدين، أو أن يكون أسلوب الاحتفال محرمًا أو يُنْتِج محرمًا.
فيكون الاحتفال ممنوعًا لا لذاته بل لما يعرض له. وقد صح في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتفل كل أسبوع بذكرى مولده وذكرى بعثته، وذلك بأسلوب فيه إظهار لعبودية الله، والحاجة إليه، والإحساس بنعمته وهو الصيام.
وقد جاء الأمر في القرآن لسيدنا موسى — بتذكير الناس بأيام الله التي أهلك فيها من كذبوا أنبياءهم ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ﴾ [إبراهيم:5].
ولا شك أن تذكير الأحداث الماضية واستخلاص العبر منها بعد مشاهدة آثارها مأمور به في القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ﴾ [الرُّوم:42]، وقال ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (٦) إِرَمَ ذَاتِ العِمَادِ (٧) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي البِلَادِ (٨) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالوَادِ (٩) وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ (١٠) الَّذِينَ طَغَوْا فِي البِلَادِ (١١) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الفَسَادَ (١٢) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (١٣) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرْصَادِ﴾ [الفجر6-14].
وقال عن قوم لوط: ﴿وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [الصَّفات:137-138] إلى غير ذلك من النصوص.
ثانيًا: والشخصيات العظيمة الي تركت آثارًا طيبة في أي ميدان من ميادين الخير كالأنبياء والعلماء والقادة لا مانع أبدًا أن نبحث عن جوانب العظمة في تاريخهم، وذلك من أجل التأسي والاعتبار، حيث لم يرد دليل مقبول ينهى عن ذلك، بل إن الأدلة كثيرة، تدل بعمومها على جوازه بل تشجع عليه، فقد قص الله علينا في القرآن الكريم أخبار الرسل وغيرهم، وقال ضمن ما قال في حكمة ذلك: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الأَلْبَابِ﴾ [يوسف:111].
غير أن ذلك كله مشروط بأن يكون الأسلوب مشروعًا، وأن لا تترتب عليه آثار يستنكرها الدين، وإلا كان ممنوعًا، والمنع لأمرين:
أحدهما: يتصل بالأسلوب وهو الحديث: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ»([1]).
وثانيهما: يتصل بالآثار وهو القاعدة الشرعية (الوسيلة إلى الشيء تعطى حكمه) فكل ما يؤدي إلى الحرام فهو حرام، وكذلك قاعدة (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح). وعلى هذا فليس كل الاحتفالات دائمًا مشروعة، وليست دائمًا كلها ممنوعة.
ثالثًا: هذا، وأنبه إلى وجوب تحري الباحثين والكاتبين الاعتماد على النصوص القوية التي تبنى عليها الأحكام، وإلى وجوب تحديد المفاهيم عند الجدال والمناقشة، وإلى عدم التعجل في إصدار الحكم، وعدم الجزم بأنه هو وحده الصحيح ما دام هناك خلاف، وإلى التالي كثيرًا في إطلاق اسم البدعة المذمومة على كل جديد، فليس كل جديد ضلالة، وقد صح أن عمرًا رضى الله عنه قال في جمع المسلمين على أبي بن كعب في صلاة التراويح: نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ. رواه البخاري([2]).
وصح -أيضًا- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ». رواه مسلم([3]).
وأعتقد أن انتشار الوعي الديني السليم ومبادرة القادة والمسؤولين بالتنفيذ لهما أثر كبير في تصحيح المفاهيم، وفي سلامة التطبيق.