1- الذكر باسم الصدر (آه):
هذا الاسم من المختلف عليه حتى بين الشاذلية أنفسهم، ولكن السادة الذاكرين به يقولون: إنهم يجدون له عند الإخلاص لذة روحية وحلاوة كبرى. ويحكون أن للذكر به مددًا وروحانية وبركة، ولهم على الذكر به أدلة، ولعل أقواها ما كتبه المرحوم الشيخ الظواهري شيخ الأزهر، فقد كان شاذليًا من أنصار الذكر بهذا الاسم.
وتبعه كثيرون من أهل العلم والفضل، كالعارف بالله الشيخ عمران الشاذلي وغيره، رحم الله الجميع.
وللمعارضين للذكر بهذا الاسم أدلة أخرى منها: أنه لم يذكر في أسماء الله الحسنى أو غيرها من الصحيح، والذكر بالمتفق عليه خير من الذكر بالمختلف عليه؛ ولهذا لم يذكر به الإمام أبو الحسن الشاذلي نفسه، ولم يعرف الذكر به إلا في العهود الاخيرة منسوبًا إلى بعض أشياخ الشاذلية. ومن زعماء هذا القول المرحوم الشيخ علي سالم عمار الشاذلي([1]) وبعض فروع الشاذلية: كالحصافية، والحامدية وغيرهم.
فالذين أجازوه أخذوا بالتجربة، والذين منعوه أخذوا بالاحتياط فوقع الأمر بين الرخصة والعزيمة، فمن شاء فعل وله دليله، ومن شاء ترك وله دليله، والأعمال بالنيات. ويجب أن يعذر كل طرف أخاه فيما اختاره لنفسه، ولهذا قال شيخنا خليل الله: نحن لا نأمر به ولا ننهى عنه، ونتبرك بهؤلاء وأولئك جميعًا.
ولكن يحرم نهائيًا فتح هذا الباب وأمثاله لإيقاظ الفتن، فإن هناك ما هو أولى بالمكافحة وصرف الجهد من المنكر المتفق على ممنوعيته بين جميع المسلمين.
وأولى بنا في هذا الوقت الذي استشرى فيه الفساد الخاص والعام منطوقًا، ومنظورًا، ومسموعًا بصوره المدمرة أن نتعامل في الأمور الدينية كما يتعامل أتباع المذاهب الأربعة الآن، فمثلًا يؤكد الشافعية ضرورة النطق بالبسملة في الصلاة مع رفع اليدين قبل وبعد الركوع، ولا يرى المالكية ذلك، ومع هذا فكل منهم يؤم الآخر أو يأتم به على أصل مذهبه، عن رضا وتفويض أخوي، وحسن ظن، ومسألة عقائدية، كلها حب وعذر وتقدير.
2- المصافحة والتقبيل:
مصاحفة الإخوان ثابتة بالسنة باتفاق جميع طوائف المسلمين، وقد رغب فيها الشرع، وبين أنها من مكفرات الذنوب، ولا خلاف عليها إطلاقًا بين أهل العلم، والأحاديث فيها معروفة، فلا داعي لسردها فهي كالمعروف بالضرورة.
أما التقبيل فقد فصلنا حكمه آنفًا في أول هذه الكلمة، فارجع إليه ﴿وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾ [الرُّوم:60].
3- مسألة المدد:
المدد من الله، والغوث من الله، والفيض والسر من الله، ولا يملك عبد من ذلك شيئًا أبدًا، ويجب أن يوجه الدعاء لله وحده فيما لا يملكه إلا هو عز وجل، ولكن التوسل إلى الله بما يحب وبمن يحب مستحب.
وطالب المدد إنما يطلبه من الله متوسلًا برسوله صلى الله عليه وسلم وبالصالحين من عباده، فإذا أخطأ أسلوب التوسل أو ألفاظه وجب أن ينبه إلى الخطأ برفق وحكمة ومحبة، فاليقين القلبي هو ﴿كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ﴾ [الإسراء:20].
ولما كان هذا الخطأ شائعًا في بعض الأوساط المتصوفة فعلًا، وقد وجب تصحيحه، فيحرم أن نحكم على الجاهل أنه يقصد الشرك أو الكفران، فإن المعتبر في هذا الوقت نيته لا لفظه، فهو موحد عابد موقن تمامًا بأن الأمر كله لله.
ونستطيع أن نقول أن طالب المدد يخاطب الروح سواء وجه الطلب إلى الحي أو الميت؛ لأن الجسد بتكوينه الطبيني أو الحيواني لا قدر له ولا إدراك فيه، فالمخاطب في الحي أو الميت هو الروح الباقي الخالد المدرك الموجود، ونحن نخاطب النبي صلى الله عليه وسلم مرات في تشهد كل صلاة بالسلام عليه، سلام الحاضر الشاهد السامع المشكوف عنه، المُدْرِك لمراد مخاطبه، الذي يتخلص في الوسيلة به إلى الله في إفاضة المدد والغوث، ويكون المعنى: يا رسول الله، اطلب لي المدد والعون من الله، أو أتوسل بك إليه تعالى في منحة عون وغوث ومدد. وحكم التوسل إلى الله بالأشياخ هو حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم.
4- اصطفاء أبناء الشاذلي:
ما من ولي إلا وقد بالغ بعض أتباعه في حبه، فحرفوا كثيرًا مما أثر عنه، وزادوا عليه دون نظر إلى أصول القواعد الشرعية التي لا تقبل التأويل، وربما عذرناهم بفرط الحب للشيخ أو الجهل بالحكم أو بحسن الظن الذي لا تحده حدود، وعذرهم يستوجب توجيههم بالحب والحكمة إلى الصواب.
فقولهم: إن أبا الحسن اختار أتباعه من اللوح المحفوظ يتعين أن يكون معناه أن الله كشف عن بصيرته، فأشهده السجل الذي اختاره الله وحدد أسماء من ذكروا به، ليكونوا مريدين وأتباعًا للشاذلي بمشيئة الحق لا غيره، هذا إذا صح الخبر بالطريق العلمي ولا أظنه صحيحًا.
وكذلك ليس معناه أن الله فوض أبا الحسن نيابة عنه ليختار أسماء ويرفض أسماء، فهذا باب خطير جدًا في سوء الفهم لدين الله، ولمقامات أهل الله، وهو يفتح أبواب تساؤلات دقيقة جدًا، ربما أفضت إلى الشرك أو الكفر والعياذ بالله.
أما العبارة التي جاءت بهذا المعنى في بعض الكتب فهي إما محرفة أو مدسوسة، ويجب أن يكون فهمها محصورًا في المعنى الإسلامي العلمي الذي قدمناه إن صحت.
5- حضور أبي الحسن عند سؤال القبر:
ومن الباب نفسه قولهم: إن أبا الحسن يحضر في القبر عند سؤال المريد من الملكين بعد الموت، كما نسبوا بعض ذلك إلى بعض الأولياء، وإذا صح الخبر، ولا أظن ذلك، فإنه يتعين أن يكون معناه الشرعي أن الله قد استجاب لأبي الحسن دعوته في تخفيف السؤال عن مريديه وإلهامهم الإجابة في القبر، فكان كأنه حاضر معهم.
فإن من الثابت في دين الله أنه لا يحضر سؤال القبر مع المسؤول سوى ما جاء من ذكر الشيطان والفتنة ﴿كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾ [الطُّور:21]. وأما الشفاعة من المسلم لأخيه فلا تكون إلا في يوم القيامة، وحب الولي لا يكون بالافتراء عليه.
ثم لو افترضنا أن عددًا من الشاذلية ماتوا في وقت واحد وفي بلاد وأماكن متعددة، فعند من منهم يكون أبو الحسن؟ وكيف يعلم بذلك؟ وكيف ينتقل بين المشارق والمغارب؟ و...و...؟
ولو جاز لروح أن تحضر عند السؤال لحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند سؤال أهل بيته وصحابته العظام، وليس كذلك، فكيف يخص الله أبا الحسن أو غيره بما لم يخص به الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ ﴿سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ [النور:16].
وكما قدمنا أن العبارة التي جاءت بهذا المعنى في بعض الكتب إن لم تكن مدسوسة فهي محرفة، ويتعين على المسلم فهمها على الوجه الذي قدمناه.
6- الطبل والنداء بقطبانية أبي الحسن:
وثالثة الأثافي في هذا الباب قولهم: إن أبا الحسن كان يركب في موكب تدق بين يديه الطبول، وينادي المنادي: من أراد القطب فعليه بأبي الحسن.
وهذا الخبر منافي للشرع عامة ولآداب الصوفية خاصة، ولكرامة الشاذلي ولمكانته العلمية والروحية بصفة أخص، وأنه من مغالاة الأتباع كما هي العادة لا شك في ذلك.
والذي نرجحه، إن صح الخبر، أن أبا الحسن في طريقه من الإسكندرية إلى المنصورة للاشتراك في حروب الصليبين في أواخر العهد الأيوبي ركب كقائد تدق بين يديه طبول الحرب المطلوبة شرعًا؛ ليجمع من حوله الأتباع وغيرهم لمواجهة العدو الغازي. حيث يأمر الشرع في مثل هذه الحالة أن تخرج المرأة من غير إذن زوجها، والعبد بغير إذن سيده إلى النفير الأعظم والزحف العام إذا احتل الأجنبي شبر أرض مسلمة، وقد احتل لويس التاسع دمياط في طريقه إلى المنصورة.
ثم جاء الكاتبون والقصاصون فشوهوا الخبر، وجعلوه من باب الترف والغرور، والجهل بخقيقة هذا الرجل العظيم من كل الوجوه، كادعائهم الكاذب على عبد القادر أنه قال: قدمي هذا على عنق كل ولي لله.
7- وأخـيــرًا:
فأنا خويدم لنعال سادتي الشاذلية الأعلياء وراثة عن أبي وأجدادي من قديم جدًا، فالشاذلية طريقتنا الأصلية العريقة التي نخدمها وإن لم نحرم شرف التبرك بأمداد كثير من الطرق الشرعية، وإنما أردت أن أخلص شيخي وإمامي مما يتهم جهلًا به، وما يجعله وأتباعه عرضة للنقد والتجريح من خصوم التصوف، وهم كثر.
فإذا أنا أجبت على هذه الأخبار، بهذا الأسلوب العلمي المنطقي الذي قد لا يعجب من لا دراية له بالشريعة ولا بالحقيقة، ولا بأبي الحسن، فإنما أريد وجه الله والدار الآخرة، وأبرأ أمام الله وأمام الناس من تبعة الرضا بالخطأ وإن عاش عمر إبليس، وإن آمن به أهل الثقلين.
إن طول عمر الخطأ وتداوله لا ينقله إلى رتبة الصواب أبدًا، بل ينقله إلى مجال الخطئية الموبقة.
اللهم إني أستغفرك من كل ذنب تبت إليك منه ثم عدت فيه، وأستغفرك من كل ما وعدتك به من نفسي ولم أوف لك به، وأستغفرك من كل عمل أردت به وجهك فخالطني فيه ما ليس لك، وأستغفر من كل نعمة أنعمت بها علي، فاستعنت بها على معصيتك، وأستغفرك يا عالم الغيب والشهادة من كل ذنب أتيته في ضياء النهار أو سواد الليل، في ملا أو خلا، أو سر أو علانية، يا غفور يا رحيم.