(أ) من هو الصوفي؟
(ب) وبماذا يمتاز عن عامة المسلمين؟
(ج) وهل هناك فرق بينه وبين التقي، أو المؤمن، أو المسلم، أو الصديق؟
(د) وإذا لم يكن هناك فرق، فلماذا الإصرار على استخدام الاصطلاح؟
* * *
الجواب:
تستطيع أن تعرف الصوفي الحق، بأنه المسلم النموذجي، فقد اجمع كافة أئمة التصوف على أن التصوف هو الكتاب والسنة، في نقاء وسماحة واحتياط، وشرطه أئمة التصوف في مريديها أخذًا من قوله تعالى: ﴿وَلَكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ [آل عمران:79] كما قدَّمنا.
والعلم هنا هو أولًا: علم الدين بدعامتيه «الكتاب والسنة»، ثم هما بدورهما منبع كل علم إنساني نافع، على مستوى كافة الحضارات، وتقدم البشرية، مقتضى تطور الحياة.
فالتصوف إذن هو: ربانية الإسلام الجامعة للدين والدنيا([1]).
ومن هنا جاء قول أئمة التصوف، وفي مقدمتهم (الجنيد): «من لَم يُحَصِّل علومَ القرآن والحديث، فليس بصوفي»، وأجمع على ذلك كل أئمة التصوف، من قبل ومن بعد، وتستطيع مراجعة نصوص أقوالهم عند القشيري، والشعراني، ومن بينهما، ومن بعدهما.
(ب) أما الامتياز عن عامة المسلمين؛ فالقاعدة الإسلامية هنا هي العمل؛ فإذا عمل الصوفي بمقتضى ما يتعين عليه كقدوة وداعية، امتاز بمقدار جهده، شأن كل متخصص وإلا فهو دون كل الناس إذا انحرف أو شذ، بل إن تجاوز.
فالصوفية يجعلون خلاف الأَوْلَى في مرتبة الحرام اتقاءً للشبهات، واستبراءً للعِرْضِ والدين([2])، وهم يعرفون كيف أن السلف كانوا يتركون تسعة أعشار الحلال: خوفَ الوقوع في الحرام([3])، فهم يؤمنون بهذا، ويحاولون العمل به.
والله تعالى يقول: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾ [الأحقاف:19] فالعمل أساس الامتياز.
(جـ) أما مسألة الفرق بين الصوفي، والمسلم، والمؤمن، والتقي:
فإن الإسلام شرع لنا تعريف الناس بخصائصهم، وذكرهم بما يميزهم عن غيرهم، وقد ذكر الله المهاجرين والأنصار بخصيصتهم: تعريفًا لهم، وهم مسلمون مؤمنون أتقياء، وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالًا الحبشي، وصهيبًا الرومي، وسلمان الفارسي بما يميزهم من الألقاب، وهم مسلمون مؤمنون أتقياء.
وذكر القرآن من المسلمين أصنافًا: الخاشعين، والقانتين، والتائبين، والمتصدقين، والعابدين، والحامدين، والسائحين وغيرهم، وكلهم من أهل (لا إله إلا الله).
إذن، فذكر إنسان بخصيصة عُرف بها عند الناس، سنةٌ قرآنية ونبوية، وما دامت هذه الطائفة، قد عُرفت باسم الصوفية لسبب أو لآخر، فليس بدعًا أن تُدعى بهذا الاسم.
ثم لماذا كل هذه الزوبعة هنا، ولا تكون هناك زوبعة حين يقال «سلفية» ؟! أو «أزهرية»، أو «وهابية»، أو«شافعية»، أو«مالكية»، أو«حنبلية»!؟ وهل كان فيما مضى (جمعية كذا- أو جماعة كذا)؟
أرأيت أن الأمر كان أهون من أن يكون سؤالًا، لولا المذهبية المدمرة، والتعصب الموبق!؟
***
([1]) قال الشيخ شهاب الدين أبو حفص عمر بن محمد السهروردي رحمه الله تعالى «إن الصوفي من يضع الأشياء في مواضعها ويدبر الأوقات والأحوال كلها بالعلم، يقيم الخلق مقامهم، ويقيم أمر الحق مقامه، ويستر ما ينبغي أن يسُتر، ويظهر ما أن يظهر، ويأتي بالأمور من مواضعها بحضور عقل، وصحة توحيد، وكمال معرفة ورعاية صدق وإخلاص».
[راجع الخطط التوفيقية لـ «علي باشا مبارك رحمه الله تعالى جـ1ص90 طبع المطبعة الأميرية سنة 1305هـ].
([2]) ومن نصوص الحديث –كما في الفتح الكبير- قوله صلى الله عليه وسلم: «الْحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَد اسْتَبْرَأَ لعِرْضِهِ وَدِينِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعه، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلاَ وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلُحَتْ صَلُحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ». رواه الأربعة، والبخاري ومسلم.