يقول الصوفية بضرورة وجود الشيخ، لتوصيل المريد إلى ربه، ويقولون: من لا شيخ له فالشيطان شيخه، فهل هذا صحيح؟
الجواب:
يا ولدي: الصوفية في هذا يصدرون عن صحيح الشريعة، وصحيح الطبيعة، وصحيح التجربة، وصحيح الممارسة والواقع.
أما الشريعة فالله تعالى يقول: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ﴾[الأنبياء:7]ويقول: ﴿الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ [الفرقان:59] ويقول: ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾[الرعد:7] ويقول: ﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾[فاطر:14] ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ﴾[الأنعام:90] ﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ﴾[لقمان:15]. ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾[الممتحنة:4] وفي الحديث الثابت: «هلا سألوا، فإن دواء العي السؤال!» ([1]).
وإذن: فلابد من هاد قدوة سئول، ذا ذكر، خبير بوسائل الفرار إلى الله، والهجرة إليه، ألم تر إلى موسى كيف طلب المرشد ليتبعه، كما جاء في سورة الكهف، وكيف كان أدب موسى مع مرشده.
ولذا كان لابد لطالب حفظ القرآن من المقرئ الموقف الخبير بأحكام التلاوة، وصحة الأداء، ولو ترك القارئ العادي لنفسه، لاستحال عليه أن يحصل حق التلاوة وصحة الأداء، وبالتالي ربما اضطربت معه مفاهيم الآيات، وغابت الأحكام، وقل ذلك في كل علوم الدين واللغة، وكل علوم الدنيا فكرية كانت أم عملية، حتى الحرف والمهن والصناعات، مهما علت أو دنت، لابد لها من اختصاصي يلقنها ويكشف أسرارها، فما لم يكن للمرء شيخ في العلم ضل وافترسه الشيطان، واستهواه وجعل إلهه هواه، فهلك.
وما لم يكن للمرء معلم في بقية الصناعات لما أصاب ولا أجاد وربما أهلك وهو يطلب الحياة، ومن هنا كان لابد للسالك إلى الله من إمام يرشده ويوجهه ويسدده، ويكشف له أحابيل الشيطان، في العبادات والمعاملات، والخطرات النفسية والإرادات القلبية، والواردات التي قد تكون أخطر على صاحبها من الكفر الصريح.
يا ولدي: فكر في موقف الإمام في الصلاة، وفي تلقي الرسول عن جبريل عليهما الصلاة والسلام.
ولهذا سجل كبار أئمتنا أخذهم وتلقيهم عن كبار شيوخهم، كابرًا عن كابر، بالإجازة الشريفة، والثبت المحكم، وسواء في العلوم، أو في تلقي البيعة الصوفية، واتصال السند، ولا يزال في عصرنا هذا يستعد الطالب لأعلى درجات الثقافة (الدكتوراه مثلا) ولابد له من مشرف يشاركه رحلة العلم والجهد ]هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالبَصِيرُ[ [الرعد: 16]
وقد تلقينا من قواعد أهل العلم (غير الصوفية) قولهم: «لا تأخذ العلم من صحفي ولا القرآن من مصحفي».
والصحفي: هو الذي جمع محصوله من الصحف وحدها، دون مرشد.
و المصحفي: من قرأ القرآن وحده، من غير موقف، وهذا مجرح عند أهل العلم.
ثم تأمل مرة أخرى بعثة الرسل إلى الناس، ونزول جبريل عليه السلام على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالتوجيه والهداية.
ولا تنس يا ولدي: أن التقاء روح الطالب والأستاذ، وتبادل الود، ووحدة الإرادة، واندماج الشخصيتين بالحب والتسامي، وقصد وجه الله: فيه أثر روحي ونفسي مقرر عند أهل العلم بالقديم والحديث، وحين يكون السند موصولًا، يكون من ورائه سر مجرب، يسميه الصوفية (بركة السند)، وإن لم يؤمن الجاهلون بسره ألا ترى قوله تعالى: ﴿وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ﴾[الأحزاب:46]. تأمل، فمن هنا تبدأ البركة، ثم تتسلسل!!
وأظن في هذا الإجمال كفاية إن شاء الله، وإلا فـ ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾[القصص: 56].