ما حكم المواكب الصوفية ؟
وما يكون فيها من الرقص؟ والدفوف؟ والصاجات؟ والأعلام؟ والأزياء الشاذة؟ والأوشحة؟ والعمائم الملونة؟
الجواب:
أما الطبل. والزمر. والرقص. وما يليه من الدفوف والصاجات، فقد أوضحنا – فيما قدمنا – حكم تحريمه باتفاق كعبادة؛ فهو لهو وباطل، وعبث ليس من الدين، ولا هو من شأن الرجال([1]).
أما نفس المواكب: فقد كان أول موكب انعقد في الإسلام يوم أذن الله بإعلان هذا الدين الخاتم، فخرج المسلمون في صفين على رأس أحدهما: عمر بن الخطاب، وعلى رأس الآخر: حمزة بن عبد المطلب. واخترق هذا الموكب شعاب مكة وثنياتها، يعلن بالتهليل والتكبير.
ثم جاءت مواكب المجموعات في المدينة تعلن بالتكبير ليالى الأعياد والجماعات، التي تعلن بالتلبية في الحج. ثم جاءت السرايا والبعوث، تأخذ وجهتها في الدعوة إلى الله، كلما علوا شرفًا، أو هبطوا سهلاً، هللوا وكبروا، فكان هذا جميعًا أصل «المسيرات». والمواكب الصوفية السليمة.
أما الأعلام: فقد وجدت في مسيرات الجيوش في الصدر الأول، حتى إذا غزا لويس التاسع دمياط، ودعا الإمام الصوفي العظيم «الشيخ أبو الحسن الشاذلي» الناس إلى الجهاد، بعد أن كف بصره. ودقت طبول الحرب بين يديه، وسار إلى موكبه كبار أئمة الدين في عصره، ومنهم سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام، وإمام المحدثين الشيخ زكي الدين المنذري «صاحب الترغيب والترهيب»، ومكين الدين، وابن دقيق العيد، ورجاله من الصعيد، وابن الصلاح إمام علماء الأصول، وغيرهم من الخاصة، فضلًا عن الجماهير الهائلة.
وكان قد أثار خروج أبي الحسن (وهو مكفوف) حماس الناس وغيرتهم، فتابعه الآلاف يخرجون إلى كفاح الفرنسيس بأموالهم وأنفسهم، وقد اتخذت كل بلدة أو أسرة راية لها، تعرف بها، ويتجمع تحتها رجالها، حتى إذا نصر الله المسلمين، وأسر «لويس ورجاله» وحبس في دار ابن لقمان (الصوفي) بالمنصورة([2]).
وعادت الجموع وهي تحتفظ براياتها تيمنًا وتفاؤلًا: تذكارًا لتاريخ شريف.
ثم ورث بعض المتصوفة هذه الأعلام من أسرهم، وأقاربهم، وبلادهم، واتخذها شعارًا. وحولها من حقيقة إلى تمثيل، وفلسوفها، فأدخلوا إشارة في مجال مجاهدة النفوس، ولست أرى هذا الرأي ولا أسيغه، وخصوصًا بعد هبوط مستواه إلى ما ترى في المدن والقرى ومن الناس.
(جـ) أما الأزياء الشاذة: فمدسوسة على أهل الله. ولم يعرف ولي لله كان له زي غير مألوف: فهي أثواب شهرة. «ومن لبس ثوب شهرة شهر الله به». كما جاء في الحديث الشريف([3]). والصوفية الأبرار أبعد عن هذا الصغار. وأما أن عمرت لبس المرقَّعَةَ، فلم يلبسها للغاية التي يلبسها من أجلها هؤلاء المحترفون.
(د) أما الأوشحة: فقد سألت يوما رجلًا صالحًا يحمل على صدره وشاحًا كتبوا عليه اسم الطريقة، قلت له: يا أخي، إن كنت تلبس هذا الوشاح ليعرفك الله؛ فالله أعرف بك منك، وإن كنت تلبسه ليعرفك الناس فأنت مُراء، على شفى حفرة من الشرك بالله!
فإذا بالرجل يخلع وشاحه وهو يقول: أنقذتني أنقذك الله من السوء، فيا ليت قومي يعلمون بهذا؛ فإنه خطير وفيه رياء كثير.
(هـ) أما العمائم الملونة: فلم يثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس منها مع البيضاء إلا السوداء في يومي «أحد، وحنين» حين هزم المسلمون،
وأذاع الشياطين أن رسول الله قد قتل، تخذيلًا لجماعة المسلمين، فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا اللون لفتًا للأنظار، وتكذيبًا لدعوى المشركين، وإذن فقد لبسها لسبب معين، في وقت معين. كما قرره أهل العلم. ثم لبسها (الشيعة) حزنًا على استشهاد الحسين. كما لبسها العباسيون لأمر ما.
أما القول بأن: الصفراء كانت علامة الملائكة يوم بدر، فلا دليل من العلم عليه.
وأكثر ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما كانت عمامته بيضاء كالغمامة، وكل ما جاء في ألوان العمائم، فحديث واه شديد الضعف، أو حديث موضوع، وكلاهما لا يؤخذ به. وخصوصًا من الصوفية: فإنهم يجعلون خلاف الأولى، في رتبة الحرام.
غير أنه ثبت أن الصحابي الجليل (أبا دجانة) كانت له عصابة حمراء، سماها (عصابة الموت) كان يلبسها إذا غامر في صفوف الأعداء. فسئل فقال: حتى يعرفني بها المسلمون، إذا شرفني الله بالشهادة، فقد لبسها لسبب غير الشهرة والترفع والزهو على خلق الله، وقد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم الثوب الأحمر غير المخطط.
أما العمامة الخضراء فقد أحدثها السلطان (شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون) أيام حكم المماليك. وخص بها آل البيت لبعض الأسباب، كما نقله العدوي في (مشارق الأنوار)، والشبلنجي في (نور الأبصار)، على أن للعلماء فيها رأيًا مضادًا.
فإذا لبس الناس عمائمهم الملونة على أنها «عادة» فلعله لا يكون بها بأس.
أما إذا لبسوها تعبدًا، أو تمذهبًا، فلن يكون معهم كتاب ولا سنة ثابتة؛ لأنها إما أن تكون تعصبًا للمذهب والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ»([4]).
وإما أن تكون تزكية للنفس، وإعلانًا عن الشرف: والله يقول:﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النَّجم:32]. وإما أن تكون تعبدًا. وإنما يعبد الله بما شرع.
وإما أن تكون تبركًا، ولا تكون البركة إلا فيما أذن فيه الله ورسوله: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة:50]. فليكن إذن لبسها على سبيل العادة، خروجًا من الحرج، لمن يشاء، إذا ضمن ألا يجره لبسها إلى الرياء والتعالي والسمعة وغضب الله ورسوله.
([3]) وفي حديث آخر: «من لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوبًا مثله، ثم يلهب فيه النار». رواه أبو داود، وابن ماجه عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما.
[4]) ومن نصوص الحديث: قوله ×: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ». رواه أبو داود.