(فصل) اختلف في صفات الأفعال, فالأشعرية على أنها حادثة, والحنفية على أنها قديمة, وإليه ذهب كثير من الصوفية, فقالوا: لم يزل خالقا. واحتجوا أنها لو كانت حادثة لكان ناقصا في الأزل, ثم كمل فيما لم يزل.
قال القونوي في شرح (التعرف): يقال لهم: يلزمكم على هذا قدم الخلق, لأن قولكم: (لم يزل خالقًا) يوجب كون الخلق معه في القدم. قال: وهذه شبهة الفلاسفة في قدم العالم.
وقد حكى عن بعضهم أنه صعد المنبر وقال للحاضرين: ما تقولون في رجلين, اعتقد أحدهما أن الله لم يزل مالكا للملك, خالقا رازقا للرزق غنيا جوادا مفيضا للخيرات, له الخلق والأمر أزلا وأبدا. والآخر يعتقد أن الله كان في الأزل وحده, لم يكن معه شيء, ولا كان له خلق ولا أمر حقيقة, ثم تجدد له ذلك. أيهما أحق بالاتباع.
فبادر الناس إلى أن القائل الأول أحق بالتصديق والاتباع. وهذه دسيسة فلسفية فليتنبه لها ليحترز عنها, ويقال لهم: لا نقص مع تحقق القدرة الكاملة أزلا وأبدا, وإنما اقتضت الحكمة الإلهية تأخر الخلق إلى إرادة الله تعلق القدرة الأزلية بإيجاده, وإذا استحال كون الحادث أزليا لم يكن عدم تعلق القدرة بإيجاده أزلا, لنقص في القدرة, بل لعدم قابلية المستحيل لتأثير القدرة فيه بالايجاد.
قال: والحاصل أن الأشاعرة قالوا: الخالق حقيقة هو الذي صدر منه الخلق, فلو كان قديما لزم قدم الخلق. نعم, إن أريد بالخالق: القادر على الخلق لم يكن في قدمه خلاف.