(تذنيب) وقع من بعض من يشتغل بكتب التصوف أنه رأى في كلام بعضهم شيئًا توهم منه أنه يقول بإيمان فرعون, فأخذ بظاهره, وجعل يقول أكثر ما في القضية أنه حسن الظن برجل.
فقلت له: تحسنه برجل شهد القرآن بكفره؟
فقال: في القرآن ما يدل على إيمانه, وهو قول: ﴿آَمَنْتُ...﴾ الآية [90 من سورة يونس].
قلت: هذه حكاية لفظية, لا شهادة بإيمانه, والتلفظ بالإيمان في مثل هذه الحالة لا ينفع, قال تعالى: ﴿فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا﴾ [غافر: من آية 85].
فقال: ليس في القرآن تصريح بأنه في النار.
فقلت: قوله تعالى: ﴿آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ [غافر: من آية 46].
فقال: ذكر آله, ولم يذكره.
فقلت: -مع أن ما قاله جهل صرف- قوله تعالى: ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ﴾ [هود: من آية 98].
فقال: أوردهم النار ورجع عنهم.
فقلت: الله أكبر, هذه آفة من ترك ما يعنيه واشتغال بغيره. فلو نظر هؤلاء في تفسير الكتاب العزيز وأحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى أشرق في قلوبهم العلوم الشرعية والآداب السنية لعلموا كفر فرعون علمًا يقينيًا يقضون به بكفر من قال بإيمانه, لتكذيبه النصوص الواردة في الكتاب والسنة.
ولم يقصد صاحب هذه المقالة ما فهموه عنه, إنما ضرب قصة فرعون مثلا للنفس, فإن فرعون لم يرجع عن غلوه واستكباره بشيء من الآيات والعظات حتى أدركه الغرق, فاضطره إلى أن نطق بكلمة الإيمان, وأذعن للذل.
فكذلك النفس إذا لم ترجع لشيء من المواعظ والزواجر فعلاجها أن تغرق في بحر المجاهدة لتؤمن. والله الموفق.
وبهذا تعرف أنه لا حاجة لمن يأخذ في الشكوك إلى قراءة شيء من الكتب, إنما ضرورته إلى تعلم السنة والفقه, ثم العمل بما علم, ومجاهدة النفس وتهذيبها, والله المستعان.