[5]
أبو الحسن الششتري([1])
(...- 668)
العالم والوزير، والأستاذ الجليل الكبير، وسلطان الواصلين، الإمام الأوّاه سيدي أبو الحسن علي بن عبد الله الشُّشتري الأندلسي المغربي الشاذلي.
كان رحمه الله من أبناء الملوك، فأبوه كان أميرًا بقرية شُشتر من عمل وادي آش، فجذبه الحقُّ إليه، فخلع ما كان عليه من لبس الأمراء، وارتدى ملابس الفقراء.
وصحب الأستاذ ابن سَبْعين رحمه الله، وجاء إليه، وقال له: مُرادي دخولُ الطريق، ومشاهدة أسرار القوم. فقال له: حتى تبيع متاعك، وتخلعَ ثيابك، وتلبس قشابة، وتأخذ بنديرًا، وتدخل في السوق تفعل ذلك اليوم. ففعل جميع ذلك، ولبس القشابة([2])، ومسك العصا، وأخذ البندير، ودار في الأسواق، وصار يدخل السُّوقَ أمام حوانيت التجار، ويضرب بالبندير، ويقول: بدأت بذكر الحبيب. فبقي ثلاثة أيام، وخُرقت له الحجب، فشاهدَ العجب، فجعل يُغنّي في الأسواق:
شُويِّخ من أرضِ مكناس |
* | في وسط الأسواق يغني |
أش عليَّ نا من الناس |
* | وأش على الناس مني |
أش حدِّ من حد |
* | افهموا ذي الإشاره |
وانظروا كبر سني |
* | والعصا والغراره([3]) |
هكذا عشت بفاس |
* | أش عليّ نا من الناس |
وأش على الناس مني
|
وما أحسن كلامه إذا يخطر في الأسواق:
وترى أهل الحوانت |
* | تلتفت لو بالأعناق |
بالغرارة في عنقو |
* | بعكيكز وبغراق |
شيخ يبني على ساس |
* | كإنشاء الله بيتي |
أش عليَّ نا من الناس |
* | وأش على الناس مني |
وله رضى الله عنه ديوانٌ كبير غالبُه في كلام القوم، وأذواقهم، ومقطعات جليلة الشأن. فمن محاسن شعره ومواعظه:
إنْ تُرِدْ وصْلَنا فموتُكَ شرطٌ |
* | لا يَنَالُ الموتَ ما فيه فضلهْ |
طَهِّرِ العينِ بالمدامعِ سَكْبًا |
* | مِنْ شهودِ السِّوى تزلْ كُلُّ عِلّهْ |
وهو يشير قدّس الله سره إلى مقام الفناء.
ومن نظمه في اسم الصدر:
ألف قبل لامين |
* | وهاءٌ قرَّةُ العين |
ألف أولُ الاسم |
* | ولامين بلا جسم |
إلى آخر المنظومة...
ومن مُقطّعاته قدّس سره:
يا قاصدًا عينَ الخبر غطاه أينُك |
الخمرُ منك والخبر والسرُّ عندك |
ارجعْ لذاتك واعتبرْ ما ثمَّ غيرُك |
ومقالاته رضى الله عنه مقالاتُ العارفين، ومَواجيد المحبين، وأشعاره كلُّها ذوقٌ وشراب، وأسرار لا يَفهمها إلا أهلُ الأذواق والإشارات، وكراماته رضى الله عنه كثيرة.
ساحَ سياحات طويلةً، وورد مصر، واستوطن دمياط([4])، وصارَ مُرابطًا بها إلى أن توفي سنةً ثمان وستين وست مئة، ودفن برباطه.
وله مقامٌ عظيمٌ يُزار، عليه جلالةٌ عظيمة ومهابة وأنوار، وأهل تلك الناحية يتوسَّلون به إلى الله في قضاء مصالحهم. اللهم أمدّنا وأحبتنا بمدده آمين.