[4]
سيدي أبو العباس المرسي([1])
(...-686)
إمام دائرة المحققين، قطب الأصفياء، وسكردان([2]) الأولياء، أحدُ صدور المقرّبين، صاحبُ الكرامات الظاهرة، والمآثر العالية الزاهرة، القدوة المحقِّقُ سيدي أبو العباس أحمد المُرسي الأنصاري الشاذلي رضي الله عنه ونفعنا بعلومه آمين.
كان رضى الله عنه من أكابر العارفين، لم يرثْ علمَ الشاذلي رضى الله عنه غيرُه، وهو أجلُّ من أخذ عنه الطريق، ولم يضع رضى الله عنه كتبًا. وكان يقول: علومُ هذه الطائفة علومُ تحقيق، وعلومُ التَّحقيق لا تسعها عقول عموم الخلق. وكذلك شيخُه أبو الحسن الشاذلي قدّس سرُّه، كان يقول: كُتبي أَصحابي.
وقال في حقِّه:
ووارثُ علم الشَّاذليِّ حقيقةً |
* | وذلك قطبٌ فاعلموه وأوحدُ |
وكان رضى الله عنه يُوصي الأستاذ زكيِّ الدين الأسواني، ويقول له: يا زكي الدين، عليك بأبي العباس، فوالله ما من وليٍّ إلا وقد أظهره الله عليه، يا زكيُّ، أبو العباس هو الرجل الكامل.
وكان الأستاذُ أبو العباس يقول عن نفسه: واللهِ، ما سار الأولياءُ والأبدال من قاف إلى قاف حتى يلقوا واحدًا مثلنا، فإذا لَقوه كان يغنيهم.
وكان رضى الله عنه يتحدَّثُ في سائر العلوم، ويقول: شاركنا الفقهاء فيما هم فيه، ولم يُشاركونا فيما نحن فيه.
وكان في المعارف والأسرار قطبَ رحاها، وشمس ضحاها، تقول إذا سمعت كلامه، هذا كلام مَنْ ليس وطنه إلا غيب الله، هو بأخبار أهل السماء أعلمُ منه بأخبار أهل الأرض.
وكان لا يتحدَّثُ إلا في العقل الأكبر، والاسم الأعظم، وشعبه الأربع، والأسماء، والحروف، ودوائر الأولياء، ومقامات الموقنين والأملاك والمقربين من العرش، وعلوم الأسرار، وإمداد الأذكار، ويوم المقادير، وشأن التدبير، وعلم البدء، وعلم المشيئة، وشأن القبضة، ورجال القبضة، وعلوم الإفراد، وما سيكون يوم القيامة من أفعال الله مع عباده.
وكان يقول: واللهِ، لولا ضعفُ العقول لأخبرت بما يكون غدًا من رحمة الله.
وكان يُمسك بلحيته ويقول: لو علم علماءُ العراق والشام ما تحت هذه الشعرات، لأتوها ولو سعيًا على وجوههم.
وكان يقول لي: أربعون سنة ما حُجبتُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفةَ عين، ولو حُجبت طرفةَ عين ما عددت نفسي من المسلمين.
وبلغ رضى الله عنه من زهده أنه مكثَ بالإسكندرية ستًا وثلاثين سنةً ما رأى وجهَ مُتولّيها ولا أرسلَ إليه، وطلبه المتولي يومًا للاجتماع به، فأبى، وقال: والله، إني ألقى الله ولا أراه. فكان الأمر كذلك، وكانت تأتيه الأمراء والملوك لتزوره، فكان يغلبُ عليه القبضُ، ولا ينبسط في مجلسهم.
وكان رضى الله عنه يقول: والله ما دخلَ بطني حرامٌ قط. وكان له ستون عرقًا تضرب إذا مدَّ يده إلى شبهة، وكان النور يتلألأ في أصابعه.
وأُعطي رضى الله عنه النُّطقَ بسائر اللغات والألسن.
وكان ساكنًا خط المقسم بالقاهرة، فكان كلَّ ليلةٍ يأتي الإسكندرية، فيسمعُ ميعاد الأستاذ أبي الحسن، ثم يرجع إلى القاهرة.
وكان رحمه الله يقول: أطلعني الله على الملائكة ساجدةً لآدم — فأخذت بقسطي من ذلك، فإذا أنا أقول:
ذابَ رسمي وصحَّ صدقُ فنائي |
* | وتجلَّتْ للسرِّ شمسُ سمائي |
وتنزَّلت في العوالم أُبدي |
* | ما انطوى في الصفاتِ بعد صفائي |
وله رحمه الله كلامٌ كثير من هذا القبيل مبسوط في «لطائف المنن» اللهم مدَّنا وأحبتنا بمدده، وانفعنا ببركاته آمين.
وكانت وفاته رحمه الله سنة ست وثمانين وست مئة، ودفن بمسجده بالإسكندرية، ومقامه رحمه الله مشهورٌ بين أهل مصر بأسرها، يعرفُهُ الكبير والصغير، ويتوسَّلُ به إلى الله الأميرُ والفقير، اللهم انفعنا به آمين.