[26]
سيدي أبو القاسم الطهطاوي([1])
(...- 762)
الغوث الرباني، والعارف الصمداني، القطب الذي دارت به رحى التصرفات، والوليُّ المشهورُ الذي ضمَّ إلى شرف الذات شرف الصفات، صاحبُ الكرامات الباهرة، والأحوال الفاخرة، والمقامات العلية، والمواهب اللدنية سيدي جلال الدين أبو القاسم بن السيد عزّ الدين بن السيد يوسف بن السيد رافع بن السيد جندي بن السيد سلطان بن السيد أحمد بن السيد حجون بن السيد أحمد بن السيد محمد بن السيد جعفر بن السيد إسماعيل بن السيد جعفر الزكي بن السيد محمد المأمون بن السيد أبي الحسن علي بن السيد حسين الجور بن السيد محمد الديباج بن السيد جعفر الصادق بن السيد محمد الباقر بن السيد علي زين العابدين ابن سيدنا ومولانا الحسين رضى الله عنه ابن مولاتنا السيدة فاطمة الزهراء بنت سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كان رضى الله عنه من أكابر الأولياء والمشايخ بالديار المصرية، وأعيان العارفين المقرّبين، وأئمةِ المحقّقين البارعين، والعلماء العاملين الجامعين بين علمي الشريعة والحقيقة، ومن أصحاب الكرامات الباهرة، والأحوال الفاخرة، والمقامات الجليلة، والحقائق النفيسة، وهو أحدُ من أظهره الله تعالى في الوجود، وصرَّفه في العالم، وقلب له الأعيانَ، وخَرَقَ له العادات، وأنطقه بالمغيَّبات، ورفع مكانته بين الخلق، وملأ الصدور من هيبته، وأيَّده بلزوم الأحكام الشرعية، وحفظ قانون العبودية، كان عالمًا ورعًا زاهدًا خاشعًا متواضعًا ناصحًا لعباد الله.
ولد رحمه الله تعالى ببلدته طهطا، وأصلُ أجداده من تلمسان، وقبيلتُهم غمارة قبيلةُ السيد أبي الحسن الشاذلي رضى الله عنه، ونشأ بطهطا، وقد بشر به وهو في ظهر أبيه القطبُ سيدنا محمد الهلالي العريان المدفون بالقَرَافة الصُّغرى المعروفة بقَرَافة الإمام الشافعي، وقبرُه بزاويته يُزار، ولما ولد سيدنا أبو القاسم رضى الله عنه حضر سيدنا محمد العريان أثناءَ وضعه، فوُضع أطمسَ البصر، فأخذه سيدنا محمد، وصار يتفلُ بريقه في عينيه، ويمسحُ بيديه عليهما إلى أن فتحهما، وقال لوالده: احفظْ هذا المولود؛ فإنه يكون له شأنٌ عظيم، ويرثُ مقامي من بعدي.
فكان بدايته رضى الله عنه يسيحُ في الجبال، ويلازم البراري والقفار، ويقتاتُ من أعشابها إلى أن أُذن له في البروز، فبرزَ وربّى المريدين، وأرشد السالكين، فانتشر ذكرُه، وشُدّت إليه الرحال، ونزلت بساحته الرجال.
وكان رحمه الله تعالى ذا سمتٍ حسنٍ وبسط، كان يغلبُ عليه الحالُ، فيقول: أوتيت سيفًا صقيلًا ماضي الحدِّ، أَحدُ طرفيه بالمشرق والآخر في المغرب، لو أَشرتُ به إلى الجبال الشامخات لكادت من حدَّته تنكب.
وكان يقول: أطلعني الله عزّ وجلّ على كلِّ شيءٍ في الوجود، فسألتُ الله تعالى أن يُعافني من ذلك، وأُعطيت حرف (كن) وزهدت فيه.
توفي رحمه الله تعالى فاتح شهر المحرم سنة اثنتين وستين وسبع مئة، ودفن بزاويته بطهطا، ومقامُه ظاهرٌ يُزار. اللهم انفعنا به وأحبتنا بمدده. آمين.
ومن ذرّيته شيخُنا العالم العامل الشريف مولانا السيد محمد الدَّرديري الهاشمي البكري الحسيني الشاذلي رضي الله عنه، ونفع به وبأجداده رضي الله عنهم أجمعين.