[32]
الإمام الجزولي([1])
(...- 870)
الإمام الرباني، والقطب الصمداني، الفردُ الكامل في المحبَّة الذاتية، المحقّقُ الجامع لكمالات الولاية المحمدية، مسندُ أهل الإرشاد والهداية، مرشد المريدين وموصلهم إلى طريق أهل الحقائق العلية، زبدةُ العارفين، وقدوة المحققين، غوث الأولياء، وسُكُرْدان الأصفياء، من سارت بذكره الركبان، واشتهر صيته في سائر البلدان، مولانا الإمام الفاضل، الكامل العارف الواصل، قطب زمانه، وفريد دهره وأوانه، مولانا الشريف أبو عبد الله محمد الجُزُولي السملالي الحسني الشاذلي بن مولانا عبد الرحمن بن مولانا أبي بكر المرتضى بن مولانا سليمان بن مولانا سعيد بن مولانا يعلى بن مولانا يخلف بن مولانا موسى بن مولانا يوسف بن مولانا عبد الله بن مولانا جندون بن مولانا عبد الرحمن بن مولانا حسان بن مولانا إسماعيل بن مولانا جعفر بن مولانا عبد الله بن مولانا أبي محمد الحسن سبط النبي صلى الله عليه وسلم وريحانته.
توفي رضى الله عنه بأفوغال مسمومًا في صلاة الصبح، في السجدة الثانية من الركعة الأولى سادس عشر ربيع الأول عام ثمان مئة وسبعين، ودُفن لصلاة الظهر من ذلك اليوم بوسط المسجد الذي كان أسَّسه هنالك.
ووجدت بخطِّ بعضهم أنَّه لم يترك ولدًا ذكرًا.
ثم بعد سبع وسبعين سنة من موته نُقل من سوس إلى مراكش، فدفنوه برياض العروس منها، وبُني عليه ضريحٌ ومقام، ولما أخرجوه من قبره الشريف بسوس وجدوه كهيئته يوم دفن، لم تعد الأرض عليه، ولم يتغير طول الزمان من أحواله شيءٌ، وأثر الحلق على تنار رأسه كحال يوم موته، إذ كان قريب العهد بالحلق، ووضعَ بعض الحاضرين أصبعه على وجهه الشريف حاصر الأدم عما تحتها، فلما رفع أصبعه رجع الدم كما يقع ذلك في الحيِّ.
وقبره بمراكش عليه جلالةٌ عظيمة، ونور ساطع، وسطوة ظاهرة، والناس يتزاحمون على قبره الشريف، ويقرؤون «دلائل الخيرات» على قبره، ورائحة المسك تخرجُ من قبره، حتى عطرت رائحة ذلك العطر المسجدَ بأسره.
وله رضى الله عنه كلامٌ كثير في التصوف، وتغزلات رقيقة، وأحوال صادقة.
وكان يقول رضى الله عنه: قال لي ربي: يا عبدي، إني فضَّلتُك على جميع خلقي؛ بكثرة صلاتك على نبيي.
قال صاحب «ممتع الأسماع»: أي الذين في عصره.
وظهر منه ما لا يخفى.
وكانت له تلامذة أخيار، تنوف عشرين ألفًا، ينقلون عنه الحديث، وكلامًا في الطريق والتصوف.
تلقى رضى الله عنه الطريقة الشاذلية العلية من شيخه العارف بالله تعالى مولانا أبي عبد الله محمد امغار، فأتى فيها بما يُبهر العقول، وحلَّ غوامض مشكلاتها حتى صار من الفحول.
ومن أكابر أصحابه الآخذين عنه الطريق الغوثُ الجامع، والبرهان الساطع سيدنا ومولانا أبو عبد الله محمد بن عبد العزيز بن عبد الحق المعروف بالتَّباع، وكان رضى الله عنه غوثًا جامعًا، ولأسرار أهل الحقيقة والشريعة شاملًا، كان من العلماء الأعيان، ومن أهل الفضل والإحسان، وله كلام غريبٌ في علوم القوم وإشاراتهم، شهرته في بلاد المغرب تُغني عن وصفه، توفي رضى الله عنه بحضرة مراكش عام تسع مئة وأربعة عشر، وله مقام وضريح يزار، مورد أهل الفضل والأخيار، وهو أحد السبعة الأقطاب، المدفونين بحضرة مراكش، المرابطين بها، اللهم انفعنا بأوليائك الصالحين، وادرر علينا من إمداداتهم في كل وقت وحين. آمين.
([1]) محمد بن سليمان بن داود بن بشر الجزولي السملالي الشاذلي: صاحب «دلائل الخيرات» من أهل سوس المراكشية ولد سنة 807 هـ. تفقه بفاس، وحفظ «المدونة» في فقه مالك، وغيرها. وحج وقام بسياحة طويلة. ثم استقر بفاس. وكان أتباع يسمون (الجزولية) من الشاذلية، ومات مسمومًا فيما يقال بمكان يدعى (أفغال) سنة 870 هـ [«الأعلام» (6/151)].