[54]
سيدي أحمد بن إدريس([1])
(...- 1253)
الأستاذ الأعظم، والبحر الخضم المطمطم، الغوث اللامع، والفرد الجامع القطب، الذي لا يشاركه أحد في مقامه، ولم يدانيه أحد في علومه من أهل وقته وأوانه، ذو النسبتين الطاهرتين، والسلالتين النيرتين، القطب الرباني، والعارف النوراني، قطب دائرة التقديس؛ مولانا أحمد بن إدريس الحسني الفاسي الشاذلي المحمدي.
ولد رضى الله عنه بميسور، بلدةٍ على ساحل البحر من أعمال فاس المحروسة، واشتغل بالعلم من أول عمره مده سنتين، حتى تحصل على قسم عظيم من العلوم الظاهرية، وبرع فيها، وأذن له بالتدريس من مشايخه، وصار يحضر دروسه أفاضل مشايخ العصر، ثم طلب طريق التصوف، فأخذه عن أهله ذوقًا وإشراقًا، وأول من أخذ عنه سيدي عبد الوهاب التازي رضى الله عنه، ولازمه حتى توفي، وأخذ بعده عن سيدي أبي القاسم الوزيري بإذن خاص، وكان سيدي أبو القاسم هذا من أكابر العارفين، وله نفس عال في علم الحقائق، وكان يقال: إنه من الأفراد، وعلى مزاره قبةٌ مبنيةٌ في فاس، وضريحه مشهور، ولازمه حتى توفي، وبعد وفاته لم يؤذن له بصحبة أحد من الأشياخ إلا بمعانقة القرآن، فاشتغل به، ولازمه إلى أن بدى له سره، وحل طلاسمه ورموزه، وأذن له بعد ذلك في مقابلة الأشياخ، والتجوال في البلدان، فأخذ عن شاذلي وقته مولانا العربي الدرقاوي رضى الله عنه، وعن قطب أهل المغرب سيدي أحمد التجاني قدس الله سره، ثم ارتحل من فاس إلى مكة، وأخذ عن صلحائها، ومكث بها أربع عشرة سنة، نشر بها أعلام طريقته، وسافر المدينة، والتقى هناك بالشيخ حمزة ظافر المدني رضى الله عنه، فأعجب به، وأخذ كل منهما عن صاحبه، وكثرت له الأتباع والمريدون من الأعيان.
ومن جملة من أخذ عنه عالم مكة بأسرها الشيخ محمد عابد السندي رضى الله عنه، ومن أهل المدينة شيخ علماء وقته، الشهير بالمناقب المأثورة، المتفق على جلالة قدره، من هو لكلِّ العلوم حاوي، سيدنا الشيخ أحمد الصاوي المتوفى سنة إحدى وأربعين ومئتين وألف.
ثم أتاه الإذن بالسفر إلى بلاد اليمن، فسافر إليها، ونزل في دار قطبِ اليمن سيدي السيد عبد الرحمن الأهدل قدس سره، واستوطن صبيا([2])، وانتشرت طريقته في بقاع الأرض.
وكراماته تجلُّ عن الحصر، لا تحويها الأوراق، فهو بحر تلاطمت أمواجه، فعنه حدث ولا حرج، ولا يخفى على من يطالع أحزابه وكلامه في طريق الخصوصية عظم قدره ومكانته.
وله مؤلفات نفيسة، تشهد بفضله، منها: «العقد النفيس»، و«رسالة القواعد» وأحزابه وصلواته رضى الله عنه.
توفي رحمه الله ليلة السبت واحد وعشرين رجب سنة ثلاث وخمسين ومئتين وألف بصبيا، ومقامه يزار، تقصده بلاد الإسلام قاطبة من كل ناحية، وتُشَدُّ إليه الرحال من سائر الآفاق.
وله ذرية صالحة باقية إلى الآن، منهم ولده حسًّا ومعنى، السيد محمد بن إدريس حاكم صبيا، وقد أخذ طريقة والده عن بعض خلفائه، نفعنا الله بهم، وحققنا بالتبعية لهم. آمين.