[62]
السيد محمد العقاد([1])
(1269-...)
أستاذ مشايخ الطريقة الشاذلية الوفائية، أيد الله دولتها العلية، وسلم الحضرة النبوية، وسلالة العصابة الهاشمية، الملحوظ بعناية رب البرية، حجة الإسلام، وكهف الأنام، حامل لواء العارفين، وأستاذ المشايخ الراسخين، كوكب العناية، وقطب دائرة الهداية، أستاذ التصوف والإرشاد، ملاذُ أهل التمكين، ذو الإمداد الشريف، الحسيب ذو النسبتين العلويتين، والسلالتين الطاهرتين، أبو المواهب شيخي وملاذي، سيدنا ومولانا الأستاذ تاج الدين السيد محمد بن أحمد العقاد الحسني الإدريسي الشاذلي الوفائي رضي الله عنه وأرضاه. أخذت الطريقة، وتلقيت أنوار الحقيقة على يديه بواسطة صفوة خواصه المقربين المتحققين بحقائق التمكين، أهل الشهود المتمتعين بجمال الحضرتين، وارث السرين، سيدي العارف بالله مولانا نسيم حلمي الدرمللي الشاذلي رضي الله عنه وأرضاه، وطيب مضجعه وثراه، ومنذ أخذتها تعلق قلبي بمحبته رضى الله عنه، وكنت إذ ذاك لم أجتمع به، وبقيت هكذا مدة ستة أعوام، فلما اجتمعت به بعد هذه المدة، وعاينت ما علا جبينه من الأنور بعطفة النبيِّ المختار، وشاهدت من معارفه ولطائفه ما بهر عقلي، وقادني إليه، فسمعت منه ما لم أسمعه قط من إنسان، ولا طرق أذني في أي زمن من الأزمان، فأيقنت بأنه وليٌّ من أولياء الله تعالى، ومن أهل الشهود والعيان، المستمدين من بحر سيد الأكوان، وكذا ما سمعته من أصحابه، فحول الرجال، فأحببتُ أن أقيد جميع ما سمعته بأذني، ورأيته بعيني، وشاهدته بروحي، والمقصود هو الانتفاع لأهل المحبة والاتباع، لا لحصر مناقبه وفضائله، فإنا لو تتبعناها فلا نقف لها عند حد محدود؛ فإنه رضى الله عنه مغترف من بحر سيد الوجود بنعت أهل الشهود. واعلم وفقك الله أني ما قيدت إلا نقطة من بحر زاخر، تلاطمت أمواجه، فتطاير منها قطراتٌ على أهل المحبة، نفعنا الله بهذه القطرات، بحق عالم الخفيات، وكيف أُحصي مناقب من شهد بفضله الخاصُّ والعام؟! أم كيف أُحصي من اتفق على جلالة قدره وولايته المشرقان والمغربان، بل وعموم الإسلام؟!
ومَنْ لي بحصر البحر والبحر زاخر |
* | ومن لي بإحصاء الحصى والكواكب |
فأقول، وفي بحر مدده أجول:
نسبه الشريف: اعلم أيها المشغوف بذكر أهل الله أنَّ شيخنا رضى الله عنه هو الأستاذ السيد محمد العقاد بن سيدنا ومولانا أحمد بن سيدنا ومولانا أحمد العقاد الكبير بن سيدنا ومولانا مصطفى العقاد دفين المحلة بن سيدنا ومولانا محمد العقاد بن سيدنا ومولانا مصطفى بن سيدنا ومولانا محمد بن سيدنا ومولانا يوسف العقاد بن سيدنا ومولانا أحمد بن سيدنا ومولانا أحمد بن سيدنا ومولانا عبد الرحمن بن سيدنا ومولانا محسن العقاد بن سيدنا ومولانا حسين بن سيدنا ومولانا خليل بن سيدنا ومولانا محمد ابن سيدنا ومولانا عبد الواحد العقاد الكبير بن سيدنا ومولانا عبد السلام بن سيدنا ومولانا محيي الدين بن سيدنا ومولانا محمد بن سيدنا ومولانا عيسى بن سيدنا ومولانا محمد أبي البركات بن سيدنا ومولانا تاج الدين بن سيدنا ومولانا علي بن سيدنا ومولانا محيي الدين بن سيدنا ومولانا محمد شمس الدين بن سيدنا ومولانا عبد السلام بن مولانا مَشيش شيخ سيدنا أبي الحسن الشاذلي قُدّسَ سره بن سيدنا ومولانا أبي بكر بن سيدنا ومولانا علي ابن سيدنا ومولانا مرمه بن سيدنا ومولانا عيسى بن سيدنا ومولانا سلام بن سيدنا ومولانا مزوار بن سيدنا ومولانا علي جد السادات الوفائية بن سيدنا ومولانا محمد بن مولاي إدريس الأزهر بن مولاي إدريس الأكبر بن مولانا عبد الله المحض بن مولانا الحسن المثنى بن مولانا الحسن السبط بن مولانا أمير المؤمنين كرم الله وجهه ورضي الله عنهم أجمعين.
مولده رضى الله عنه ومنشؤه وصفته: اعلم أيها الأخ في الله السالك طريق أهل الله، أنَّ شيخنا الإمام العلامة الهمام، ذا النسبتين الطاهرتين المعنوية والحسية، سراج الأولياء، وتاج الأصفياء، القطب الغوث، والفرد الليث، الولي الصالح، والكوكب الواضح، شيخ الطريقة، وإمام الطالبين للحقيقة، مربي المريدين، ومرشد السالكين، وزمزم أسرار الواصلين، من سلك مسالك الأبرار، فشملته عواطف النبيِّ المختار، الساري سرُّه في الوجود، المقتبس من نوره كل موجود. ولد حفظه الله ومتعنا ببقائه ورضاه بالمحلة الكبرى سنة تسعة وستين ومئتين وألف، ونشأ بها في حجر والده المرحوم بكرم الله، فحفظ القرآن، وأتم العلوم الظاهرة، ومال إلى العلوم الآخرة، فسلك على يد أستاذه ومربيه، وهو الذي رباه، وفي حجره أنشأه، فكان رضى الله عنه مثال الكرم والاستقامة، والورع والزهد، تبدو على وجهه دلائل الأنوار، وتشرق من جبينه لوامع الأذكار.
نشأ رضى الله عنه عفيفًا، طاهر النفس، ورعًا زاهدًا، متحققًا بمقامات الإحسان، وارثًا لمكارم جده صلى الله عليه وسلم، متمسكًا بآداب مشايخه، رضوان الله عليهم أجمعين، ولما كملت معانيه، وتحققت لدى الطالبين جواهر مبانيه، أجلسه الحق على بساط النور، وكرمه وشرفه على ممر الدهور، ولما حانت وفاة أستاذه أمره بالإرشاد، وخلع عليه خلع القبول والإمداد، فورث السرَّيْن، سر أستاذه، وسر ذاته الشريفة، وقد بشره أستاذه بحضرة فحول الرجال، بانتشار الطريق على ممر الأيام والليال، فكان بحمد الله ما أخبر به، وكثرت على يديه الطلاب، وسعت إلى داره الأقطاب، مقتبسين من أنواره الذاتية، ومعارفه الجبروتية، ومواهبه اللدنية، ولسان حالهم يُنشدُ يقول:
يا سادتي إنّي أتيتُ بذلَّتي |
* | والدَّمع من عيني بَدا فوقَ الخُدود |
واشتغل رضى الله عنه بالتجارة في أيام بدايته، كما هو شأن الكرام، اقتداءً بجدِّه عليه أفضل الصلاة والسلام، فكان نِعْمَ التاجر الصدوق.
أحواله رضى الله عنه: أحوال خاصة الخاصة من الأولياء، كثير الصمت، دائم الفكر والذكر، مستغرقًا في شهود عظم المالك.
صفته رضى الله عنه: مربوع القامة، أبيض اللون، أقنى الأنف، أدعج العينين، يشرق من جمال وجهه أنوار، يهتدي السائر بها في الظلام، بشوش الوجه، طلق المحيا، جميل الطلعة، دائم الابتسام، يمشي هونًا، تنزل بساحته الأكابر والأصاغر، متواضعًا يتواضع للكبير والصغير، والرفيع والوضيع، يجالس الفقراء، وينتصر للضعفاء، كريمًا للغرباء، مواسيًّا للفقراء، محسنًا للمساكين والبؤساء، باذلًا قصارى جهده في قضاء مصالح المسلمين، سالبًا إرادته لرب العالمين، قد علاه نور الجمال، تلحظه الأعين بالإجلال، إشاراته خفية، وأقواله مرضية، ومذاكراته نورانية، ورث المقامات المحمدية، أجمعت الناس على ولايته، وأشير إليه بين الأخيار، واشتهر أمره في البلاد والأمصار، وقصدته أهل الفضل والإحسان من أقصى البلاد والأقطار، مستمطرين من فيض إمداده المدرار، فمنهم النجباء الأخيار، ومنهم السادة الأطهار، اللهم حقق نسبتنا إليه، وأقمنا لخدمته، والوقوف بين يديه، رضي الله عنه وأرضاه، ونفعنا به وبأسراره. آمين.
ذكر شيوخه وموصليه بسلسلة الأنوار: اعلم أيها المحب الواصل، أن شيخنا حجة العارفين، وقدوة الواصلين، ومعدن أنوار السالكين، مصباح الطريقة، وشمس الحقيقة، وارث العلوم الدقيقة، بحر العرفان، ومجمع البحرين فيه يلتقيان، متعنا الله بحياته، وأفاض علينا من بوارق نظراته، أخذ الطريقة، وتلقى أنوار الحقيقة، عن البحر الزاخر، والكوكب الزاهر، قطب الأقطاب، ومربّي الأحباب، ومرشد الطلاب، كعبة القاصدين، وملجأ الطالبين، ومرشد الفقراء والسالكين، إلى مقام التمكين، الدال على الله بالله، المقتبس من أنوار مولانا رسول الله عترتي ورجائي، مولاي أبي الهدى السيد محمود الوفائي الحسيني الشاذلي، من ذرية سيدنا تاج العارفين بن الوفا المُتوفّى ببغداد في أوائل القرن الخامس، وضريحه بها يزار، قدس الله سره، كان سيدي محمود الوفائي قدس الله سره، عالمًا عاملًا، ومربيًّا كاملًا، زاهدًا عارفًا، جمع بين الهمة والمقال، فاقتدت به الرجال، وورث القطبانية الكبرى.
وتلمذ له جماعة كثيرون جلُّهم أولياءٌ واصلون، كانت أخلاقه محمدية، وأحواله مرضية، وأقواله صوفية، ومعارفه غيبية، وله كلام عال في طريق القوم، ونفسٌ عالٍ في علم الحقائق.
ولد قدس الله سره بفيشا سليم، ونشأ بها حتى بلغ مبالغ الرجال، وحاز درجات الكمال.
وله تآليف نفيسة: منها: كتابه «الروضة الشاذلية»، وكتاب «معاهد التحقيق»، وله أحزاب وتوجهات وكرامات وبشارات.
توفي قدس الله سره بطندتا يوم الاثنين اثنين وعشرين شهر محرم سنة ثمان عشرة وثلاث مئة ألف، بعد قدومه من الحجَّ، ودُفن بطندتا بالقرافة، وله ضريحٌ يُزار، ومقام تلوح عليه الأنوار.
وهو تلقى الطريقة العلية عن الأستاذ المربي الكامل، والشيخ الهمام الواصل، مولانا شمس الدين محمد المكي الفاسي قدس الله سره، كان من المشايخ المربين، ومن أهل الحقائق والتمكين، كانت أيامه زاهية زاهرة، ولياليه بذكر الله عامرةً، وعيناه لإرشاد المريدين ياقظة ساهرة، وكان قدس الله سره عالمًا عاملًا، زاهدًا عارفًا، جامعًا بين الحقيقة والشريعة، انتشرت الطريقة في الأقطار الحجازية، والديار الشامية، والمصرية على يديه اشتهار الشمس المضيئة، وأخذ عنه جمٌّ غفير. توفي قدس الله سره بمكة شرفها الله تعالى، ودفن مع والده بالمعلى([2]). اللهم أمدنا وأحبتنا وانفعنا بسره آمين.
وهو قدس الله سره أخذ الطريقة والحقيقة من أستاذه ووالده شمس الطريقة، ومعدن الحقيقة، وارث العلوم والأسرار، المحمدي الخلق، حجة الواصلين، وإمام المحققين الكاملين، مُزيلِ القناع، من عمَّتْ أنواره جميع البقاع، سيدنا وأستاذنا سيدي محمد بن مسعود الفاسي قدس سره، وقد ترجمه سيدي محمود الوفائي قدس الله سره في كتابه «معاهد التحقيق» فقال رضى الله عنه في السؤال التاسع والأربعين ما نصه: وأما السؤال التاسع والأربعون عن أحوال أستاذنا الشيخ العارف بالله سيدي محمد الفاسي، وسلسلته من طريق الإمام الشاذلي رضى الله عنه، ونسبنا إليه. فالجواب عنه والله أعلم: أنه لما لمعت على قلبي بوارق الرشد والهداية، وارتحلت إلى نور اليقين من ظلمة الشك والغواية، جمعني الله على الأنوار الفاسية المدنية الشاذلية، بمسجد السلطان الحنفي بالمحروسة أيام دخول الشيخ في سنة ألف ومئتين وتسع وثمانين إلى الديار المصرية الذي تعطرت بطيب شذاه جميع المحافل والزوايات، وقد أقلقني رعد محبته، فأمطر قلبي سحائب الفضل، فأنبتت أرضه كل البركات، ولما شاهدت من صور تجلي الجمال في نعوت الكمال ما به طاش عقلي، واندهش من ذلك لُبّي، هجرت الأهل والأوطان، ولزمت الأعتاب بطنطا بين يدي أبي الفتيان، وبإذن الأستاذ جاءني خليفته ببندر السويس العارف بالله سيدي ومولانا أحمد عثمان في عشر ذي الحجة سنة ألف ومئتين وتسعين، وهو من أهل التحقيق، وزال عني ما أجده من التعويق، وصار يتردد إليَّ، وأنا إذ ذاك قائمٌ بالحضرتين مع الإخوان، وكلما ازددت سكرًا ازددت صحوًا، حتى أدركتني العناية الربانية، وجذبتني يد القدرة الإلهية، فردتني إلى عالم حسي، ورجوعي إلى ربِّي بربي، واجتمعت بابن المشار إليه حسًّا ومعنًى أستاذي سيدي محمد شمس الدين المكي رضى الله عنه، حين شرف السويس في سنة ألف ومئتين وثلاث وتسعين، بعد وفاة والده رضى الله عنه، فأغرقني لذيذ خطابه في بحار التوحيد، وسقاني شراب الصفا، فتضلعت من البقاء والتفريد، وأمرني بالتوجه إلى مكة المشرفة، وكنت وقتها خاليًا من الدراهم، فما مضى عليَّ سنةٌ إلا وقد مَنَّ الله عليَّ ببركته بما ينوف عن المئة وعشرين جنيهًا، فأخذتها ميراثًا عن والدي، وتوجهتُ إلى مكة حسبما أمرني في سنة أربع وتسعين، وعند دخولي الزاوية العامرة سطعت عليَّ أنوار الرجال، فدهشت من الجمال والجلال، ورأيت من أوصاف المتجردين ما لا تحويه العقول، وأنشد لسان الحال يقول:
أَبرقُ بدا من جانب الغور لامعُ |
* | أم ارتفعتْ عن وجهِ سَلمى البراقعُ |
فعند ذلك أخذ بيدي الأستاذ المكي قدس سره، وأجلسني بين يديه، وتذاكر معي مذاكرة سرية، وأدخل في فمي لقمة من طعام كان بيننا، فكشف لي عن أسرار لا ينبغي إفشاؤها إلا لذوي المعارف الربانية، فجدَّدتُ عليه الطريق، وقد جدَّدَ عليه من قبلي خلفاء والده للإشارة النبوية؛ إذ قال له والده قبل وفاته بجمع من أكابر علماء الحرم، ومن معهم أهل السنة المحمدية: الحمد لله الذي بشرني فيك جدّي رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنَّك خليفتي من بعدي، فكان ذلك سببًا لتمسُّك العلماء والفضلاء وأكابر أهل المشرق بأذياله زيادةً على ما كانوا عليه منه؛ لأنه تحقق بمعارف أهل العرفان بعد أن أخذ عن والده، وتربى في حجره، وربى كثيرًا من المريدين في حياته إلى أن أراد الله عموم نفعه للعباد، فأذن له والده في الإرشاد لعلمه أنه نال الهنا وبلغ المراد، فنشر الطريقة، وأظهر الحقيقة، ووصل المنقطعين إلى أعلى المقامات، ولذلك كانت تُشدُّ إليه الرحال من كلِّ الجهات، وقد ظهرت على يديه من الكرامات حال حياة والده وبعدها ما لا يُحصى.
وبعد أخذي عليه الطريق ألبسني المرقعة بعد نزولي من الحجِّ ورجوعي إلى الزاوية عقب أيام التشريق، ثم قمت بخدمة الإخوان المتجردين إلى أن أمرني الأستاذ بالرجوع إلى البلاد المصرية كما كنت بها لإقامة شعائر الطريقة الشاذلية، وببركته قد جمع الله علينا.
أقول: قوله: (من نثق به في طريق الله) إشارةٌ إلى اجتماعه بمولانا الأستاذ العقاد رضى الله عنه؛ فإنه خليفته، ووارث مقامه من بعده، وقد كان ذلك من قبل في عالم المعنى، كما شوهد في عالم الحسِّ، والله أعلم. اهـ. جعلنا الله من المتمسكين به حتى نلقاه.