ومما يدل على فضلهم على الفقهاء ما يجريه الله تعالى عليهم من الكرامات الخارقة للعادات, ولا يجري شيء من ذلك على يد الفقهاء إلا أن يسلكوا طريق العارفين ويتصفوا بأوصافهم, و«ما سبقكم أبو بكر بصوم ولا بصلاة, ولكن بشيء وقر في صدره»([1]). ولا يصح قول من قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما فضل بأعماله الشاقة, لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فضل بتكليم الله تعالىٰ إياه, تارة على لسان جبريل. وتارة من غير واسطة. وكذلك فضل بالمعارف والأحوال. ولقد قال: «إني لأرجو أن أكون أَعْلَمكمْ بِاللَّهِ وأشدكم لله خشية». وكذلك لما احتقر بعضهم قيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى قيامه وصلاته إلى صلاته أنكر ذلك -صلى الله عليه وسلم-. فذكر أن تفضيله عليهم إنما كان بمعرفته بالله تعالى, وهذا أكثر جهات تفضيل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, ولا مشقة عليه فيها.
وكيف لا يكون ذلك والله تعالى يقول لموسى: ﴿قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي﴾ [لأعراف: من الآية144]. ومثل هذه المعاملة لا تصدر إلا من جلف جاف([2]).
وكيف يفضل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأعماله الشاقة مع أنه لا نسبة لأعماله وصبره وتأذيه تقوم بأعمال نوح وصبره وتأذيه من قومه. وما أسرع الناس بأن يقولوا (ما ليس لهم به علم, ولو أنهم سألوا إذا جهلوا لكان خيرًا لهم)اهـ.