أكل آدم لم يكن عنادًا(*)
فائدة جليلة: اعلم أنَّ أكله — للشجرة لم يكن عنادًا ولا خلافًا، فإما أن يكون نسي الأمر فتعاطى الأكل وهو له غير ذاكر، وهو قول بعضهم ويحمل عليه قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾([1])، أو إن كان تناوله ذاكرًا للأمر؛ فهو إنما تناوله لأنه قيل له: ﴿مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ([2]) إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخَالِدِينَ﴾؛ فلحبه في الله وشغفه به، أحب ما يؤديه إلى الخلود في جواره، والبقاء عنده أو ما يؤديه إلى الملكية([3])؛ لأنَّ آدم عليه السلام عاين قرب الملكية من الله، فأحب أن يأكل من الشجرة لينال رتبة الملكية التي هي أفضل أو التي هي في ظنه كذلك، على اختلاف أهل العلم وأهل المعرفة أيضًا، أيهما أفضل: الملكية، أم النبوة؟ لا سيما، وقد قال -سبحانه وتعالى-: ﴿وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾([4])، قال آدم عليه السلام : «ما ظننت أنَّ أحدًا يحلف بالله كاذبًا»؛ فكان كما قال تعالى: ﴿فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ﴾.
فائدة: اعلم أنَّ آدم عليه السلام لم يكن لشيء مما كان يأكله أذى، بل كان رشحًا كرشح المسك، كما يكون أهل الجنة في الجنة إذا دخلوها، لكنه لما أكل من الشجرة المنهي عنها أخذته بطنه، فقيل له: يا آدم أين؟ على الأَسِرَّةِ أم الحجال، أم على شاطئ الأنهار؟ انزل إلى الأرض التي يمكن ذلك فيها، فإذا كان ما به المعصية وصلت إليه آثارها، فكيف لا تؤثر المعصية في الفاعل بها، فافهم!.