إظهار الفاقة إليه تعالى(*)
فائدة جليلة: انظر إلى قول إبراهيم عليه السلام ؛ لما قال له جبرائيل عليه السلام : «ألك حاجة؟»؛ قال: «أما إليك فلا»، ولم يقل ليس لي حاجة؛ لأن مقام الرسالة والخُلَّةِ يقتضي القيام بصريح العبودية، ومن لَازِمِ مقام العبودية إظهار الحاجة إلى الله تعالى، والقيام بين يديه بوصف الفاقة إليه، ورفع الهِمَّةِ عَمَّا سواه؛ فناسب ذلك أن يقول: «أما إليك فلا»؛ أي أنا محتاج إلى الله، وأما إليك فلا.
فجمع في كلامه هذا إظهار الفاقة إلى الله، ورفع الهمة عما سواه، لا كما قال بعضهم: «لا يكون الصوفي صوفيًّا حتى لا يكون له إلى الله حاجة»، وهذا كلام لا يليق بأهل الاقتداء المكملين، مع أنه مؤول لقائله بأن مراده: أن الصوفي قد تحقق بأن الله قد قضى([1]) حوائجه من قبل أن يخلقه؛ (فليس له إلى الله حاجة) إلا وهي مقضية في الأزل، ولا يلزم من نفى الحاجة نفى الاحتياج.
والتأويل الثاني: إنَّما قال: «لا يكون له إلى الله حاجة»؛ أي إنَّه إنما يطلبه وليس همته الطلب منه، وشَتَّانَ بين طالب الله، وطالب من الله.
وقد يكون مراده بقوله: «حتى([2]) لا يكون له إلى الله حاجة» أنه مفوض إلى الله مستسلم له؛ فليس له مع الله مراد إلا ما أراد.