أنصف الشيخ (ابن القيم) السادة الصوفية الأبرار، في شرحه العظيم في كتاب الشيخ (الهروي)ا، فمن ذلك قوله في منزل الرجال صحيفة (20) من الجزء الثاني ما نصه: «وهذه الشطحات أوجبت فتنة على طائفتين من الناس: إحداهما حجبت عن محاسن هذه الطائفة، ولُطف نفوسهم، وصدق معاملاتهم، فأهدروها لأجل هذه الشطحات، وأنكروها غاية الإنكار، وأساءوا الظن بها مطلقا، وهذا عدوان وإسراف فلو كان من أخطأ أو غلط ترك جملة وأهدرت محاسنه، لفسدت العلوم والصناعات والحكم، وتعطلت معالمها.
والثانية: حُجبوا بما رأوه من محاسن القوم، وصفاء قلوبهم وصحة عزائمهم، وحسن معاملتهم على عيوب شطحاتهم ونقصانها، فسحبوا عليها ذيل المحاسن، وأجروا عليها حكم القبول والانتصار، وهؤلاء معتدون ومفرطون «أيضا».
والطائفة الثالثة: وهم من أهل العدل والإنصاف، الذين أعطوا كل ذي حق حقه، وأنزلوا كل ذي منزلة منزلته، فلم يحكموا للصحيح بحكم السقيم المعلول، ولا للمعلول السقيم بحكم الصحيح» اهـ.
وقال أيضا في صحيفة (76) من الجزء الثالث، بعد كلام عن الجنيد «فرحمة الله على أبي القاسم؛ ما أتبعه لسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم، وما أقفاه([1]) لطريقته وطريقة أصحابه».
وقال أيضا في صحيفة (65) لدى كلامه على الوجد والتواجد، ما نصه: «والتواجد استدعاء الوجد بنوع اختيار وتكليف.
واختلف الناس: هل يسلم لصاحبه؟ على قولين، والتحقيق أن صاحب التواجد: إن تكلفه لحظ وشهوة لم يسلم له، وإن تكلفه باستجلاب حال أو مقام مع الله سلم لهم».
وقال الحافظ ابن القيم أيضا في «باب الجمع» صحيفة «276». حين تكلم عن الذين تخطفهم لوائح «شهود الجمع» ولم يتمكن من البقاء، فقال: «وهذا قد يعرض للصادق أحيانا، فيعلم أنه غالط، فيرجع إلى الأصل، أو يحكم الحكم على الحال، وفي مثل هذا الحال قال أبو يزيد: «سبحاني» وغيره قال:«ما في الجبة إلا الله»([2]) ونحو ذلك اهـ.
([2]) نسى هؤلاء المعترضون القاعدة النحوية المعروفة: حذف ما يعلم جائز، معلوم أن الله سبحانه وتعالى ليس في الجبة فإنه سبحانه وتعالى ليس بجسم حتى يكون في جبة أو غيرها، بل في الجملة محذوف تقديره «ما في الجبة إلا صنعة الله» والله تعالى أعلم. وقد شرح ابن تيمية رحمه الله تعالى هذا الكلام شرحا طيبا في كتابه: «الرد الأقوم على ما في فصوص الحكم» وقد طبعته قديما جماعة أنصار السنة بتحقيق حامد الفقي.