رحم الله الإمام السلفي، العلامة، الأصولي، الشيخ «أبا إسحاق الشاطبي» حيث قال في كتابه (الاعتصام) بالصحيفة (274) من الجزء الأول، ما نصه:
«وأما الكلام في دقائق التصوف فليس ببدعة بإطلاق، ولا هو مما صح الدليل فيه بإطلاق، بل الأمر ينقسم».
ولفظ التصوف لابد من شرحه أولًا، حتى يقع الحكم على أمر مفهوم؛ لأنه أمر مجمل عند هؤلاء المتأخرين، فلنرجع إلى ما قال فيه المتقدمون، وحاصل ما يرجع فيه لفظ التصوف عندهم معنيان:
أحدهما: «التخلُّق بكل خُلُق سَنِيّ والتجرُّد عن كل خُلُق رَدِيّ».
والآخر: «أنه الفناء عن نفسه والبقاء بربه».
ومما في التحقيق بمعنى واحد، إلا أن أحدهما يصلح التعبير به عن البداية، والآخر يصلح به التعبير عن النهاية، وكلاهما إنصاف، إلا أن الأول لا يلزمه الحال، والثاني يلزمه الحال.
وقد يعبر فيهما بلفظ الآخر، وإذا ثبت هذا فالتصوف بالمعنى الأول لا بدعة في الكلام فيه؛ لأنه إنما يرجع إلى تفقه ما ينبغي عليه العمل، وتفضيل آفاته وعوارضه وأوجه تلافي الفساد الواقع فيه بالإصلاح، وهو فقه صحيح وأصوله في الكتاب والسنة ظاهرة فلا يقال في مثله بدعة، إلا إذا أطلق على فروع الفقه التي لم يقل في مثلها السلف الصالح إنها بدعة كفروع أبواب السلم، والإيجارات، ومسائل السهو، والرجوع عن الشهادات، وبيوع الآجال، وما أشبه ذلك، وليس من شأن العلماء إطلاق البدع على الفروع المستنبطة، التي لم تكن فيما سلف، وإن دقت مسائلها، فكذلك لا يطلق على دقائق فروع الأخلاق الظاهرة والباطنة أنها بدعة؛ لأن الجميع يرجع إلى أصول شرعية.
وأما بالمعنى الثاني فهو على أضْرُب... ثم فصلها([1]).
ورحم الله كل من أنصف نفسه وأنصف الناس.