(فصل) قال في (التعرف) في نعوت الصوفية: ورأوا طلب العلم أفضل الأعمال, وهو علم الوقت بما يجب عليهم ظاهرا وباطنا, وهم أشفق الناس على خلق الله من فصيح وأعجم, وأبذل الناس لما في أيديهم, وأزهدهم فيما في أيدي الناس, وأشدهم إعراضا عن الدنيا, وأكثرهم طلبا للسنة والآثار, وأحرصهم على اتباعها.
قال القونوي: لأن الخير كله في اتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم-, قال الله تعالى ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ﴾ [آل عمران: من آية 31] قال بعضهم: اعتبار الاتباع في المحبة مما يبطل قول من زعم من الزنادقة أن العبد قد ينتهي إلى مقام يستغني فيه عن الواسطة بينه وبين الله, لأن أقصى مقامات العارفين المحبة, وهي مشروطة بالاتباع, فما ظنك بغيرها؟
ثم قال: ومن كان منهم أصفى مرادا وأعلى مرتبة وأشرف مقاما فإنه أشد اجتهادا وأخلص عملا وأكثر خوفا, ويأخذون لأنفسهم بالأحوط والأوثق فيما اختلف فيه الفقهاء, وهم مع إجماع الفريقين فيما أمكن, ويرون اختلاف الفقهاء صوابا, ولا يعترض واحد منهم على الآخر, فكل مجتهد عندهم مصيب([1]).
وأجمعوا على إباحة المكاسب من الحرف والتجارات والحرث وغير ذلك, على تيقظ وتثبيت وتحرز من الشبهات, وإنما تعمل للتعاون وحسم الأطماع ونية العود على الأغيار, والعطف على الجار, وعندهم واجبة لمن له عيال, مباحة للمنفرد.
واشتغاله بوظائف الحق أولى وأحق.
(فصل) قال الشيخ تاج الدين بن عطاء الله في (لطائف المنن): طريقة الشيخ أبي الحسن الشاذلي تنسب إلى الشيخ عبد السلام بن مشيش, والشيخ عبد السلام ينسب إلى الشيخ عبد الرحمن المدني, ثم واحد([2]) عن واحد إلى الحسن بن علي بن أبي طالب, رضي الله عنهما, وهو أول الأقطاب.
قال: وإنما يلزم تعيين المشايخ الذين يستند إليهم طريق الانتساب من كانت طريقه بلبس الخرقة, فإنها رواية, والرواية يتعين سندها. وهذه هداية.
وقد يجذب الله العبد إليه فلا يجعل عليه منة لأستاذ, وقد يجمع شمله برسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وذكر عن الشيخ عبد الرحيم القنائي أنه كان يقول: أنا لا منة لأحد علي إلا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-, وإذا أراد الله أن يتفضل على عبد فيكون أخذه عنه([3]), وكفى بهذا منة.
ولقد قال لي الشيخ مكين الدين الأسمر: أنا ما رباني إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ويغنيه عن الأستاذين, حتى لا يكون له فيهم سلف فعل.
ثم قال الشيخ تاج الدين: وسمعت الشيخ أبا العباس يقول: والله ما كان اثنان من أصحاب هذا العلم في زمن واحد قط, إلا واحد عن واحد إلى الحسن.
قال: وسئل الشيخ أبو العباس عن رجل كان كبير الشهرة, ولا يحضر صلاة الجمعة, فتغير, وقال: تذكرون بين يدي الأبدال والأولياء أهل البدع. انتهى.
([1]) وهذا رأي أبي الحسن الأشعري، وأبي بكر الباقلاني من المتكلمين، وأبي يوسف ومحمد بن الحسن، وابن سريج من الفقهاء، وحكاه الروياني عن الأكثرين والماوردي عن المعتزلة لكن ذلك خاص بالمسائل الفرعية التي لا قاطع فيها، واستدل لهذا بقوله تعالى: ﴿لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ﴾ [الأنفال: من آية 68]، مع قوله: ﴿فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا﴾ [الأنفال:من آية 69]، حيث طيَّب فداء الأسرى بعد أن عاتب عليه، ولو كان خطأ ما طيبه، وفي المسألة كلام ليس هذا موضع بسطه.