[22]
أبو الفتح سيدي تقي الدين بن دقيق العيد([1])
(625- 702)
محمد بن علي بن وهب بن مطيع بن أبي الطاعة القشيري، أبو الفتح تقي الدين ذاتًا ونعتًا، والسالكُ الطريق التي لا عوجَ فيها ولا أَمتًا([2])، الشيخ الإمام، علامة العلماء الأعلام، ذو العلوم الشرعية، والمعارف الصوفية، كان رحمه الله آيةً من آيات الله، قالت علماءُ عصره: إنه رأس المئة السابعة. ولا شكَّ أنه كذلك، فقد جمع رحمه الله بين العلم والعبادة والزهد والورع. ومناقبه رحمه اللهُ كثيرةٌ. وقد ترجمه غيرُ واحدٍ، وكان رحمه الله من أصحاب الكرامات الخارقة.
ولد ووالده متوجِّهٌ إلى الحجاز الشريف في البحر المالح يوم السبت خمس وعشرين من شهر شعبان عام 625 بساحل ينبع، البحر المالح، ثم إنَّ والده أخذه وطافَ ودعا الله تعالى أن ينشئه عالمًا عاملًا، وكان كما قال، فإنه نشأ رحمه الله محبًّا للعلم، فبدأ بقراءة كتاب الله العظيم حتى حصل منه على حظٍّ جسيم، ثم رحل في طلب الحديث إلى دمشق والإسكندرية، فسمع من الحافظ المُنذري.
وكان رحمه الله يدرِّسُ الحديث ويُمليه بدار الحديث الكاملية، وكان يحضر مجلسه أفاضلُ أهل عصره.
وكان قدس سره كريمًا جوادًا سخيًّا تولّى النيابة بمصر.
وكانت له كراماتٌ تُنسب إليه، وكان السلطان يُقبِّلُ يديه، وله مكانةٌ رفيعة عند الأمراء وأرباب الجاه والمناصب.
وله تصانيف عديدة منها كتاب «الإلمام» وهو كتابٌ بديع، وله نثرٌ أحسنُ من الدرر، ونظم أبهجُ من عقود الجوهر.
وكان رحمه الله يُحاسب نفسه على الكلام، ويأخذُ عليها بالملام.
توفي يوم الجمعة حادي عشر صفر عام سبع مئة واثنين. ودُفن يوم السبت بسفح المقطَّم بجوار شيخه سيدي ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنهما، وكان يوم وفاته يومًا مشهودًا عزيزًا في الوجود، سارع الناسُ إليه، ووقفَ جيشُ مصر ينتظرُ الصلاة عليه رحمه الله تعالى.
وقد زرته، ووجدت عليه قبةً معقودة، وضريحًا قد نُقش بالآيات القرآنية بالخطِّ الجميل داخل زاوية مفردة، ورأيتُ على هذا المقام من التجلي والإكرام ما تنشرحُ لرؤيته الصدور ببركة أسراره، وضريحه قبل ضريح شيخه ببضع خطوات. اللهم انفعنا وأمدَّنا بإمداداتهم. آمين.
([1]) محمد بن وهب بن مطيع، أبو الفتح تقي الدين القشيري، المعروف كأبيه وجده بابن دقيق العيد، قاض من أكابر العلماء بالأصول، مجتهد، أبوه من منفلوط بمصر، انتقل إلى قوص وولد له ابنه صاحب الترجمة سنة 625هـ في ينبع (على ساحل البحر الأحمر) فنشأ بقوص، وتعلم بدمشق والإسكندرية ثم بالقاهرة، وولي قضاء الديار المصرية سنة 695هـ فاستمر إلى أن توفي بالقاهرة سنة 702هـ [«الأعلام» (6/283)، «شذرات الذهب» (5/388)].