[23]
سيدي تاج الدين بن عطاء الله السكندري([1])
(...- 709)
الأستاذ الإمام، قطبُ العارفين، وتُرجمان الواصلين، مُرشد السالكين، مُنقذ الهالكين، مُظهر شموس المعارف، ومُبدي أسرار اللطائف، الواصل إلى الله، والموصل إليه تاج الدين ومنبع أسرار الواصلين أبو الفضل سيدي أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن عيسى بن الحسين بن عطاء الله الجذامي نسبًا، المالكي مذهبًا، الإسكندري دارًا، القَرَافي مزارًا، الصوفيُّ حقيقةً، الشاذلي طريقةً، أعجوبةُ زمانه، ونخبة عصره وأوانه، الجامع لأنواع العلوم، من تفسيرٍ، وحديثٍ، وفقهٍ، وتصوف، ونحوٍ، وأصولٍ، وغير ذلك.
كان رضي الله عنه ونفعنا بأسراره مُتكلِّمًا على طريق أهل التصوف واعظًا، انتفعَ به خلقٌ كثير وسلكوا طريقه، وقد شهد له شيخه بالتقديم قال في «لطائف المنن»: قال لي الأستاذ: الزم فوالله لئن لزمت لتكونن مفتيًّا في المذهبين. يريد مذهب أهل الشريعة ومذهب أهل الحقيقة.
وقال فيه أيضًا: والله لا يموتُ هذا الشاب حتى يكون داعيًا يدعو إلى الله تعالى.
قال رحمه الله: ودخلتُ عليه ذات يوم، فلمّا دخلتُ عليه قال: لا تطالبوا الأستاذ بأن تكونوا في خاطره، بل طالبوا أنفسكم بأن يكون الأستاذُ في خاطركم فعلى مقدار ما يكون عندكم تكونوا عنده.
وقد كنت قد حدثت بعض أصحابه: أريد لو نظر إليَّ الأستاذ بعنايته، وجعلني في خاطره، ثم قال لي: أي شيء تريد؟ والله، ليكونن لك شأن عظيم، والله، ليكونن لك شأن عظيم، والله، ليكونن لك كذا وكذا. فكان كما أخبر.
وقال رضى الله عنه في «لطائف المنن»: جرتْ مُخاصمةٌ بيني وبين أحدِ أصحاب سيدي أبي العباس المرسي قبل صحبتي له، وقلت لذلك الرجل: ليس إلا أهل العلم الظاهر، وهؤلاء القوم يدَّعون أمورًا عظيمة، وظاهر الشرع يأباها. قال رحمه الله: وسببُ اجتماعي به أن قلتُ في نفسي بعد أن جرتِ المُخاصمة: دعني أذهب، أنظر إلى هذا الرجل؛ فصاحبُ الحقِّ له أَمارات.
قال: فأتيتُه، فوجدته يتكلَّمُ في الأنفاس التي أمرَ الشارعُ بها، فأذهب الله ما كان عندي، وصار رحمه الله من خواصِّ أصحابه، ولازمه اثني عشر عامًا حتى أشرقت أنواره عليه، وصار من صدورِ المقربين.
وله مؤلفات رحمه الله مُتداولةٌ سارت يذكرها الركبان منها: «الحكم العطائية» وهي أفضل ما صُنِّف في علم التوحيد، وأجلُّ ما اعتمده بالتفهم والتحفظ كلُّ سالك ومُريد، ذاتُ عبارات رائقة، ومعان حسنة فائقة، قصد فيها إلى إيضاح طريق العارفين والموحّدين، وإبانة مناهج السالكين والمتجرّدين. وله كتاب «التنوير» وكتاب «مفتاح الفلاح» في الذكر ومراتبه. وكتاب «تاج العروس» وكتاب «عنوان التوفيق» وهو شرح لقصيدة العارف بالله سيدنا أبي مدين التلمساني، وكتاب «القول المجرد في الاسم المفرد» وله غير ذلك.
توفي رحمه الله بالمدرسة المنصورية بمصر ثالث عشر جُمادى الآخرة سنة 709، ودفن بسفح الجبل المقطَّم بزاويته التي كان يتعبَّدُ فيها، ومقامه يُزار، يعرفُهُ الكبيرُ والصغير، ويَتوسَّلُ به إلى الله الغني والفقير. نفع الله به المسلمين.