[57]
سيدي محمد الحرَّاق([1])
(...- 1261)
مصباح الظلام، وحجة الإسلام، شيخ الطريقة، ومعدن السلوك والحقيقة، شريف النسبتين، ومفتي المذهبين، القطب الرباني، أبو عبد الله سيدنا ومولانا محمد بن محمد الحراق الشاذلي الدرقاوي بن مولانا عبد الواحد بن يحيى بن عمر بن مولانا الحسن بن مولانا الحسين بن علي بن محمد بن عبد الله بن يوسف بن أحمد بن الحسن بن مالك بن عبد الكريم بن مولانا حمدون بن مولانا موسى أخي مولاي عبد السلام بن مولاي مشيش ابن أبي بكر بن علي بن حرملة بن عيسى بن سلام بن مزوار بن حيدرة ابن محمد بن إدريس بن إدريس بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط رضي الله عنهم أجمعين.
كان رضي الله عنه وأرضاه إمامًا جليل القدر، متضلعًا في علم الظاهر، انتهت إليه فيه الرياسة، مشاركًا في فنونه من: تفسير، وحديث، وفقه، وفتوى، ومعقول، أما الأدب والشعر فقد كاد أن ينفرد به في عصره، وله ديوان تكلم فيه في أسرار الطريقة، وإشارات رائقة، وقد نال رضى الله عنه الحظَّ الأوفر من علم الظاهر، وأكمل الله عليه نعمه من علم الباطن، ليكون قدوة للبشر، فحرر الطريقة، وسهلها، وسلك فيها أوضح المسالك وأقربها، وأتى بأعجب العجاب من علم الإشارة بألطف بيان، وأوجز عبارة، وأسس طريقه على أربع قواعد: ذكرٍ، ومذاكرة، وعلمٍ، ومحبةٍ.
وفضائله لا تُحصى، ومحاسنه لا تستقصى، وكفاه فخرًا أنه تلميذ للقطب الكبير العارف مولانا الدرقاوي رضى الله عنه.
وله كلام غريب في علوم القوم وإشاراتهم، فهو في زمانه رئيس العلماء الأعيان، وفريد أهل العصر والأوان، شهرته في بلادنا المغرب تغني عن وصفه، أجمعت البلاد على ولايته، وشهدوا بفضله ومكانته.
كان رحمه الله يربي المريدين، ويوصلهم إلى حقائق التمكين في حياة أستاذه وبعده لأنه هو الوارث الحقيقي، أخذ عنه جمٌّ غفير من قبائل المشرق والمغرب، واشتهر نفعه وطار صيته، مكث في طريق القوم شيخًا مربيًّا نحو ثلاثين سنة.
توفي رضي الله عنه ونفع به سنة إحدى وستين ومئتين وألف، وله من العمر خمس وسبعون سنة، ودفن بزاويته المشهورة بثغر تطوان -حفظه الله- بباب المقابر، ومقامه ظاهر يزار، تقصده الزوار من الأماكن البعيدة، والدعاء بساحته مجاب.
وله رضى الله عنه رسائل وحكم، وتقاييد على بعض آيات قرآنية، وديوانه المشهور، وتائيته التي سارت بذكرها الركبان، وشرحها غير واحد.
ومن كلامه رضى الله عنه في توشيح له من الرمل مجزوء العجز:
زالَ عن قلبي تولُّه الفنا |
* | وصفا أمري |
إذْ غدا لي كلُّ ربع وطنا |
* | وانتفي نكري([2]) |
كلُّ ماء قد حزته شربتي |
* | فأنا ريّان |
لستُ يومًا أحتسي من خمرتي |
* | وأنا نشوان |
من رآني ثابتًا في حيرتي |
* | ظنَّني وسنان([3]) |
إلى أن قال مُتخلِّصًا رضى الله عنه:
فأنا في البين والعين أرى |
* | واحدًا في اثنين |
ظاهرًا مني ما قد بطنا |
* | فاعرفوا قدري |
من رآني يَجتني زهر الجنا |
* | مدة العمر |
ومن قوله في التائية عند ذكر خمريته:
أباح لي الخمَّارُ منه تفضلًا |
* | جناها فصارَ الشُّربُ ديني وملَّتي |
فإن شئتها صرفًا شربت وإن أشا |
* | نَشرتُ جميع الكائنات بنظرتي |
وإن شئتُ أطوي الكون طيًّا وإن أشا |
* | مَزجتُ لأنَّ الكلِّ في طيِّ قبضتي |
شربتُ صفاء في صفاء ومن يرد |
* | من القوم شربًا لم يجد غيرَ فضلتي |
ومن قوله في فضائل الذكر:
إذا شئتَ أن تلقى السَّعادة والمُنى |
* | وتبلغَ ما عنه الرِّجالُ تولَّت |
فطهِّرْ بماءِ الذِّكرِ قلبَك جاهدًا |
* | بصدق اللجا واغسلْه من كلِّ علَّةِ |
وله رضى الله عنه غير ذلك، ومن وقف على تآليفه النفيسة، وطالع كلامه علم مكانته وتحققه من ربه، وصفاء باطنه، اللهم حقّقنا وأحبَّتنا بالسلوك على صراطهم القويم، وانفعنا بمحبتهم يا رب العالمين.