قطب الدائرتين، وشيخ الفريقين، العارف الرباني، الولي الصمداني، الجامع بين الشريعة والحقيقة، سيدنا ومولانا والد أستاذنا سيدي أبو بكر بن سيدي محمد البناني الرباطي الشاذلي رضي الله عنه وأرضاه، وجعلنا من أهل حزبه، وأمدنا من أنواره. آمين.
وقد ترجمه شيخنا نجله المحروس بعناية رب الأنام، الملحوظ بعواطف أشرف الرسل الكرام، غزالي وقته، في «طبقاته»، وفي «إتحاف أهل العناية» أيضًا.
والذي يطالع مؤلفاته، خصوصًا رسائله المباركة المسماة بـ «مدارج السلوك إلى مالك الملوك»، يعرف عظيم قدره، وعلوِّ مقامه، وقد اشتهرت هذه الرسائل اشتهار الشمس المضيئة في رابعة النهار، وسارت بذكرها الركبان في أنحاء الأرض بطولها والعرض، فقلما تجد بلدًا من بلاد المسلمين، أو عالمًا من علماء الدين، إلا وهي عندهم، يقرؤونها، ويقتدون بما ذكر فيها من الآداب، ويقتبسون منها علومًا وأسرارًا، ولما وقف عليها وعلى كتاب «إتحاف أهل العناية» شيخنا قدس سره، إمام المحدثين في عصرنا سيدي الأستاذ محمد السمالوطي أبقى الله حياته، سُرَّ منهما كثيرًا، واعتنى بهما.
وبالجملة فمناقب سيدي أبو بكر البناني قدس الله سره لا تُحصى، وفضائله لا تُستقصى، ويكفي ما ذكر في ترجمته من مناقبه ومزاياه في «طبقات شيخنا سيدي فتح الله رضى الله عنه» فمن أراد الوقوف على نقطة من بحار فضله فعليه بـ «الطبقات» وستطبع إن شاء الله، ويعمُّ نفعها، ويتم نشرها، بفضل الله، وبمدد مشايخنا الكرام، وبسر أستاذنا الهمام.
توفي أستاذنا سيدي أبو بكر البناني قدس الله سره، ضحوة يوم الأربعاء السابع عشر من جمادى الثانية سنة أربع وثمانين ومئتين وألف، وكانت له جنازة عظيمة، حضرها خلقٌ كثير، ودفن بزاويته بحومة السويقة من بلده رباط الفتح حفظها الله، وضريحه بها يزار، وعليه من أنوار المهابة والإجلال ما يبهر عقول الأخيار، تقصد زيارته أهل المغرب، قاطبة لقضاء حاجتهم، ونيل مآربهم الحسية والمعنوية، وقد أكرمني الله بزيارته، والنزول بساحته، وأشهدني الله سر أنواره، ببركة من نحن في حماه، سيدنا الأستاذ فتح الله رضي الله عنه وأرضاه، وحققنا بالتبعية لهم، وحشرنا في زمرتهم، وأَماتنا على حبهم. آمين يا رب العالمين.