بحر العلوم الدافقة، وإمام أهل الطريقة والحقيقة الناطقة، نور الدين أبو عبد الله سيدي محمد بن حسن بن عمر الكردي النقشبندي قدس سره.
قدم مصر رضى الله عنه عام ألف وثلاث مئة وخمسة وثلاثين، بعد وفاة ولي الله الأكبر سيدي محمد أمين الكردي الأول([1]) قدس سره، صاحب «تنوير القلوب» وشيخ مشايخ الطريقة العلية بالديار المصرية.
وكانا -أي المترجم وسيدي الكردي- منتسبين على سيدي عمر قدس سرُّه في بلادهما، وكانا من أخص تلامذته.
ولما توجه سيدي الشيخ أمين الأول إلى الديار المصرية، وورث قطبانية الطريقة العلية، كان المترجم رضى الله عنه أقام بإذن الحضرة العلية بالمدينة المنورة ما شاء الله أن يقيم، فلما أذنت شمس الكردي بالزوال، قدم المترجم رضى الله عنه إلى مصر، وتخلف مكانه بإشارة ربانية، وورث قطبانية المشرق، وصار من وقته قطب دائرة الطريقة العلية، ومحور رحاها، التي تدور عليه، فسار رضى الله عنه سير أجداده، ولزم الخلوة، وقضى أيامه إلى وقتنا في الخلواتِ والجلوات، والذكر والمجاهدات، حتى أشرقت عليه أنوار السعادات.
تحلى رضى الله عنه بالصفات الحميدة من التواضع، والكرم، والسخاء، والهيبة، والوقار، لا يرى لنفسه قدرًا، جميل الطلعة، تعلوه الأنوار، وتُشمُّ منه رائحة المسك، يبيت أغلب أيامه طاويًا، ولقد حدثني بعض أصحابه أنه رضى الله عنه يمر عليه الأسبوع والأسبوعان وهو لا يأكل إلا تمرة أو تمرتين.
ولقد رأيته بالمشهد الحسيني والناس ملتفةٌ حوله يلتمسون بركته، ولقد دعا لي بدعوات، فرجوت بها خيرًا، أسأل الله تحقيقها، ولا زالت أنواره ساطعة زاهرة لأهل الطريقة العلية، أيد الله دولتها السنية، تحت رايات ظلاله. آمين.