[في ذكر العقيدة التي أجمع عليها الصوفية]
(فصل) في العقيدة التي أجمع عليها الصوفية، قال صاحب التعرف: أجمعت الصوفية على أن الله تعالى واحد أحد, فرد صمد, قديم عالم قادر حق سميع بصير باق عزيز عظيم جليل كبير جواد رؤوف متكبر جبار أول, إله سيد مالك رب رحمن رحيم, مريد حكيم متكلم خالق رازق موصوف بكل ما وصف به نفسه, مسمى بكل ما سمى به نفسه, لم يزل قديما بأسمائه وصفاته, غير مشبه بالخلق بوجه من الوجوه, لا تشبه ذاته الذوات, ولا صفته الصفات, ولا يجري عليه شيء من سمات المخلوقين, لم يزل سابقا متقدما المحدثات, موجودا قبل كل شيء, لا قديم غيره, ليس بجسم ولا شبح ولا شخص ولا صورة ولا جوهر ولا عرض. لا اجتماع له ولا افتراق, ولا يتحرك ولا يسكن, ولا يزداد ولا ينقص, ليس بذي أبعاض ولا أجزاء, ولا جوارح ولا أعضاء, ولا بذي جهات, لا تجري عليه الآفات, ولا تأخذه السنات, ولا تداوله الأوقات ولا تعينه الإشارات، لا يحويه مكان ولا يجري عليه زمان، لا تجوز عليه المماسة ولا العزلة، ولا الحلول, لا تحيط به الأفكار ولا تحجبه الأستار, ولا تدركه الأبصار, لم يسبقه قبل, ولم يقطعه بعد, ولا يغادره (من) ولا يوافقه (عن) ولا يلاصقه (إلىٰ) ولا يحله (في) ولا يوافقه (إذ) ولا تؤامره (إن) ولا يظله فوق, ولا يقله تحت, ولا يقابله حد, ولا يزاحمه (عند) ولا يأخذه (خلف), ولا يحده أمام, ولا يظهره قبل ولا يفنيه بعد, ولا يجمعه كل, ولا يوجده كان, ولا يفقده ليس, ولا يستره خفاء.
تقدم الحدوث قدمه, والقدم وجوده, والغاية أزله, إن قلت (متى) فقد سبق الوقت كونه, وإن قلت (قبل) فالقبل بعده, وإن قلت (هو) فالهاء والواو خلقه, وإن قلت (كيف), لا يجتمع صفتان متضادتان لغيره امتناعا بذلك أن يشبهوه.
فعله من غير مباشرة, وتفهيمه من غير ملاقاة, وهدايته من غير إيماء, لا تنازعه الهمم, ولا تخالطه الأفكار, ليس لذاته تكييف, ولا لفعله تكليف, أجمعوا على أنه لا تدركه العيون, ولا تهجم عليه الظنون, ولا تتغير صفاته, ولا تتبدل أسماؤه, لم يزل كذلك, ولا يزال, ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الحديد:3]، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى: من آية 11].