فصل : [شيوخه وأصحابه رحمه الله]
وله أشياخ مشاهير، وإخوان جماهير، وأصحاب جواهر، وأنا أشير إلى بعضهم قصد التبرك به وبهم، وليس المراد التعريف بالرجال، وإنما المراد بعض ذكر شواهد الأحوال.
[الشيخ أبو الحسن ابن حرزهم]
فمن أشياخه: الشيخ الفقيه الصالح أبو الحسن على ابن حرزهم، قد قدمنا ذكره في صدر هذا الكتاب فأغنى ذلك عن إعادة التعريف به.
وقد ألف بعضهم تأليفًا حسنًا في التعريف به وذكر فضائله وعلمه وكراماته ومن أخباره: أنه قدم مراكش فأستدعاه بعض أمراء (صنهاجة) ليقرأ عليه فأجابه إلى ذلك، فجلس الأمير على السرير وجلس أبو الحسن تحته فقال له أبو الحسن: هكذا تفعل مع أشياخك؟! فقال: (نعم) فقال له أبو الحسن: أنا هو الذي أكون على السرير وتنزل أنت إلى مكاني وهذا من أدب المتعلم مع المعلم فقال الأمير: نعم فنزل وجلس أبو الحسن على السرير ولازمه، وما زال يأخذه بسلوك الطريق والتضييق حتى لم يجد الأمير ما يقتات به إلا ما يدفع إليه بعض التجار عن طيب نصفس، وبلغ الأمير ببركته النهاية من مقام الورع وهكذا من بركته رحمه الله وكان كثيرا ما ينشد:
أو الله كم هذى المعاي إلى متي |
* | وأرياح أثقال البا عنى راكدة |
إلهي رجائي منك غفران زلتي |
* | وإصلاح حالاتي التي هى فاسدة |
ومن أشياخ أبى مدين رحمه الله الشيخ أبو يعزي يلنور بن عبد الله([1]) وكان آية من آيات الله تعالى وأمره كله عجيب.
ونقلت كراماته نقل التواتر. حدث عن البحر ولا حرج.
قال الشيخ أبو مدين رحمه الله طالعت أخبار الصالحين من زمن أويس القرني إلى زماننا فما رأيت أعجب من أبى يعزي، وطالعت كتب التذكير فما رأيت كالإحياء([2]) للغزالي.
وكان قوت أبى يعزى نبات الأرض، وكان يأكل (هدب الدفلى) ([3]) ويطعم للزائرين اللحم والعسل.
وكان في صفته طويلًا أسود اللون، وكان لباسه جبة من تليس([4]) مطرقًا وبرنسًا أسود وشاشية من عزف.
[الشيخ أبو شعيب أيوب بن سعيد الصنهاجي]
ومن أشياخ أبى يعزي أبو شعيب أيوب بن سعيد الصنهاجي، وهو المعروف بأيوب السارية([5]) ويقال له أبو شعيب آزمور، وتوفى سنة إحدى وستين وخمسمائة.
وهو من مشاهير الأولياء وممن يطير في الهواء. وشيخه أبو يلنور عبد الله بن وأكريس([6])المشنزائي.
وابو يلنور من أقران أبى جعفر([7]) آمغار الذي بيده تيطنفطر([8]). وهذا البيت أكبر بيت في المغرب في الصلاح لأنهم يتوارثونه كما يتوارث الناس المال. وقد دخلت بلدهم ورأيت ابناء بني آمغار -نفع الله بهم وبأسلافهم.
وكان أبو ينور –نفع الله به- بقرية يليسكاون([9]) في زمن على بن يوسف([10]) بن تاشفين اللمتوني. وهو الذي وجه عسكره إلى هذه القرية فجاءوا إلى أبى ينور فقال لهم: ردهم الله عنكم! فلما بقى بينهم وبين القرية قدر نصف ميل أصاب القائد وجع فمات.
وقال أبو شعيب يومًا في مجلسه: إن الله تعالى يعطي الدنيا كما يعطي الآخرة. فمن كانت له حاجة من أمور الدنيا فليذكرها لنسأل الله تعالى له فيها.
وهذا لا يقوله إلى زعيم في الرجال.
وكان من عادته إذا حل في موضع لايجلس حتى يصلي ركعتين. وصلى عيد الأضحى بآغمات([11]) وأنصرف إلى بلدة آزمور فوجد أهله يريدون ذبح الأضحية وبين البلدين أربعة أيام.
وأرسل إلى أبى العزي فقال له: لا تفضح الناس([12]) فقال أبو يعزي: والله، ما كان مني.
قال ميمون التاروطي([13]) -رحمه الله- زرت أبا يعزى وأقمت عنده فوصلت جماعة من فاس برسم الإنكار عليه، فوثب السبع على دابة من دوابهم، فصاح أبو يعزي عليه وجذبه من أدناه وقال لأصحابه: أركبوه. ففروا منه.
فركبته أنا فكنت أحس بوبره نفذ في ثوبي.
وشكى الناس إليه مرة احتباس المطر، فرمى بشاشيته وبقى رأسه أبيض ونظر، وقال: يامولاي هؤلاء السادة يطلبون من هذا العبد المطر، ما قدري أنا حتى يطلب مني المطر؟! ثم بكى فأنزل الله المطر!!
وكان الشيخ الفقيه الصالح الشهير أبو محمد يسكر بن موسى([14]) فقيه فاس كثير الزيارة له، وهو شيخ أبى محمد صالح([15]) الهسكوري الذي ينسب إليه شرح ((الرسالة))([16]) وشيخ أبى محمد يسكر أبو خزر يخلف الأوربي([17]) الفقيه.
وتوفى أبو محمد يسكر عام ثمانية وتسعين وخمسمائة. وحدث عن بعض الأولياء قال طلبنا التوفيق فوجدناه في إطعام الطعام.
ودخل أبو محمد يسكر جامع فاس بالليل وليس فيه قنديل، فأضاء منه الجامع حتى صلى وخرج وعاينه الناس.
وأبو خزر هذا هو الذي كان بعدوة الأندلس من فاس المحروسة، وكان أبو الحسن علي ابن حزرهم في عدوة القرويين منها.
وجاء رجل إلى أبى الحسن ابن حرزهم فقال له: رأيت البارحة شمعتين مشعولتين بعدوة الأندلس من فاس المحروسة والأخرى بعدوة القرويين، والتي بعدوة الأندلس أكثر ضياء من الأخرى.
فقال له أبو الحسن: أما التي بعدوة الأندلس فهو الفقيه أبو خرز، وأما التي بعدوة القرويين فأنا، وإنما كنت أقل ضياءً لكثرة مزاحي مع الناس.
فكان الفقهاء يزورون أبا يعزي وإذا رآهم يلحس أقدامهم ويقول لهم: مرحبًا بموالينا! مرحبًا بمصابيح الدنيا.
قلت: وأبو محمد صالح هذا هو شيخ الفقيه راشد بن أبى([18]) راشد الوليدي احب (كتب الحلال والحرام).
والفقيه راشد شيخ الفقيه الشهير أبى الحسن([19]) الصغير
والفقيه أبو الحسن الصغير شيخ الفقيه أبى محمد عبد العزيز([20]) القروي
-نفع الله به- وهو الذي قال له السلطان أو الحسن المريني: تخرج مع عامل الزكاة.
فقال له عبد العزيز هذا: أما تستحي من الله تعالى؟ تأخذ لقبًا من ألقاب الشريعة تضعه على مغرم من المغارم!. فضربه السلطان بالسكين التي يحبسها على عادته في يده وهى في غمدها، وضربه بها جملة وقال له: هكذا تقول لي؟.
فبادر إليه الوزير وأخذ بيده وأخرجه إطفاءً لغيظ السلطان. وقام السلطان إلى داره وما جلس إلا وقد أشتد وجع يده التي ضربه بها، ثم خرج فقال: ردوه إلي؟ فردوه فأعتذر إليه وقال له طيب نفسك علي فإني علمت أنك ماقلت لي إلا الحق!.فقال: (الله لي ولك) وأنصرف.
وكان السلطان بعد هذا المجلس يزوره بداره وكان لا يدخل شيئًا من الباب حتى يعطي المغرم المعلوم ويقول: أكره أن أمتاز عن الناس بشيئ، وهو الذي جمع تقييد المدونة على الفقيه أبى الحسن الغير وهو الآن محبس بفاس بخط يده.
وأما التقييد الكبير فجمعه رجل من دور الطبه يقال له اليحمدي.
قال بعض الفقهاء: دخلت عليه وهو ملتحف في كسائه وكتب الفقه مبسوطة بين يديه وأعراقه تقطر عليه، وكساؤه في غاية من الوسخ فقلت له: أرفق بنفسك وأغسل كساءك! فقال: لي ستة أشهر نروم غسلها وما وجدت سبيلًا لذلك من أجل هذا الشغل. وتعجبه منه وأنصرفت.
وأبو محمد عبد العزيز هذا شيخ شيخنا ومفيدنا طريقة الفقه: الشيخ الحافظ أبى عمران موسى بن محمد بن معطي شهر العبدوسي([21]). وشيخ شيخنا العبدوسي أيضًا الشيخ الصالح الشهير أبو زيد عبد الرحمن بن عفان([22]) الجزولي الذي ينسب إليه ((شرح الرسالة)). وتوفى في حدود أربعين وسبعمائة.
وشيخه الفقيه راشد كان مؤيدًا في الرسالة، معروفًا بالفضل والصلاح والانقطاع إلى الله تعالى.
وتوفى شيخنا العبدوسي - رحمة الله- في أوائل سنة ستة وسبعين وسبعمائة، وكان في مجلسه يشير لنا بذلك.
وكان مجلسه أعظم المجالس بفاس، يحضره الفقهاء والصلحاء والمدرسون وحفاظ ((المدونة)) وتحضر من نسخها بيد الطلبة ما يقرب من الأربعين.
وكان له إدلال عجيب في إقراء ((التهذيب))([23]). سمعته يقول: لي أربعون سنة نقرئ المدونة.
وفي العام الذي توفى فيه وقف قارئ الرسالة على باب الجنائز، فكره الطلبة ذلك وأرادوا الزيادة، ففهم عنهم وقال لهم: ((كرهتم الوقوف على باب الجنائز، والله لاأقف إلا عليه)). فوقف القارئ عليه وتوفى الشيخ في تلك السنة.
ولا رأيت في الفقهاء أعظم تعظيمًا للشيخ أبى يعزي منه، وكان في أكثر مجالسه يذكر لنا ما تبدي من أحواله ويشير أن ما ثم في الأولياء مثله.
وكان يحكي عنه في باب زكاة الحرث: أنه إذا حرث يخرج للضعفاء تسعة أعشار إصابته ويتمسك بالعشر عكس الزكاة ويقول: من سوء أدبي أن أخرج العشر وأتمسك بتسعة أعشار.
وحدثنا أيضًا أن الشيخ أبا الحسن علي ابن حرزهم سجنه السلطان بمراكش فقال لتلامذته في الطريق: ((لا ألبث في السجن)).
فقالوا له: سبحان الله اسكت وهل سجنت إلا على مثل هذه الأحوال!؟
فقال لهم: إن الشيخ أبا يعزي ها هو ذاك ينظرني ولا يتركني فإنه كل ما يطلبه من مولاه يعمله له وبينهما مسيرة خمسة أيام فأطلق من ساعته. ووقفت على هذه الحكاية لغيره وما زال شيخنا العبدوسي -رحمه الله- يكررها في المجلس.
وقد جمع العزفي -رحمه الله- في كرامات أبى يعزي مالا نطول بذكره. وكانت وفاة أبى يعزي -رحمة الله – في شوال من عام أثنين وسبعين وخمسمائة وترك أولادًا، رأيت منهم شيخًا من أحفاده على صفة جده في لونه وقده وتبركت به، وذلك في عام واحد وستين وسبعمائه. وكان غرضي الوقوف على قبره، فبقى بيني وبينه موضعه (بتاغية جوفي تادلا) ([24]) نصف يوم، فعدمت الرفيق لخوف الطريق فرجعت. والمؤمل حصول الثواب إن شئت الله تعالى.
بالله إن كنت قد خيمت عندهم |
* | بالمنحى بين أنجادٍ وأجواد |
هات الحديث عن المغنى([25]) وساكنه |
* | وأرفع لسنته العلياء إسنادي |
وأروني من حديث الشيخ أعذبه |
* | فإنه الري يشفى غلة الصادي |
[الشيخ أبو الحسن علي ابن غالب]
ومن أشياخ الشيخ أبى مدين رحمه الله الشيخ الفقيه الصالح أبو الحسن علي ابن غالب من فقهاء فاس الذي قرأ عليه الشيخ أبو مدين السنن لأبى عيسى الترمزي في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولازمه وتفقه عليه، وتوفى ابن غالب في حدود التسعين وخمسمائة([26]) وكان الأولياء يحضرون مجلسه.
وحدث بعضهم أنه ورث من أبنه أثنى عشر ألف دينارًا، فتدق بها كلها وقال: كان والده لا يحسن الفقه. فسمع بذلك شيخه أبو العباس ابن العريف فقال: يا أبا الحسن هلا طهره الثلث!.
وحدثوا عنه أنه إذا أشكلت عليه مسألة علمية، نظر إلى جهة من جهات البيت فيجدها مكتوبة في الجدار.
ما الناس إلا الصالحون حقيقة |
* | وسواهم متطفل في الناس |
[الشيخ أبو عبد الله الدقاق]
ومن أشياخ أبى مدين رحمه الله الشيخ الصالح أبو عبد الله الدقاق([27]) من أكابر الصوفية. وكان يتردد من فاس إلى سجلماسة([28]) وكان يقول: أنا أول من أخذ عنه الشيخ أبو مدين علم التصوف.
وكان الدقاق إماما في ذلك، وفلتت منه يومًا كلمة بين أصحابه ذكر فيها ضيق حاله، فرأى بعضهم قائلًا في النوم يقول أنشدوا الدقاق:
قل للرويجل من ذوي الأقدار |
* | الفقر أفضل شيمة الأحرار |
يا من شكى للناس فعلة ربه |
* | هلا شكوت تحمل الأوزار |
إن الذي ألبست من حلل التقى |
* | لو شاء ربك كنت عنه عاري |
[الشيخ أبو زكريا يحيى الزواوي]
ومن إخوان الشيخ أبى مدين رحمه الله الشيخ الشهير أبو زكريا يحيى ابن أبى علي الزواوي([29]) المدفون بخارج بجاية وكان عالمًا صالحًا زاهدًا.
حكى الفقيه القاضي أبو محمد([30]) ابن كحيلة البجائي، وكانت ولادته عام أثنين وستمائة، ووفاته في ذي حجة عام خمسة وثمانين وستمائة. قال: أخبرني أبى-رحمه الله- إنه سمع من الشيخ أبى زكرياء قال: كنت في مجلس ابن عوف([31]) يعني أبا الطاهر، بالأسكندرية –قال: ويحضر معنا رجلان خيران كانا إذا سمعا حديثًا في تهذيب الأخلاق أهتزا، فتبعتهما يومًا بعد خروجهما من المجلس حتى جازا باب البلد، فالتفت أحدهما إلي وقال لي: أرجع فإنك لا تقدر على السير، فطلبتهما في الدعاء فقالا لي: علمك الله ما تنتفع به، وأنصرفا ووقفت متحيرًا وإذا بقافلة فيها ركبان ورجال قالوا لي: من أين قمت اليوم؟ فقلت لهم: خرجت من الأسكندرية الساعة، فضحكوا مني واستحمقوني، فأقبل علي شيخ منهم فأستفهمني فأخبرته.
فقال لي: هذه مصر قريبة منك، فرافقتهم فدخلت الأسكندرية بعد أربعة أيام فوصلت ابن عوف فصلما رآني قال لي: نفرتهم عنا يا يحيى.
وكان يقول: لا تحقروا أحدًا من السؤال . كان واحد يعتادنا عند العشاء فندفع إليه ما تيسر لنا، فأخرجنا له ليلة جميع العشاء لأني كرهت أكله من أجل أنه طبخ بماء طلبته الزوجة من الجيران، فرده وقال: تطعموني ما نزهتم أنفسكم عنه!.
وكان له كرسي بجامع بجاية يقرئ عليه العلم، وأكثر ما يقرئ التفسير والحديث، وكان كثير الخوف من الله عز وجل، كثير التخويف للناس يحذرهم جهنم وحرها وعذابها وشرها.
قال له الشيخ ابو مدين}: لا تقنط الناس وذكرهم بأنعم الله تعالى فقال: لا أقدر إلا على هذا.
وذكر يومًا في مجلس إقرائه النار وأهوال يوم القيامة فقال له بعض الطلبة: شوقنا إلى الجنة! فصاح حتى غشى عليه وقال له: متى خرجنا من النار حتى نذكر الجنة؟
ولم يرح الناس ويطعمهم إلا في يوم موته، وقال لهم في ذلك اليوم – وهو يوم الجمعة بعد أن صلاها منتصف رمضان المعظم من عام أحد عشر وستمائة -رحمه الله ونفع به- وقبر الشيخ الولي الصالح المكاشف أبى الفضل قاسم القرطبي([32]) قريب منه، وأبو الفضل هذا من تلامذة الشيخ أبى أحمد رحمه الله ونفع به، وكان من كبار الصالحين وكانت وفاته عام أثنين وستمائة:
طوبي لمن قلبه بالله مشتغل |
* | يبكي النهار وطول الليل يبتهل |
خوف الوعيد وذكر النار أحرقه |
* | والدمع منه على الخدين ينهمل |
[الشيخ أبو علي يعزي]
ومن إخوان الشيخ أبى مدين رحمه الله الشيخ الصالح أبو علي([33]) يعزي ابن الشيخ أبى يعزي، وكان في حياة أبيه يحب الرئاسة، والدنيا، ولما حضر والده حرص على رؤيته. فأختلف الناس إليه فجاءه بعد أن نزع ثيابه التي لا تليق بالفقراء([34]) ولبس غيرها ودخل على أبيه فقبل رأسه، فقال له والده: تُب إلى الله يايعزي فقال له: تُب إلى الله تعالى، كلمة بذلك ثلاث مرات وابنه يجيبه بمثل ما أجابه أولًا، ثم قال: أفتح فاك ياوالدي ففتحه، فبصق الشيخ فيه بصقة
ثم مات وخلفه ابنه وقام مقامه ولحق بالأولياء من ساعته.
قال أبو عبد الله([35]) التاودي -رحمه الله- حضرت عند أبى على يعزي وجئ له برجل قعد عن الحركة فما زال يتفل عليه حتى قام.
وقال التاودي: حضرت عند أبيه قبل موته بيسير، فرأيت ثورًا أكحل اللون وهو يلحس بلسانه في الشيخ أبى يعزي ، والشيخ يمسح عليه بيده ويقول: أي صنيع يصنع به! قال التاودي: فذبح بعد موته وصنع للناس منه الطعام.
من أين أرضيك إلا أن توفقني |
* | هيهات هيهات ما التوفيق من قلبي |
[الشيخ أبو جعفر محمد الصنهاجي]
ومن إخوان الشيخ أبى مدين رحمه الله الشيخ الصالح أبو جعفر محمد بن يوسف الصنهاجي([36]) وكان مشهور الكرامة، ومن كبار الصالحين.
قال: زرت الشيخ ابا يعزي مائة مرة، ما وجدت إلا بركة الرجال.
وكان الشيخ أبو يعزي يناديه من مكانه فيجيبه: نعم وبينهما خمسة أيام!.
فعاتبه مرة وقال له: ناديتك ثلاث مرات فلم تجبني إلا في الثالثة فأستغفرالله تعالى!:
مازلت مذ سكنوا قلبي أصون لهم |
* | لحظي ونطقي وسمعي إد بهم أنسي |
[الشيخ أبو عبد الله التاودي]
ومن إخوان الشيخ أبى مدين رحمه الله الشيخ الفقيه الصالح أبو عبد الله التاودي بفاس، وكان يعلم الأولاد القرآن ويأخذ الأجرة من أولاد الأغنياء خاصة ويدفعها لأولاد الفقراء، وكان يخيط ثياب المساكين([37]). وتوفى في عام ثمانين وخمسمائة.
قال الشيخ أبو مدين رحمه الله جاء رجلان إلى أبى عبد الله التاودي
يزورانه، فأبر بين يديه هرين جعل كل واحد منهما رأسه على الآخر فقال له: هكذا ينبغي أن تكون الأخوة، فأخذ التاودي لقمة من خبز ورمى بها إليهما.
فوثب كل واحد منهما على الآخر ليأخذ اللقمة، فقال أبو عبد الله: هكذا كانت الأخوة حتى دخلت الدنيا فأفسدتها.
رجال الله سادت كرام |
* | لهم في الخير إن لاح أنبعاث |
فهم للناس في الدنيا أمان |
* | من الأمر المخوف وهم غياث |
أبانو حبة الدنيا وقالوا |
* | طلاقك في شريعتنا ثلاث |
[الشيخ أبو الحسن علي الصنهاجي]
ومن إخوان الشيخ أبى مدين رحمه الله الشيخ الصالح أبو الحسن علي بن إبراهيم الصنهاجي، وشيخه أبو الحسن ابن حرزهم. وكان من عباد الله الصالحين وقبره بالأسكندرية قدم إليه بعض أصحابه تينا طريا فأبى أن يأكله وقال:
صبرت عن اللذات لما تولت |
* | وألزمت نفسي هجرها فاستقلت |
وكانت على الأيام نفسي عزيزة |
* | فصلما رأت صبري على الذل ذلت |
[الشيخ أبو تميم الهزميري]
ومن إخوان الشيخ أبى مدين رحمه الله الشيخ الصالح أبو تميم عبد الرحمن الهزميري([38]) وكان حافظًا للمسائل وقبره قريب من مكناسة الزيتون([39]).
حدث عنه الشيخ الصالح أبو الحسن ابن عبد الكريم قال: أعجب ما رأيت من أخبار الصالحين أني مشيت بأختي حين ظهر البرص بها في الوجه إلى مدينة فاس ليعالجها الأطباء، وحملت معي بسبب ذلك نفقة، فلم ينفع الدواء، فرجعت بها وقصدت زيارة أبى تميم، فلما دخلت عليه قال لي: ما سويت عندك شيئًا حين تركتني وذهبت إلى الأطباء! فخجلت وبتنا عنده. فلما صلينا الصبح وقعدنا في مصلانا جاءته أختي وسلمت عليه وقعدت، وجعل يحدثنا ويمسح بريقه على موضع البرص المرة بعد المرة، فغلبني النوم وأنا جالس ثم أنتبهت فوجدته مستندًا يذكر، ونظرت إلى وجه أختي فإذا هو قد ذهب البرص منه!. فأعلمتها، فقامت مسرورة بفضل الله تعالى.
محبتهم فرض و رؤيتهم هدى |
* | وللدين منهم ألسن وقلوب |
[الشيخ أبو الصبر أيوب السبتي]
ومن إخوان الشيخ أبى مدين رحمه الله الشيخ الصالح الفقيه أبو الصبر أيوب بن عبد الله الفهري السبتي([40]). وقرأ عليه الفقيه أبو الحسن علي بن غالب الذي قرأ عليه الشيخ أبو مدين بفاس.
ولأبى الصبر هذا كتاب عرف فيه بالشيخ أبى مدين وذكر فيه فضله.
وكانت أمه من الصالحات، كانت إذا غاب عنها حدثته بما جرى له في مغيبه.
قال: أبو علي الصواف([41])، رحمة الله: سمعت الشيخ أبا مدين يقول:
جاب أبو الصبر أيوب بصفحة كبيرة من عود من عمل الروم من سبتة إلى منزل الشيخ أبى يعزي على رأسه، فقبلها منه أبو يعزي، وكان يطعم فيها الزائرين.
قلت: وبين سبتة وتاغية، موضع أبى يعزي، ثلاثة عشر يومًا
قطعت الأرض ذا سير حثيت |
* | كلمح البرق حبا في التلاقي |
وقال لي الذول وقد رآني |
* | سبوقًا بالمضمرة العتاق |
ركبه على البراق؟ فقلت: كلا |
* | ولكني ركبت على أشتياقي |
[الشيخ يحيى بن صالح]
ومن إخوان الشيخ أبى مدين رحمه الله يحيى بن صالح([42]) خديم الشيخ أبى يعزي، وكان كثير الخوف من الله تعالى، بكى حتى سقطت عيناه من كثرة البكاء ولما عمى ضاعف أوراده وأجتهد في عبادته –نفع الله به-.
إذا صح منك الود فالكل هين |
* | وكل الذي فوق التراب تراب |
[الشيخ أبو محمد عبد الجليل الأنصاري]
ومن إخوان الشيخ أبى مدين رحمه الله الشيخ الصالح أبو محمد عبد الجليل بن موسى بن عبد الجليل الأنصاري يعرف بالقصرى([43]) كان كثير البكاء ومن عباد الله الصالحين الملازمين للعبادة.
رجال الله قد سعدوا وفازوا |
* | ونالوا فضل رحمته وحازوا |
رجال طلقوا الدنيا ثلاثًا([44]) |
* | ولو جاز الرجوع لما استجازوا |
وما اعتزوا بمخلوق ولكن |
* | لهم بالخالق الأحد اعتزاز |
دعوا الدنيا فليست لهم لتبدو |
* | وهل تخفى الحقيقة والمجاز([45]) |
[الشيخ أبو محمد عبد الحق الإشبيلي]
ومن إخوان الشيخ أبى مدين رحمه الله الشيخ الشهير العالم المحدث الصالح الخطيب القاضي العدل، أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن الإشبيلي([46])، الحافظ صاحب ((الأحكام الكبرى)) ((والصغرى)) في الحديث، والعاقبة في التذكير إلى غير ذلك من التواليف.
كانت ولادته عام سته عشر وخمسمائه، ووفاته عام أثنين وثمانين وخمسمائه. وقبره ببجاية المحروسة خارج باب المرسي.
وأول إجتماع به وقع له ن الشيخ الفقيه القاضي العدل الشهير أبى علي المسيلي([47]) صاحب ((التذكرة في أول الدين)) وغيرها. وقبره يتبرك به خارج باب آمسيون من بجاية.
وذلك أنهما كانا أخوين في الله تعالى، مصاحبين في العلم والدين والزهد واليقين، وأتباع سلف المؤمنين، فسمعا بالشيخ أبى مدين وأنه يأتي من العلم بفنون وأنه أطلع من أمر الله تعالى على سره المكنون؛ فكانا يتعجبان ويبعدان ما عنه يسمعان، فأتفق رأيهما على الأجتماع معه والأطلاع على ما عنده فسارا إليه ومرا في أحد مسجديه اللذين يجلس فيهما مع خواصه، فدخلا عليه فوجداه يفيض النور ويستخصرج الدرر من قيعان البحور.
فلما فرغ من كلامه سلما عليه وسلم عليهما -وما اجتمعا به قط ولا رآهما- فقال الشيخ أبو مدين رحمه الله : أما هذا فالفقيه أبو محمد عبد الحق، وأما هذا الفقيه أبو علي المسيلي فقالا: نعم وكان ذلك من كراماته.
ثم قال له: بلغنا أنك لم تزد على سورة:﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ﴾[الملك:1]
فقال لهما: نعم هى كانت سورتي، ولو تعديتها لاحترقت ثم التفت إليهما وقال بنزعةٍ صوفيةٍ: بي قُل وعلى دُل فأنا الكُل.
ثم أنفصلا عنه، وعلما أن لله تعالى مواهب لا يسعها المكاسب، وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء.
فواخاه([48]) أبو محمد عبد الحق -رحمه الله- وأقر له بالسبق في الطريق.
وكان بعد ذلك إذا دخل على الشيخ أبى مدين ورأى ما أيده الله تعالى به ظاهرًا وباطنًا، يجده على حالة سنية لم يجدها قبل ظهوره في مجلسه، ويقول عند ذلك: هذا وارث على الحقيقة.
هكذا نقل محي الدين الإمام المحقق الصوفي أبو عبد الله محمد الحاتمي المعروف بابن العربي([49]) احب كتاب (مواقع النجوم في التصوف) وغيره من التآليف. وتوفى محي الدين هذا في حدود الأربعين وستمائة، أعاد الله علينا بركة الجميع.
لا تحمدان أمرًا حتى تجربه |
* | ولا تذمنه من غير تجريب |
[الشيخ أبو محمد بن ينصارن الماجري]
ومن إخوان الشيخ أبى مدين رحمه الله الشيخ الشهير أبو محمد بن ينصارن الماجري([50]) الذي بآسفي([51]) وشيخه عبد الرازق الجزولي([52])، وعبد الرازق هذا رفيع القدر وقبره قرب الأسكندرية يتبرك به، وهو من كبار تلامذة الشيخ أبى مدين، ولازمه مدة طويلة.
قيل للشيخ أبى مدين رحمه الله: إن عبد الرازق يواصل سبعة أيام
فقال: دعوه فإن كان كاذبًا فعقوبته الجوع ، وإن كان صادقًا فسينتفع به.
وأبو محمد هذا هو الذي تزوج جارية الشيخ أبى مدين.
وذلك أن الشيخ أبا يعزي أخبره بأنه تهدي له جارية حبشية يكون له منها ولد.فإن عاش فيكون له شأن عظيم، فأهديت له جارية وتزايد([53]) له منها ولد سماه محمدًا، ثم أعتزل الشيخ عنها وأغتنم منها. فسألته تلامذته عن سبب أغتمامه؟
فقال: هذه الجارية لم يبق لي فيها أرب، ولولا أن الشيخ أبا يعزي أخبرني بالولد ما قربتها، فإن تركتها أثمت، وإن زوجتها لأحد خفت على الولد.
فقال عبد الرزاق الجزولي: أنا أتزوجها وأربى الولد.
فقال له الشيخ أبو مدين: نكاح الحبشية عند المصامدة([54]) عار.
فقال له: ليس في نفسي شيئ من ذلك.
فتزوجها عبد الرزاق وربى الولد، وظهرت العجاب في الولد من قوة حفظه وظهور بركته، ومات الولد بعد مدة نفع الله به وبأبيه.
تزود قرينا من فعالك إنما |
* | قرين الفتى في القبر ما كان يفعل |
ألا إنما الإنسان ضيف لأهله |
* | يقيم قليلا عندهم ثم يرحل |
[الشيخ حسن بن محمد الغافقي]
ومن أصحاب الشيخ أبى مدين - رحمه الله - الشيخ الصالح أبو علي حسن ابن محمد الغافقي الصواف([55]). لازمه ثلاثين سنة ولم يفارقه إلا بالموت في العباد([56]). وحدث عنه أخبارًا ورأى له أسرارًا وأنتفع على يديه، وتحسر بعد موته عليه ونسب كل فضيلة ظهرت في تلامذته إليه. وسأورد ًا مما حدث عنه إن شاء الله.
بذكركم يأنس المشتاق بعدكم |
* | أنس الغريب إلى الأحباب والوطن |
يدري هواك وإن أخفيته ومتى |
يغلب على السر شيئ بان في العلن |
[الشيخ أبو عبد الله محمد الأنصاري]
ومن أصحاب الشيخ أبى مدين رحمه الله الفقيه أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الأنصاري وهو من كبار تلامذته وكثير الرواية عنه. حدث فقال:
كنت ليلًا ببجاية برابطة الزيات مع أبى علي منصور الملياني من تلامذة الشيخ رحمه الله في ليلة مقمرة، وقد قام كل واحد منا إلى أوراده بالليل، فسمعت حسًا كحس طائر طار بشدة، فرفعت بصري فإذا بشخص ظاهر على البحر يصلي فكتمت ذلك عن أبى علي الملياني ثم قال لي أبو علي: هل ترى ما أرى؟.
فقلت له: رأيته حين أنزعج وسترت ذلك عنك.
فقال لي: هو فلان الذي يحضر معنا مجلس الشيخ أبى مدين رحمه الله ([57]).
يزيد اشتياقي كل ما مر ذكركم |
* | وأهجر ذكر الغير حين يزيد |
وهل أنت إلا في الفؤاد وإنما |
* | مغيبك عن سمعي على شديد |
[الشيخ أبو علي عمر الصباغ]
ومن أصحاب الشيخ أبى مدين رحمه الله الشيخ الصالح أبو علي عمر الصباغ([58]) وكان احب مكاشفة وهو الذي قال: صليت المغرب مع الشيخ أبى مدين، فرأيت وأنا في الصلاة ثلاثًا أو أربعًا من الحور العين يلعبن، فلما سلمنا من الصلاة قلت للشيخ أبى مدين ما رأيت فقال: وهل رأيتهن؟ قلت: نعم، قال لي: أعد صلاتك فإن المصلي يناجي ربه وأنت إنما ناجيت الحور العين.
قال الشيخ أبو علي حسن الغافقي –رحمه الله تعالى-: حدثني بهذه الحكاية شيخنا أبو مدين فقال: صليت مع الصباغ، إلى آخرها.
إن شفيعي إليك حزني |
* | ودمع عيني وحسن ظني |
فبالذي قادني ذليلًا |
* | إليك إلا عفوت عني |
[الشيخ أبو عمران موسى الحلاج]
ومن أصحاب الشيخ أبى مدين رحمه الله: الشيخ الصالح الولي أبو
عمران موسى الحلاج([59]). كان يحلج القطن بفاس، فلما شاعت عنه العجائب من المكاشفة والحديث بخفيات الأمور؛ خرج خائفًا على نفسه وفر من المغرب مشرقا([60]) وأنتهى إلى بجاية. فقصد الشيخ أبا مدين، فسلم عليه فقال له الشيخ أبو مدين وهو يعرفه: ما أسمك؟ فقال له: موسى: فقال له الشيخ أبو مدين: وأنا أسمي شعيب وقد أمنت! فإن موسى — لم يأمن حتى لقا شعيب —.
قال الشيخ أبو علي حسن الغافقي -رحمه الله-: غاب موسى الحلاج عن أبى مدين مدة، ثم قدم عليه فوجده في مجلس إقرائه فجلس، فلما فرغ الشيخ من إقرائه قام إليه موسى الحلاج فسلم عليه، فقال له الشيخ أبو مدين: يا أبا عمران على من وجبه الضيافة، على الزائر أم على المزور؟ فسكت أبو عمران، فقال له الشيخ: على الطعام وعليك العسل، فقال: نعم، فأمر الشيخ أبو مدين بصحفة فجاءوا بها، فأخذها أبو عمران وجعلها خارج البيت ثم لى ركعتين ثم أفتقدها فلم يجد ًا فقال الشيخ أبو مدين رحمه الله: أعطني ثوبك، فناوله إياه فخرج وغطى به الصحفة، ثم عاد إلى ركن الزواية فصلى ركعتين ثم رجع فخرج وأدخل الصحفة وهى مملوءة عسلًا أبيض، فأكل الحاضرون.
قال الشيخ أبو مدين : وأكلنا من ذلك العسل خمسة وعشرين يومًا ولم ينقص، ثم خفت أن يكون لي معلومًا فتصدقت به.
رحمهم الله ونفعنا ببركتهم بمنه وفضله وكرمه.
تذكرت أمري فأنفردت بغربتي |
* | فصرت فريدًا في البرية أوحدًا |
تسرمد وقتي فيك فهو مسرمد مسرمد |
* | وأفنيتني عني فصرت مجردًا |
[الشيخ أبو عبد الله محمد بن علي]
ومن أصحاب الشيخ أبى مدين - رحمه الله - الشيخ أبا عبد الله محمد بن علي([61]). ومما حدث عنه قال: سمعت الشيخ أبا مدين يقول: رأيت من واصل ستة أشهر.
[العقبات السبع]
وذكرت عنده العقبات السبع([62]) المذكورة في كتاب منهاج العابدين فقال:
رأيت من قطعها في سبعين عامًا، ورأيت من قطعها في ساعة([63]) واحدة مثلما قطعها إبراهيم([64]) بن أدهم وجاء التوفيق من الله تعالى.
عجبه بمن لم ير على المعاصي |
* | وينكر ما يقول الأولياء |
تقصر عنهم وتخوض فيهم |
* | فلا نور لديك ولا ضياء |
[الشيخ أبو مسعود ابن عريف]
ومن أصحاب الشيخ أبى مدين رحمه الله الشيخ الصالح الشهير أبو مسعود ابن عريف([65]) من جبال شلف، بأرض تلمسان. وكان مجاب الدعوة، مشهور البركة، وقبره بجبال شلف يزار ويتبرك به.
وهو شيخ والد جدي للأم يعقوب بن عمران البويوسفي، فإنه أرتحل إليه في غره، فأدبه وهذبه، وأحسن تربيته، وقربه وأنتفع على يديه، وأمره بالآنصراف إلى وطنه فأقام به زاوية ووجد ببركته مكانة سنية. وبها توفى عام سبعة عشر وسبعمائة، وكانت ولادته في حدود الثلاثين وستمائة. وكان يحدث الناس بما يرى من موضه في ((تليك)) إلى قسنطينة وذلك مسافة مرحلتين، وأشتهر كراماته.
ولما بويع السلطان الشهير أمير المؤمنين أبو يحيى أبو بكر([66]) ابن الأمراء الراشدين سنة إحدى عشرة وسبعمائة بقسنطينة المحروسة وضع يده عليه في ذلك اليوم وقال له:
(تطول مدتك إن شاء الله وتأمن من القتل) وسماه: المتوكل على الله.
فكانت وفاة السلطان -رحمه الله- بعد ست وثلاثين سنة من مبايعته يعقب وفاة مرض يسير أصابه وتجديد توبته قبل نزول المرض به، وذلك في شهر رجب سنة سبع وأربعين وسبعمائة.
ولما دخل عليه عقب رؤيته هلال رجب المذكور قال:((لاإله إلا الله! دخل رجب!)) وكرر ذلك مرارًا وأشار إلى حضور أجله ونعيت إليه نفسه.
ثم ركب وسار في الأسواق، وزار المزارات، وصار يتكلم مع الناس لأنه كان قبل ذلك قليل الظهور إلى الناس، ففعل فعل المودع، ولا أدري هل سمع ذلك من الشيخ أو من غيره من الفضلاء.
وكان يقتحم الدخول في القتال ولا يحذر من ضارب، ويقول: سيدي يعقوب.وعدني بالموت على سرير العافية. ومازال السلطان-رحمه الله- يكرر ذلك. وذكره يومًا لأطبائه حين أطلعوا على جراحة فاحشة في جسده.
وكان -قدس الله روحه- يكتب لجدي بعد وفاة والده يرغبه في الدعاء له عند قبره، وكتابه عندي الآن.
ودفع الحاجب الرئيس أبو عبد الرحمن ابن عمر لبعض تلامذة الشيخ ألف دينار دراهم في اليوم الذي بويع فيه السلطان -رحمه الله- وقال له: أعط هذا لسيدي يعقوب ولا تدفعها له إلا بعد سفره وووله إلى زاويته.
فخرج الشيخ مسافرًا؛ فلما لحقه التلميذ بالمال وصار مع الناس نحو الميل ولم يعلمه وإذا بالشيخ حول وجهة وقال: ما هذا الشوك الذي معنا في الطريق؟!
فقالوا له: وما الذي معنا؟ فوقف وهو يقول: ما هذا الشوك؟ ويكرره.
فأعلمه بالمال. فأمره برده إلى عمر وأنه لايتعدى من ذلك المكان حتى يصل إليه. فرجع التلميذ بعد رد المال، فقال: بسم الله! قد فعلت ما أمرتني به، فتحرك الشيخ وقال: ((الطريق الآن نقي، وسقط إبريق الوضوء من يده وتكسر. فوقف في ذلك المكان ثلاثة أيام باكيًا مستغفرًا.
حدثني الشيخ عن شيخه أبى مسعود الحكاية المشهورة وهى أنه قال:
نمت ليلة قريبًا من شيخنا أبى مسعود في خلوته، فسمعت كل شعرة تذكر الله تعالى بلسان فصيح.
[سند الصوفية]
وبه يتصل سند جدي للأم يوسف بن يعقوب البويوسفي شهر الملاري([67]) إلى الشيخ أبى مدين رحمه الله ، بمشيخته عن والده عن أبى مسعود هذا. وأبو مسعود عن أبى مدين. فكان بينه وبين رجلان فسمعت ذلك من جدي للأم سنة ثمان وخمسين وسبعمائة وقال: هذه بركة أشياخنا وسرد السند المستند إليه وهو:
أبو مدين عن أبى الحسن ابن حرزهم عن القاضي أبى بكر ابن العربي([68]) - وتوفى ابن العربي بظاهر فاس علام ثلاثة وأربعين وخمسمائة، وقبره بين المدينتين: فاس القديم وفاس الجديد. وقد وقفت على قبره ولزيارته بركات- عن أبى حامد الغزالي، وتوفى بطوس في عام خمسة وخمسمائة، وكانت ولادته سنة خمسين وأربعمائة، ولما صلى الصبح طلب كفنه ومسح به على وجهة وقال: مرحبًا بالدخول على الملك واشتغل بالذكر والاستغفار إلى أن توفى قبل طلوع الشمس ذلك اليوم وقال: لايصلي على أحد حتى يأتي رجل لا يعرف فيصلي علي فوضع على شفير قبره وأنتظر الناس به. فأقبل رجل عليه عباءة، وتقدم وصلى بالقوم عليه. هكذا ذكره السمعاني في كتابة المعروف بمنتخب الذيل.
ووقفت بخارج آزمور من بلاد المغرب على قبر أبى شعيب آزمور المعروف بأيوب السارية -ومعنى هذا أنه كان إذا وقف في صلاة النافلة غاب وهومنتصب كالسارية، فإذا أقيمت الصلاة، جاءه المؤذن وصاح في أذنيه صيحة تسمع من خارج المسجد فيستيقظ من غيبته عن الناس ويخفف في صلاته ويدنو مع الناس- فقال لي الشيخ الصالح الفقيه الواعظ أبو القاسم الزموري في هذا الرجل: هو الذي صلى على الغزالي. فطابق لي ما كان عندي مما وقفت في منتخب الذيل.
وأخذ الغزالي -رحمه الله- عن إمام الحرمين([69]) أبى المعالي عبد الملك بن أبى محمد ابن يوسف الجويني إمام الأئمة على الإطلاق. وكان هذا الإمام قد جلس للتدريس في مكان أبيه وهو ابن عشرين سنة. وكان هاجر إليه الغزالي مع شبان من طوس وأنتفع عليه - نفع الله بهم . وتوفى في عام ثمانية وسبعين وأربعمائة. وكسرت المحابر والأقلام في ذلك اليوم مبالغةً أنه لم يبق من يؤخذ عليه العلم. وهو من أصحاب أبى القاسم القشيري، رحمه الله.
وأخذ أبو المعالي عن أبى طالب([70]) المكي عن أبى القاسم الجنيد([71]).
عن سري([72])، عن معروف([73]) الكرخي وهو الذي قيل فيه لأحمد بن حنبل: إن معروفًا قليل العلم: وهل يحتاج العلم إلا لما وصل إليه المعروف!!
وأخذ معروف عن داود([74]) الطائي، عن حبيب([75]) العجمي، عن الحسن([76]) البصري. وكانت أمه تخدم أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم. فإذا اشتغلت عنه بالخدمة وبكى عليها أعطته أم سلمة رضى الله عنها ثديها يمص فيه تشغله عن أمه. فظهرت العجائب عن لسانه من بركة أم سلمة.
وأخذ الحسن البري عن علي بن أبى طالب رضى الله عنه ودعا له، وأخذ علي عن سيد البشر صلى الله عليه وسلم. هكذا سمعت هذا السند من جدي للأم يوسف بن يعقوب البويوسفي.
* * *
(1) في التشوف ص213 والأعلام للزركي(8/208) (يلنور بن ميمون) وقد تكنى بأبى يعزي نسبة إلى ولده: يعزي، وسيأتي كلام المصنف عليه إن شاء الله تعالى.
ذكر محقق التشوف: أن معنى يعزي: من إعز، أي العزيز، ومعنى يلنور: من إيلا النور، أي ذو النور، أو ذو الحظ.
(4)هو الطيلس أو الطيلسان، نوع من الأكسية، والأطلس: الأسود، والبرنس: كل ثوب رأسه منه ملتزق به، والشاشية مثل الشاش يستعمل كالعمامة.
(5)راجع ترجمته في التشوف ص187، والإعلام بمن حل بمراكش من الأعلام (1/366) وجاء في التشوف أنه كان يطيل القيام في الصلاة، فسمى أيوب السارية.
(2) ذكره التادلي في التشوف ص426 في أثناء ترجمة حفيده: يوسف بن محمد بن آمار المتوفي سنة 624هـ وقال: جده أبو جعفر آمغار من كبار الصالحين، ومن بين الخير والصلاح.
(7)وذلك أن أبا يعزي كان يتكلم على الخواطر ويكاشف الناس بما يحدث منهم، فيقول: سرقت ياهذا!، وزنيت ياهذا!، وفعلت ياهذا وكذا، فيذكر لكل واحد فعله، وقد أتاه يومًا رجلًا فسلم عليه، فقال له أبو يعزي: لم تخون أخاك وتأتي زوجه وهوغائب؟ فقال له الرجل: أتوب من ذلك، وقد جاءه يومًا كتاب أبى شعيب من آزمور يقول له فيه: استر عباد الله ولا تفضحهم! فقال: والله لولا أني مأمور بهذا ما فضحت. - أحدًا ولسترت على الخلق انظر التشوف ص214،215
(2)أحد أشياخ المغرب في الدين والفضل، والورع والزهد والمجاهدة، والشفقة والإيثار والدقات، أقام إمامًا بالقرويين أربعين سنة لم يسه فيها يومًا واحدًا في الصلاة؛ لشدة حضوره، وكان كثير قيام الليل لا سيما في رمضان، فقيل له ذت ليلية: لو روحت نفسك قليلًا وأعطيتها حظها من النوم! لكان أوفق لك، فقال: إنما أطلب راحتها . انظر التشوف ص337، والروض العطر:ص297، وشجرة النور(1/165).
(3)هو: أبو محمد صالح بن جنون الهسكوري أحد شراح الرسالة وأحد فقهاء فاس وعلمائها، توفى حوالي 663هـ انظر شجرة النور(1/185) وسلوة الأنفاس(2/42). والروض العطر ص334.
(5)ترجم له التادلي في التشوف ص177 وقال: كان عبدًا صالحًا حافظًا للمسائل، ورعًا متواضعًا مجاب الدعوة. كما ترجم له ابن عيشون في الروض العطر ص204، وقال احب الأنيس ص268، توفى 578هـ.
(1)فقيه مالكي من أهل فاس، له كتاب (الحلال والحرام) و(حاشية على المدونة ) في الفقه، توفى سنة 675هـ، انظر الأعلام للزركلي (3/12) وشجرة النور ص201.
(2)هو: علي بن محمد بن عبد الحق أبو الحسن، المعروف بالصغير، قاضي معمر، من كبار المفتين بالمغرب، ولاه السلطان أبو ربيع القضاء بفاس فحسنت سيرته، له تانيف منها (التقييد على المدونة)، وفتاوي وتقييدات قيدها عنه تلاميذه، عاش أكثر من مائة عام، توفى سنة 719هـ، انظر الديباج ص212، وشجرة النور ص215، والأعلام للزركلي (4/334).
(3)هو: عبد العزيز بن محمد القروي أبو محمد ، توفى سنة 750هـ انظر الروض العطر ص290، سلوة الأنفاس (3/159) وشجرة النور (1/221).
(1)عالم فاس ومفتيها، له تقييد على المدونة، وتقييد على رسالة ابن أبى زيد، توفى بمكناس بالمغرب سنة 776هـ. انظر شجرة النور (1/235).
(2)فقيه مالكي، معمر، من أهل فاس، كان أعلم الناس في عصره بمذهب مالك وكان يحضر مجلسه أكثر من ألف فقيه معظمهم يستظهر ((المدونة)) وله ثلاثة تقاييد على الرسالة، أحدها في سبعة مجلدات ، وكلها مفيدة أنتفع الناس بها من بعده، عاش أكثر من مائة وعشرين سنة، وما قطع التدريس حتى توفى.
وفى سنة 741هـ انظر الأعلام للزركلي (3/316) وسلو الأنفاس (2/124).
(1)كان رحمه الله من أهل الورع والتواضع، له طريق يختص بها في التصوف من الصدق وترك التصنع، قال عنه الشيخ الأكبر سيدي محي الدين ابن العربي: ما أغتاب قط ولا أغتيب بحضرته أحد، انظر التشوف ص165 والروض العطر:ص266، وجاء في جذوة الاقتباس ص 259 أنه توفى بين القرنين السادس والسابع.
(3)انظر ترجمته في: التشوف ص 428، وعنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية لأبى العباس الغبريني ص127.
(4) هو: عبد العزيز بن كحيلة البجائي، أبو محمد، فقيه محدث، من القضاة، توفى سنة 685هـ انظر الصوفيات لابن قنفذ ص333.
(5)هو: إسماعيل بن مكي بن إسماعيل بن عيسى بن عوف الزهري، أبو الطاهر المالكي، صدر الإسلام في عصره، قصده السلطان صلاح الدين وسمع منه ((الموطا)) توفى سنة 581هـ انظر شذرات الذهب (4/267).
(1)هو: أبو الفضل قاسم بن محمد القرشي القرطبي ، الشيخ الفقيه، الصالح الزاهد، الورع المتعبد المستجاب الدعوة، ولد ونشأ بقرطبة، حبب إليه العمل الصالح وبغضت له الدينا، فخرج من بلده دون العشرة أعوام مهاجرا إلى الله مقبلًا على العبادة بعد أن ترك مالًا وعقارًا، وقصد نحو الشيخ أبى أحمد } وكان من أولياء الله المتقين ومن عباده المخلصين له كرامات لا تعد، وتوفى رحمة الله سنة 662هـ وقبرهقريب من قبر الشيخ أبى زكرياء الزواوي رضى الله عته. انظر عنوان الدراية ص 174.
(4) هو: أبو عبد الله محمد بن يعلي الشهير بالتاودي، كان معلمًا لكتاب الله العزيز، وكان رجلًا صالحًا متعبدًا ناسكًا متقللا من الدنيا، توفى سنة580هـ، وسيأتي كلام المصنف عليه إن شاء الله، وانظر ترجمته في التشوف ص272، والروض العطر ص 271، وسلوة الأنفاس(3/110).
(1)توفى سنة 608هـ، وحدث } عن بدء أمره فقال: كنت أصطاد الحيتان، وأجمع عسا النحل، فإذا بعت الحيتان والعسل عاملت الله عز وجل بأثمانها ودفعتها لحملة القرآن والعاكفين على قراءته، إلى أن جاءني الفتح من الله تعالى. انظر التشوف ص304.
(2)وكان يغسل أثواب الصبيان في قصعة كانت عنده في المكتب، ويخيطها إذا أحتاجت إلى ذلك، ولا يأخذ على ذلك أجرًا. انظر التشوف ص272.
(1)من أهل سبته، قدم مراكش، واستشهد في موقعة((العقاب)) مكان بالأندلس، وذلك في منتصف شهر صفر عام 609هـ، انظر التشوف ص415.
(1)هو: أبو زكرياء يحيى بن صالح المطاوي، شيخه أبو عبد الله بن أمغار، خدم الشيخ أبايعزي. انظر التشوف ص362.
(2)من أهل قر كتامة من بلاد المغرب الأقصى، قيل إنه توفى سنة 613هـ، قال عنه التادلي في التشوف ص416: كان عبدًا صالحًا كثير الإجتهاد في العمل، دائم العبرة.
(1)هو: حسن بن علي بن محمد المسيلي، أبو علي؛ نسبه إلى مسيلة من بلاد المغرب، جمع بين العلم والعمل والورع، وبين علم الظاهر والباطن، له المصنفات الحسنة، منها: التذكرة في أول علم الدين، والنبراس في الرد على منكر القياس، والتفكر فيما تشتمل عليه السورة والآيات من المبادئ والغايات، وهو على نسق إحياء علوم الدين للغزالي، توفى سنة 580هـ انظر عنوان الدراية ص33 ونيل الابتهاج ص104، والأعلام للزركلي(2/203).
(3)هو:أبو محمد صالح بن ينصاري بن غفيان الماجري، ذكره التادلي في ترجمة شيخه عبد الرازق الجزولي، انظر التشوف ص327.
(2)المصامدة: مجموعة قبائل عظيمة من البرانس، كان لها التقدم على غيرها قبل الفتح الإسلامي وبعده، وتستقر هذه القبائل بجنوب أم الربيع والأطلس الكبير إلى شواطئ المحيط. انظر كتاب المغرب ص187 تأليف الصديق بن العربي.
(1)العقبة الأولى: عقبة العلم: فالعلم والعبادة جوهران، ولأجلهما أنزلت الكتب وأرسلت الرسل، بل لأجلهما خلقت السموات والأرض وما فيهن من الخلق ، وأعلم بأن العلم أشرف جوهرًا من العبادة، ولكن لابد للعبد من العبادة مع العلم ولابد من تقديم العلم على العبادة؛ لأنه الأصل والدليل فلا تصح العبادة بدونه.
العقبة الثانية:عقبة التوبة: فلابد لطالب العبادة من التوبة ليحصل له توفيق الطاعة، فإن شؤم الذنوب يورث الحرمان ويعقب الخذلان، فإن قيد الذنوب يمنع المشي إلى طاعة الله عز وجل.
العقبة الثالثة: عقبة العوائق: وهى أربعة: الدنيا، والخلق، والشيطان، والنفس، ويحتاج إلى قطعها بأربعة أمور:
1- التجرد عن الدنيا. 2- التفرد عن الخلق.
3- محاربة الشيطان. 4- القهر للنفس وهى أشدها.
إذ لا يمكنه التجرد عنها، ولا أن يقهرها بمرة، لأنها ملازمة له، ومجبولة على ضد الخير، فيحتاج أن يلجمها بلجام التقوى حتى تنقاد له ولا تطغى، فيستعملها في المصالح والمراشد ويمنعها من المهالك والمفاسد.
العقبة الرابعة: عقبة العوراض، وهي أربعة:
1- الرزق 2- الأخطار من كل شئ يخافه أو يرجوه أو يريده أو يكرهه.=
= 3- الشدائد والمصائب 4- أنواع القضاء من الله سبحانه وتعالى – بالحلو والمر.
ويحتاج إلى قطعها بأربعة أشياء:
1- التوكل على الله تعالى في موضع الرزق 2- التفويض إليه عز وجل في موضع الخطر.
3- البر عند نزول الشدائد. 4- الرضا عند نزول القضاء.
العقبة الخامسة: عقبة البواعث: وهو استشعار الخوف والرجاء.
أما الخوف، فيجب التزامه لأمرين:
أحدهما: الزجر عن المعاصي. والثاني: أن لا يعجب بالطاعة.
وأما الرجاء ، فيلزم استشعاره لأمرين أيضًا:
أحدهما: البعث على الطاعات والثاني: ليهون احتمال الشدائد والمشقات
العقبة السادسة: عقبة القوادح: وهى الرياء والعجب، فيجب قطعها بالإخلاص، وذكر المنة، ونحو ذلك ليسلم له ما يعمل من خير.
العقبة السابعة: عقبة الحمد والشكر، فيجب عليه بعد قطع هذه العقبات، والظفر بالمقصود من العبادة السالمة من الآفات أن يتوج هذه العبادة بالحمد والشكر، ويلزم ذلك لأمرين: أحدهما: لدوام النعمة، والثاني:
لحصول الزيادة من النعم، ونعم الله تعالى لا تحصى.
فإذا قطع العبد هذه العقبات في سيره إلى الله تعالى، فلم يسر إلا قليلًا حتى يقطع في رياض الرضوان وبساتين الأنس إلى بساط الانبساط ومرتبة التقريب ومجلس المناجاة ونيل الخلع والكرمات، وحينئذ يمل الخلق ويستقذر الدنيا، ويستكمل الشوق إلى الملأ الأعلى إلى أن تأتيه رسل ربه بالروح والريحان والبشرى والرضوان فينقلونه من هذه الدار الفانية إلى الحضرة الالهية، ومستقر رياض الجنة والنعيم الدائم المقيم محفوفًا بالترحيب والتكريم.
راجع منهاج العابدين للإمام الغزالي حيث أفرده بالتصنيف لبيان هذه العقبات.
(1)هذا ما قاله الإمام الغزالي، وقال أيضًا: حتى أن منهم من يقطعها في لحظة بتوفيق خاص وعناية سابقة من الله سبحانه وتعالى. انظر منهاج العابدين للإمام الغزالي ص243 نشر مكتبة الجندي بالقاهرة.
(2)هو إبراهيم بن أدهم بن منور التميمي البلخي، من أكابر الصوفية وزاهد خراسان المشهور، وكان من ابناء الملوك توفى سنة 161هـ. انظر حلية الأولياء(7/367)، والبداية النهاية(10/135)، والأعلام للزركلي(1/31).
(2)هو أبو بكر بن يحيى بن إبراهيم الحفصي المتوكل على الله، من ملوك الحفصيين في تونس، وكان شجاعًا حازمًا توفى سنة 747هـ. انظر الأعلام للزركلي (2/71).
(1)توفى سنة 764هـ، كما حكاه المصنف في شرف الطالب، والملاري، نسبة إلى ملارة من بلاد الجزائر تقع قرب قسنطينة، انظر موسوعة أعلام المغرب (2/671).
(1)هو الإمام العلامة محمد بن عبد الله بن محمد أبو بكر المشهور بأن العربي المعافري الإشبيلي، أحد أئمة الفقه المالكي وحفاظ الحديث، بلغ رتبة الإجتهاد في علوم الدين، له مصنفات كثيرة في الحديث والفقه والأول والتفسير والأدب والتاريخ، من مصنفاته: عارضة الأحوذي في شرح سنن الترمزي، وأحكام القرآن، انظر الروض العطر ص322، وفيات الأعيان(1/489)، والأعلام للزركلي(6/230).
(2)هو: محمد بن علي بن عطية الحارثي، أبو طالب المكي، الإمام الزاهد الفقيه صاحب ((قوت القلوب)) وعلم القلوب في التصوف، توفى سنة 386هـ انظر وفيان الأعيان (1/491)، والأعلام (6/274)
(3)هو: الجنيد بن محمد بن الجنيد، أبو القاسم ، الإمام سيد الطائفة -قدس الله سره- غمام الدنيا في زمانه فقها وعلمًا وورعًا، توفى سنة 297هـ، ومن كلامه: طرقنا مضبوط بالكتاب والسنة، من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث ولم يتفقه لايقتدي به، انظر ترجمته في حلية الأولياء (10/255)، وفيات الأعيان(1/117)، صفة الصفوة (2/235)، تاريخ بغداد (7/241)، طبقات الشعراني(1/72)، والأعلام للزركلي(2/141).
(4)هو: سري بن المغلس السقطي، أبو الحسن ، من كبار الصوفية، وأول من تكلم في بغداد بلسان التوحيد وأحوال الصوفية، وكان إمام البغداديين وشيخهم في وقت، وهو خال الإمام الجنيد، وأستاذه قال عنه الجنيد: مارأيت أعبد من السري ، أتت عليه ثمان وتسعون سنة مارؤى مضطجعًا إلا في علة الموت، توفى سنة 253هـ ومن كلامه: من عجز عن أدب نفسه كان عن أدب غيره أعجز. انظر ترجمته في حلية الأولياء(10/116)، وفيات الأعيان(1/200)صفة الصفوة (2/209) وطبقات الشعراني (1/63) والأعلام للزركلي(2/82).
(5)هو: معروف بن فيروز الكرخي أبو محفوظ ، أحد أعلام الزهاد والصوفية، كان من موالي الإمام علي الرضا بن موسى الكاظم، ولد ببغداد ونشأ بها، وأشتهر بالصلاح وقصده الناس للتبرك به حتى كان الإمام أحمد في جملة من يختلف إليه ، توفى سنة 200هـ انظر صفة الصفوة (2/179) وتاريخ بغداد(13/199).
(1)هو : داود بن نصير الطائي، أبو سليمان، أحد أئمة الصوفية، أصله من خراسان، ومولده بالكوفة، تتلمذ علي أبى حنيفة، وغيره، توفى سنة 165هـ انظر ترجمته في حلية الأولياء (7/235) وتاريخ بغداد(8/347) والأعلام للزركلي (2/235).
(2)حبيب العجمي، هو: حبيب بن محمد ، أبو محمد، الثقة العابد واعظ البصرة، روى عن الحسن البصري، وابن سيرين، وبكر بن عبد الله، وغيرهم، وروى عنه جعفر بن سليمان، وحماد بن سلمة، وصالح المري، وغيرهم. روى له البخاري في الأدب المفرد قال ضمرة بن ربيعة: حدثنا السري بن يحيى، قال: كان حبيب أبو محمد يرى بالبصرة يوم التروية، ويرى بعرفة عشية عرفة. وكان مستجاب الدعوة وله كرامات ذكر بعضها ابن حجر في تهذيب التهذيب . انظر تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر(1104)، والخلاصة في الأسماء الرجال للخزرجي ص71.
(3)هو: الحسن بن يسار، أبو سعيد، التابعي إمام أهل البصرة، وحبر الأمة في زمنه، وأحد العلماء الفقهاء الفصحاء الشجعان النساك، ولد بالمدينة، وشب في كنف علي بن أبى طالب كرمه الله وجهه، قال الإمام الغزالي: كان الحسن البصري أشبه الناس كلامًا بكلام الأنبياء، وأقربهم هديًا من الصحابة، وكان غاية في الفصاحة، توفى سنة 110هـ، انظر حلية الأولياء(2/131)، والأعلام للزركلي (2/226).