فصل : [من أصحاب الشيخ أبى مدين رحمه الله أيضًا]
[الشيخ أبو محمد عبد الله الصنهاجي]
ومن أصحاب الشيخ أبى مدين رحمه الله : الشيخ الصالح أبو محمد عبد الله بن ماكسن([1]) الصنهاجي، وهو الذي حدث عنه الحكاية الغريبة قال:
كان الشيخ أبو مدين رحمه الله في مجلس إقرائه، فجاء رجل ليعترض عليه، فأراد القارئ أن يقرأ فمنعه الشيخ أبو مدين من القراءة وقال له: اسكت! ثم ألتفت إلى الرجل وقال له : لم أتيت؟ قال: أتيت لأقتبس من أنوارك. فقال له الشيخ: ما في كمك؟ فقال له الرجل: مصحفًا، فقال أبو مدين: أخرجه وافتحه وأقرأ أول سطر منه، فأخرجه الرجل وفتحه وقرأ أول سطر منه فإذا فيه: ﴿ الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الخَاسِرِينَ﴾([2]) [الأعراف:92] فقال أبو مدين: أما يكفيك هذا؟ !
يا من توقف جهلًا في كرامتهم |
* | حقق ودق فإن القوم قد صدقوا |
لا يستوى مُتأن في بطالته |
* | وحازم نحو باب القرب منطلق |
[الشيخة فاطمة الأندلسية]
ومن أصحاب الشيخ أبى مدين } الحرة الصالحة فاطمة الأندلسية([3]).
قال أبو عبد الله محمد بن أحمد الزناتي: بتُ عند أبى عبد الله ابن جميل القصري المعلم وبات معنا الشيخ الصالح أبو عبد الله التاودي، وأبو زكرياء السائح. فذكرنا بعد صلاتنا في الليل طيب حُوتِ القصر ، فغاب عنا أبو عبد الله المعلم ساعة، ثم قدم علينا ومعه حوت، وكان بيننا وبين البركة ثمانية عشر ميلًا. فتعجبنا من ذلك.
فلما صلينا الصبح ذهبنا إلى زيارة فاطمة الأندلسية؛ فوجدناها في صلاة الضحى؛ فلما سلمت من الصلاة قالت: لاتنكروا براهين الصالحين فإنها حق، وسأحدثكم بما رأيت: ذهبت أنا والفقيه ابن صالح من القصر إلى مدينة فاس برسم زيارة الشيخ أبى مدين رحمه الله فبتنا معه في سماع كان عنده، فلما طلع الفجر دخل علينا رجل عليه عباءة ففرح به الشيخ أبو مدين رحمه الله وقال للحاضرين: هذا أخ من إخواتي في الله تعالى، لى البارحة العشاء بمكة وسرى ليلته فطلع عليه الفجر عندنا بمدينة فاس، قالت: فصلى معنا الصبح وذبح له الشيخ أبو مدين كبشًا لضيافته.
يبوح بسر الحق صائب منطقي |
* | وكل إناءٍ بالذي فيه يرشح |
وليس جنابُ القدس إلا لأهله |
* | وما كل إنسان بواديه يسرح([4]) |
[الشيخ أبو محمد عبد الله الصنهاجي الزرهوني]
ومن أصحاب الشيخ أبى مدين } الشيخ أبو محمد عبد الله الصنهاجي عُرف بالزرهوني([5]). كان من أهل الفضل والعلم واصلاح، وشكى إليه بعض([6]) أصحابنا أنه أشغله ذكر الموت عند إرادة النوم عن الراحة التي يستعين بها على العبادة فقال له:
كفي الأنسان ذكر الموت عند النوم.
تنام ولم تنم عنك المنايا |
* | تنبه للمنية يا نؤوم |
سل الأيام عن الأممٍ تقضت |
* | ستخبرك المعالم والرسوم |
تروم الخلد في دار الرزايا |
* | وكم قد رام غيرك ا تروم |
لأمر ما تصرمت الليالي |
* | لأمر ما تقلبت النجوم |
[ الشيخ أبو عبد الله حمادو الصنهاجي]
ومن أصحاب الشيخ أبى مدين رحمه الله الفقيه العالم الصالح أبو عبد الله بن حمادو الصنهاجي([7]) من قلعة بني حماد.
ذكر في فهرسته أنه لقى الشيخ أبا مدين رحمه الله وقرأ عليه كتاب (المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى) من فاتحته إلى خاتمته، تفقه بداره ببجاية سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، قال وقيدت كلامه عليه أول يومٍ من غير أن أعلم أحدًا، فلما كان في اليوم الثاني قال لنا الشيخ: لا أريد أن تقيد عني شيئًا مما أقوله في هذا الكتاب وكشفنا بذلك.
وابن حمادو هذا يتصل بسندى لكلام الشيخ أبى مدين رحمه الله وروايته له.
فإني رويته عن شيخنا الفقيه الخطيب القاضي العدل الحاج المرحوم أبى علي حسين بن خلف الله بن باديس من بيتات بلدنا وممن روينا عنه الحديث وغيره. وكانت وفاته رحمه الله وهو قائم على خطة القضاء بقسنطينة، عام أربعة وثمانين وسبعمائه. وولد في غالب ظني عام سبعة وسبعمائة، عن الشيخ الفقيه
الخطيب أبى محمد عبد الله ابن برطله([8]).
ولقى ابن عات([9]) وأبا موسى الجزولي([10]) النحوي وغيرهما وله سلف في العلم.
وكانت وفاته بتونس سنة أحدى وستين وستمائه. ولقيه القاضي أبو إسحاق بن عبد الرفيع([11]) وأخذ عنه بعد وروده من الحج سنة ثمان وعشرين وستمائة، عن أبى مدين }.
ولى مذهب في لفظه وطريقه |
* | مسالكها في الحب لاتشبه الطرقا |
[ الشيــــــخ بــــــــــــــلال]
ومن أصحاب الشيخ أبى مدين رحمه الله : الشيخ الصالح بلال، وكان مختصًا بخدمته سالكًا على طريقته، وسكن بعده عباد تلمسان.
[سند خرقة الصوفية]
وبه يتصل سندي في لبس الخرقة فإني رويتها حين أُلبستها: ألبسني إياها بيده المباركة الشيخ الصالح أبو موسى القروي، ألبسني بيده الخطيب المحدث أبو عبد الله محمد ابن الشيخ الصالح المرحوم أبى العباس أحمد بن مرزوق التلمساني([12])، وقد أدركته وسمعت عليه بعض البخاري، إلا أني لم آخذ عليه لبس الخرقة، قال: ألبسني والدي بمكة. قال، ألبسني بلال خديم الشيخ أبى مدين، قال: ألبسني أبو مدين قال: ألبسني أبو الحسن بن حرزهم، قال: ألبسني القاضي أبو بكر بن العربي. قال: ألبسني أبو حامد الغزالي، قال: ألبسني إمام الحرمين أبو المعالي، قال: ألبسني أبو طالب المكي. قال: ألبسني الجنيد، قال: ألبسني سري السقطي. قال: ألبسني معروف الكرخي، قال: ألبسني داود الطائي. قال: ألبسني حبيب العجمي. قال: ألبسني الحسن البصري. قال: ألبسني علي بن أبى طالب. قال: ألبسني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا.
حضرت لجدي للأم يوسف بن يعقوب يذكر هذا السند حين يكسى الخرقة لمن يرغب ذلك منه، إلا أن بينه وبين أبى مدين رجلين: والده (وابن عوف([13])) كما ذكرناه قبل ذلك.
ولقى جدي هذا أبا العباس بن مرزوق تلميذ بلال وعاشره في داره بتلمسان مدة، وكان عند أبى العباس بن مرزوق عكاز الشيخ أبى مدين وأتحف جدي منه بجزء، ورأى له بركة عظيمة ويغلب على ظني أنه كانت عند أبى العباس بن مرزوق المرقعة التي نزعت عن الشيخ بعد وفاته والله أعلم.
للصالحين مناقب مأثورة |
* | يجلو مآثرها الطريق الأوفق |
شاعت بألسنة الثقات وكلهم |
* | متحقق فيما رواه محقق |
[الشيخ أبو عبد الله البوني]
ومن أصحاب الشيخ أبى مدين رحمه الله : الشيخ الصالح أبو عبد الله البوني.
وكان من الأخيار. خرج مرة من بلد (العناب) إلى زيارة الشيخ أبى مدين ببجاية، فقال له الشيخ الصالح الولي الشهير المنقطع إلى الله تعالى سيد أهل عصره وقادة أهل مصره، إمام الزاهدين وقدوة المريدين وحامل لواء العارفين، أبو مروان الفحصبلي اليحصبي رحمه الله ونفع به. سلم على الشيخ أبى مدين، وقال له: أدع لي فقال: فلما وصلت إليه وجدته بثياب حسنة رفيعة برائحة المسك والطيب وهو على حالة تشبه حالة الملوك، فسلمت عليه وجلست بين يديه ثم قلت له: ياسيدي أبو مروان الفحصبلي وقال لك: ادع لي فقال: نزع الله من قلبه حب الدنيا قال: فتعجبت من هذه الدعوة وقلت: سبحان الله! تركت الشيخ أبا مرون في غاية من الزهد والتقشف والإقلال ونبذ الدنيا جملة وهذا الشيخ فيما رأيت من التمتع ويدعو له بهذه الدعوة!! فلما قضيت زيارتي ودعته ورجعت إلى بونة، فقصدت الشيخ، فوجدته بمرقعة وبيده قصبة صيد الحوت، فسلمت عليه فقال لي: رأيت الشيخ أبا مدين؟ فقلت له: نعم، وأخبرته بما وقع، فأخذ القصبة وكسرها ورمى بالسنارة وقال: قال الشيخ الحق.
قلت: ولا يعرف الفضل لأهل الفضل . نفعنا الله بهم وأعاد علينا بركاتهم.
ياشيخ هل لك من مهل على رجلٍ |
* | حملته منك ما يوهى قوى الجبل |
نفس فإنك قد أوشكت تقتله |
* | وأبق في العود ما فيه من البلل |
[الشيخ أبوعبد الله محمد بن إبرهيم]
ومن أصحاب الشيخ أبى مدين رحمه الله : أبو عبد الله محمد بن إبراهيم([14]).
وهو الذي حدث عنه قال: سمعت الشيخ أبا مدين يقول: جاءني رجل من الصالحين فقال: رأيت البارحة في النوم جماعة منهم أبو يزيد البسطامي([15]) -قلت: واسم أبى يزيد طيفور- مع غيره من المشايخ وهم على منابرٍ من نور، وأبو طالب المكي على منبرٍ عالٍ، وأبو حامد يقابله على منبر، وأبو طالب يسأل أولئك المتصوفة فيجيبه كل واحد منهم على مبلغ علمه.
فقال أبو طالب لأبى حامد: أين غابت هذه العلوم التي يصرفها أبو مدين في دار الدنيا؟ فقال له أبو حامد: هو ذاك عن يمينك فاسأله.
فقال له أبو طالب: يا أبا مدين أخبرني عن سر حياتك؟
فقال: بسر حياته ظهرت حياتي، وبنور صفاته استنارت صفاتي، وبديمومته دامت مملكتي، وفي توحيده أفنيت همتي. فبسر التوحيد في قوله: لا إله إلا أنا. والوجود بأسره حرف جاء لمعنى.
فبالمعاني ظهرت الحروف، وباتصافه اتصف كل موصوف، وبأسمه ائتلف كل مألوف، منوعاته له محكمة ومخلوقاته له مسلمة، لأنه خالقها ومُظهرها، ومنه مبدؤها وإليه مرجعها. فهو لوجودك محرك وهو الناطق وهو الممسك. إن نظرت بالحقيقة تلاشت الخليقة، فالوجود به قائم، وأمره في مملكته دائم، وحكمه في خلقه عام كحكم الأرواح في الأجسام، والحواس به بانت على إختلاف([16])، منه اللسان للبيان وهو مع ذلك لا يشغله شأن عن شأن.
فقال له أبو طالب: من أين لك هذا العلم يا أبا مدين؟
فقال: لما أمدني بسره غرف وادي من بحره فامتلأ وجودي نورًا وأمدنى([17]) غيبة وحضورًا، وسقاني شرابًا طهورًا، وأذهب عني ضلالًا وزورًا، فغشيت أنواره أخلاقي فنظرت الباقي بالباقي.
قلت: إذا تأملت كلامه هذا مع كلامه في اليقظة وجدت النفس والمنبع واحدًا لاشك في ذلك، نفع الله به وأعاد علينا من بركاته بمنه وفضله.
وقد عنك غبنا ذلك العام إننا |
* | نزلنا على بحرٍ وسائله معنا |
وشمس على المعنى مطالع أفقها |
* | فمغربها فينا ومشرقها منا |
ومست يدانا جواهرًا منه ركبت |
* | نفوس لنا (قدمًا) صفت فتجوهرنا |
فما السر والمعنى وما الشمس قل لنا |
* | وما جوهر البحر الذي عنه عبرنا |
حللنا وجودًا واسمه عندنا الفضا |
* | يضيق بنا وسعًا ونحن فما ضقنا |
تركنا البحار الزاخرات وراءنا |
* | فمن أين يدرى الناس أين توجهنا |
[الشيخ أبو محمد عبد العزيز بن أبى بكر]
ومن أصحاب الشيخ أبى مدين رحمه الله : الشيخ الإمام العارف بحر الأنوار معدن الأسرار أبو محمد عبد العزيز([18]) بن أبى بكر }.
دخل خلوته بقر (المنستير) وواصل أربعين يومًا. فقال إمام جامع المهدية: إن مات عبد العزيز فلا يصلى عليه لأنه قتل نفسه يعني بالجوع.
فبلغ ذلك عبد العزيز فقال: هو يموت وعبد العزيز يصلى عليه فكان كما قال: وسيق له بعد هذه المدة حسو فما استطاع أن يسيغه وقيل له: كيف أنت؟ فقال: حييت حياة لا أموت بعدها أبدًا.
أرتحل إلى بجاية برسم لقاء الشيخ أبى مدين رحمه الله ليكمل تربيته في ستة من الأخيار وهم: الشيخ أبو علي النفطي([19]) والدهماني([20]) وطاهر المزوغي وابن هداس، ومحفوظ بن جعفر، وسالم التباسي. فلما ولوا جعلوا طاهرًا المزوغي([21]) يحبس حميرهم وكان أصغرهم سِنًا، فقال أحدهم لخادم الشيخ أبى مدين: أين الشيخ أبو مدين؟ فقال: الشيخ من داخل المنزل يرفع صوته مع الذي حبس البهائم.
ويُحكى أنه سيق للشيخ أبى مدين رحمه الله كاملة([22]) من الطعام الطيب، وهؤلاء القوم عنده مع غيرهم؛ فلم يلتفت الحاضرون لذلك الطعام وأعرضوا عنه وزهدوا فيه، فقام الشيخ أبو محمد عبد العزيز ورفع الغطاء وذاقه ثم رده وبعد عنه، فقال الشيخ أبو مدين رحمه الله: عبد العزيز أزهدكم لأنه عرف ما زهد فيه.
وكان يقول: عبد العزيز سبع النفوس، والنفطي ذكير النفوس، وسالم جبل راسٍ وكان عبد العزيز هذا تلميذ مبارك وخادم اسمه عبد الله، وكان هو خادم الزنبيل أي يطلب لهم القوت، وكان عبد العزيز إذا فهم الجوع عن أصحابه يقول لهم: الآن يجئ أبوكم عبد الله ولذلك يقال له: أبونا عبد الله، وكان عبد العزيز أميًا وله الكتابة الحسنة والشعر الفائق، وكانت بينه وبين الشيخ أبى مدين رحمه الله مكاتبات ومرسلات. كتب إليه عبد العزيز كتابًا بأبيات منها:
شعيب ولي الله سر عباده |
* | أبو مدين مغني الآنام بفخره |
فيا جنة المأوى ويا علم الهدى |
* | ويا ناشرًا علم الإله بأمره |
حضرت ولم تحضر وغبت ولم تغب |
* | وما كنت في كل بجانب طوره |
فنورك نور الله يهدي له وهل |
* | إلى أحدٍ في الناس إطفاء نوره |
وكتب إليه الشيخ أبو مدين رحمه الله كتابًا عن جواب كتاب عبد العزيز إليه، من قوله:
أما بعد: فإنه من أتقى الله سبحانه وقاه، ومن توكل عليه حق التوكل كفاه، ومن استعاذ به نجاه، ومن شكر والاه، ومن أقرضه جازاه واجعل التقوى عماد قلبك وجلاء برك؛ فإنه لا عمل لمن لانية له ولا أجر لمن لا خشية له.
ومن قوله:
ضاق صدري حين أتت المراكب ولم نر لك فيها كتابًا، فرأيتك في النوم وأنت تقول لي: إن كنت تريد بسلامك على الدنيا، فلا تسلم على ولا نسلم عليك، وأن كنت تريد الآخرة فسلامك يبلغني وإن كنت لم تكاتبني، وسلامي يبلغك وإن لم أكاتبك، فزال عن قلبي ما كنت أجده من القبض، فالله سبحانه لايقطعك عني يقظة ولا نومًا. والسلام.
حديثكم أنس نفسي لست أتركه |
* | فإن قلبي بكم في أعظم الشغل |
لولا هداكم لكان الناس في عمهٍ |
* | لا يهتدون إلى علمٍ ولا عمل |
لكم سجايا وأخلاق مطهرة |
حُمدان في ملة الإسلام والملل |
|
ماذا أقول وما أبقوة من سيرٍ |
حسناء تغني عن التفضيل والجمل |
|
لاتنكروا أن يفوق الناس بعضهم |
ألزيارة والمسك الشهادة ل([23]) |
|
والمرء في قبضة المقدار مقوده |
يجري على ما جرى في اللوح والأزل |
[ الشيخ أبو محمد عبد الخالق التونسي]
ومن أصحاب الشيخ أبى مدين رحمه الله: أبو محمد عبد الخالق التونسي([24]).
وهو الذي حدث عنه قال: أخبرني الشيخ أبو مدين أنه سمع برجل يسمى موسى، وأنه يطير في الهواء ويمشي على الماء. قال: وكان رجل يأتيني عند انصداع الفجر فيسألني عن مسائل قال أبو مدين : فوقع في نفسي ليلة أنه أبو موسى الذي سمعت به، وطال علي الليل في أنتظاره، فلما طلع الفجر سمعت نقر الباب، فخرجت فإذا هو الرجل الذي يسألني ، فقلت له: أنت موسى؟ فقال لي: نعم. ثم سألني فأجبته وأنصرف، فجاءني يومًا آخر ومعه رجل فقال لي : صليت أنا وصحابى هذا الصبح في بغذاد، وقدمنا مكة فوجدناهم في صلاة الصبح، فأعدنا معهم وجلسنا حتى صلينا الظهر وأتنينا بيت المقدس فوجدناهم في الظهر، فقال صاحبي هذا: نعيد معهم. فقلت: لا. فقال لي: وترانا أعدنا الصبح بمكة!؟ فقلت له: هكذا كان شيخي يفعل وبه وأمرني، فاختلفنا وجئنا للسؤال عن هذا.
قال أبو مدين: فقلت لهما: أما إعادتكم بمكة فالصلاة بمكة عين اليقين، وبغداد علم اليقين ، وعين اليقين أولى من علم اليقين ، وأما الأخرى بمكة أم القرى وما صلى بالأمهات فلا يعاد في البنات، فقعنا بالجواب وأنصرفا.
وذكر بعهم أن موسى هذا هو موسى أبو عمران الهروى، وخبره عند الأولياء مشهور في الطيران وغيره.
ومنفردٍ بالله هام بحبه |
* | فصليس له أُونس بشئٍ سوى الرب |
ومن كان في دعوى المحبة صادقا |
* | تجلت له الأنوار من غير ما حجب |
[الشيخ أبو الزهر ربيع الأنصاري]
ومن أصحاب الشيخ أبى مدين رحمه الله : الشيخ الصالح أبو الزهر ربيع والد الفقيه أبى محمد عبد الحق بن ربيع الأنصاري االبجائي. وذكر الفقية المحدث أبوعبد الله محمد بن رشيد السبتي عبد الحق هذا في رحلته، أثنى عليه وقال: كانت وفاته [عام خمسة وسبعين وسبعمائة] ([25]).
وكان أبو الزهر كاتبًا للعمال ببجاية واستفاد منهم مالًا، فرأى ليلةً في النوم أن القيامة قد قامت، وأنه سيق به إلى النار، فسأل عن سبب ذلك. فقيل: بسبب ما اكتسبه من المال، فلما انتبه تصدق بماله كله وتاب إلى الله تعالى، ولازم العبادة وأشتغل بالقراءة واحترف بالخياطة. ثم سار يومًا إلى والدته وأخبرها بضيق حاله. فقالت له (أعرف لأبيك دارًا اغتصبت له وهذا رسمها فاطلبها)، فأهذ رسمها واستفتى الفقهاء في الطلب وأذنوا له. فقال: فقلت في نفسي: قد استفتيت فقهاء الدنيا ولابد أن أستفتي فقهاء الآخرة قال: فسرت إلى الشيخ أبى مدين رحمه الله فوجدته في مسجد أبى زكرياء الزواوي بحومة (اللولة) من بجاية وسألته رحمه الله فقال: استفت ربك فسكت، ثم قمنا للصلاة وكانت صلاة الصبح فلما كنت في الركعة الثانية عرض على شبه سِنة خفيفة، ثم سمعت من يقول: اطلب حقًا واجبًا! اطلب حقًا واجبًا! فأتممت الصلاة مع الإمام وجلست بمجلس الشيخ أبى مدين لاستماع الذكر، فلما أنصرف الناس أقبل علي الشيخ أبو مدين بوجهة وقال لي: أفتاك ربك؟ فقلت له أفتاني ياسيدي
وهذه من كرامة الشيخ أبى مدين رحمه الله ونفع به- وهى أكثر من أن يحصرها مجلدات، وأعظم بركاته ظهور ألف شيخ على يده وولذلك يقال له شيخ المشايخ رحمه الله.
من ليس يسعى في الخلاص لنفسه |
* | كانت سعايته عليها لا لها |
إن الذنوب بتوبةٍ تمحى كما |
* | يمحو سجود السهو غفلة من سها |
(3) من أهل قصر كتامة بالمغرب، ترجم لها صاحب التشوف وقال: كانت من الصالحات، ولم يذكر لها تاريخ الوفاة، وساق قصتها هذه. انظر التشوف ص331.
(1)كذا بالمخطوطة والمطبوعة، وفي التشوف ص336 بين السطر الأول والثاني:
وأكتم سر السر كتم ضنانةٍ ولولا قُصور كنت أُصرحُ.
(2)كان من العلماء بطريق التصوف ، حافظًا لأخبار الصالحين، أدرك ابن حرزهم وابا شعيب وأبا يعزي، وغيرهم من صلحاء المغرب. توفى سنة 612هـ بمراكش. انظر التشوف ص424، والإعلام (8/211).
(1)هو الفقيه الراوية القاضي محمد بن علي بن حمادو بتخفيف الميم هكذا ذكره المصنف في وفياته عام 628هـ، له تصانيف منها: الإعلام بفؤاد الأحكام لعبد الحق، والنبذ المحتاجة في أخبار الصنهاجة وشرح مقصورة ابن دريد وبرنامج ذكر فيه سيوخه.
انظر عنوان الدراية ص218، الوفيات لابن قنفذ ص311، والأعلام للزركلي (6/280).
(1)هو: عبد الله بن عبد الرحمن الأزدي المعروف بابن برطلة، من أهل مرسية، سكن ببجاية وولى بها صلاة الفريضة بالجامع الأعظم، وتولى قضاء مدينة الجزائر، وغيرها. وكان من المحدثين الثقات الأثبات، وله براعة في الأدب ، توفى سنة 661هـ. انظر عنوان الدراية ص322.
(2)هو: أحمد بن هارون بن أحمد بن عات النقري الشاطبي أبو عمر، عالم بالحديث، عارف بالتاريخ، أندلسي من أهل شاطبة، شهد وقعة العقاب التي أفضت إلى خراب الأندلس، وفقد فيها سنة 609هـ فلم يوجد حيًا ولا ميتًا. له تصانيف - قال ابن الأبار: دالة على سعه حفظه- منها: النزهة في التعريف بشيوخ الوجهة، وريحانة النفس وراحة الأنفس في ذكر شيوخ الأندلس. انظر شذرات الذهب(5/36)، والإعلام (1/265).
(3)هو: عيسى بن عبد العزيز بن يللبخت الجزولي المراكشي أبو موسى، من علماء العربية، قال ابن خلكان: كان إمامًا في النحو كثير الإطلاع على دقائقه وغريبة وشاذه، توفى سنة 607هـ، وقد ذكره ابن قنفذ في وفيات سنة 616هـ؟ من مصنافته: الجزولية في النحو، والأمالي في النحو، وشرح قصيدة بانت سعاد. وقال ابن خلكان: الجزولي بضم الجيم والزين نسبة إلى جزولة، ويقال(كزولة) بالكاف بطن من البربر . انظر: وفيات الأعيان (3/157)، والوفيات لابن قنفذ 307، والأعلام للزركلي (5/104).
(4)هو: الفقيه القاضي إبراهيم بن حسن بن عبد الرفيع الربعي التونسي، صاحب مُعين الحكام، توفى سنة 723هـ وسنهُ يقرب مائة سنة. انظر الوفيات لابن قنفذ ص345.
(1)من اكابر فقهاء المالكية، وكان آية في فنون الدين والعلم والأدب والسياسة، من أعيان تلمسان، أثنى عليه ابن خلدون، وأسهب المقرى في ترجمته، وأعده السلاوي من أعيان الوزراء بفاس في أيام السلطان أبى الحسن المريني، وتوفى بالقاهرة سنة 780هـ، ودفن بين أبى القاسم وأشهب، له مصنفات كثيرة منها: شرح عمدة الأحكام في الحديث، وشرح الشفا، وشرح الأحكام الصغرى، انظر الوفيات لابن قنفذ ص373، ونفح الطيب (3/203)، والأعلام للزركلي (5/328).
(2)كذا، والصواب: ابن عريف، وهو مسعود بن العريف، من كبار الزهاد الصالحين ومن أصحاب الشيخ أبى مدين } وقد تقدم ذكره.
(2)هو: طيفور بن عيسى البسطامي، أبو يزيد ، الزاهد المشهور، من كبار الصوفية توفى سنة 261هـ. انظر وفيات الأعيان(1/240)، والأعلام (3/235).
(2) ذكره الشيخ محمد مخلوف في شجرة النور(1/169) عند ترجمة الشيخ أبى يوسف يعقوب الدهماني فقال: وفي رجب من هاته السنة - رأى سنة 621هـ- توفى صاحبه ورفيقه في الأخذ عن الشيخ أبى مدين، الشيخ الصالح المشهور علمًا وعملًا أبو محمد عبد العزيز المهدوى، وفي كشف الظنون(1/882) الرسالة القدسية للشيخ الإمام محي الدين بن العربي الخاتمي الطائي: أولها من العبد الضعيف إلى وليه أخيه ركن الدين الوثيق أبى محمد بن عبد العزيز بن بكر المهدوى نزيل توتس، فذكر النصائح العجيبة والوصايا الغريبة.. إلى أخر الكتاب، وقال في آخره كتب إليكم هذه الرسالة من مكة المكرمة في ريبع سنة 600هـ.
(1)هو أبو علي الحسن بن المصري النفطي، من أهل نفطة من بلاد إفريقية، من أهل المعرفة والإقبال على الله، كان كبير الشأن جليل القدر. توفى سنة 610هـ انظر التشوف ص443، وشجرة النور(1/169).
(2)هو: أبو يوسف يعقوب بن ثابت الدهماني القيرواني ، العلم الرباني، كان من أكابر أعلام طريقة الإرادة وأئمة مشايخها، توفى سنة 621هـ انظر شجرة النور (1/168،169).
(3)تحرفت في المطبوعة والمخطوطة إلى (الخدوعي)، والصواب: (المزوغي) من عرب مزوغة بأفريقية، العالم العامل والولي الكامل الشيخ الطاهر المزوغي السافي، أخذ عن الشيخ أبى مدين وحصل النفع به، وله عقب صلحاء حُلماء، توفى سنة 646هـ. انظر شجرة النور (1/170).
(1)كذا، ولعل الصواب ما أثبته المصنف في الوفيات ص333، وأبو العباس الغبريني في عنوان الدراية ص57 أن وفاته سنة 675هـ.