مقدمة المحقق
الحمد الله وكفى، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المصطفي، وعلى آله أهل الود والوفاء، ورضى الله عن أصحابه ومن اقتفى.
وبعد:
فإن أخبار العلماء العاملين، وأولياء الله تعالى المتقين من خير الوسائل التي تغرس في النفوس الفضائل، فتسمو إلى أعلى الدرجات وأشرف المقامات.
وقد أتفق العلماء على أن القصص والأخبار والنماذج من السير والحياة أكبر مؤثر في النفس، وأقوى عامل من عوامل التربية، وقد جاء ذلك في القرآن الكريم صريحًا، وذلك في قوله تعالى:﴿فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الأعراف:176]
وكثيرًا ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقص على أصحابه من أنباء الأمم الماضية ما يحتوى على الحكم والعظات والعبر، تثبيتًا لقلوبهم، وتقوية لعزائمهم وترويحًا لنفوسهم، كما جاء ذلك في حديث الغار الذي أغلق على ثلاثة نفر فتقرب كل منهم بأرجى عمل عمله لله تعالى حتى أنفرج عنهم، وكذا حكاية الرجل الذي قتل تسعًا وتسعين نفسًا، وقصة جريح العابد، وغيرها كثير في صحاح كتب السنة المطهرة.
ومن هنا قال الأمام الجنيد -رحمه الله:
الحكايات جند من جنود الله -تعالى- ليثبت الله عز وجل بها قلوب أوليائه فقيل له من أين لك هذا يأستاذ؟
قال: قوله تعالى ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ﴾ ([1]) [هود:120]
وقال الإمام أبو حنيفة: الحكايات عن العلماء ومحاسنهم أحب إلي من كثير من الفقه، لأنها آداب القوم.
وشاهده من كتاب ([2]) الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الأَلْبَابِ﴾[يوسف:111]
وقال سفيان بن عيينه: عند ذكر الصالحين تهبط الرحمة ([3])
ونقل الحافظ السخاوى المتوفي سنة (902هـ) عن مقدمة تاريخ مالقة لأبى بكر محمد بن محمد بن على بن خميس: إن أحسن ما يجب أن يعتني به، ويلم بجانبه بعد الكتاب والسنة، معرفة الأخبار، وتقييد المناقب والآثار ففيها تذكرة بتقلب الدهر بابنائه، وإعلام بما طرأ في سالف الأزمان من عجائبه وأنبائه، وتنبيه على أهل العلم الذين يجب أن يتبع آثارهم، وتدون مناقبهم وأخبارهم ليكونوا كأنهم ماثلون بين عينيك مع الرجال، ومترفون ومخاطبون لك في كل حال. ([4])
وكتاب أنس الفقير للإمام أحمد بن الخطيب القسنطينى الذي بين أيدينا يقدم نموذجًا صالحًا لأحد عظماء هذه الأمة -التي هي خير أمة أخرجت للناس- حيث خصه المصنف بترجمته شيخ الشيوخ وقدوة السالكين القطب الغوث النوراني أبى مدين الأندلسى التلمساني المتوفي سنة 594هـ }.
كان أحد العلماء العاملين، وحفاظ الحديث خصوصًا جامع الترمزي، له شعر جميل رائق عذب يحتوي على حكم وآداب القوم { وله القصيدة المشهورة التي مطلعها:
ما لذة العيش إلا حبة الفُقرا
|
* | هم السلاطين والسادات والأمرا |
ولما كان هذا الكتاب من الأهمية بمكان وعز وجوده في هذا الزمان رأيت إخراجه ونشره لعموم نفعه، فاعتمدت على مخطوطة دار الكتب المصرية رقم (303) مجاميع -ميكروفيلم رقم (439) والنسخة المطبوعة بالرباط سنة 1965 نشر جامعة الملك محمد الخامس.
عملى في هذا الكتاب:
1-ترجمة الإمام المنصف.
2-التعريف بالإمام الشيخ أبى مدين.
3-مقابلة النسخة المخطوطة بالمطبوعة حتى يستقيم النص.
4-ضبط ما أُشكل من الألفاظ وشرح غريبه.
5-وضع العناوين الجانبية مما يسهل على قراءة الكتاب.
6-عزو الآيات الكريمة إلى مواضيعها من المصحف الشريف.
7-تخريج الأحاديث النبوية من مصادرها الأصلية من كتب السنة المطهرة.
8-ترجمة الأعلام الواردة بالكتاب خصوصًا غير المشهور منهم.
9-التعليق عليه بما يلزم حسب ما يقتضيه المقام.
10-عمل الفهارس الفنية التي تفيد قارئ الكتاب وتسهل عليه البحث.
هذا والله أسأل أن يلهمنى الرشد والصواب، وأن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم.
ولا يسعنى في هذا المقام إلا أن أتوجه بخالص الشكر وعظيم التقدير والعرفان لسماحة شيخنا الكامل والمربي الفاضل العلامة الأولي والفقيه المجتهد الأستاذ الدكتور على جمعة محمد -حفظه الله تعالى ونفعنا به وبعلومه في الدارين- الذي كان له الفضل والمنة بعد المولى جل وعلا في إخراج هذا الكتاب.
وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وسلم.
المنصورة في السابع من شهر رمضان المعظم 1422هـ الموفق 22/11/2001
أبو سهل
نجاح عوض صيام