الباب الأول أسئلة جريدة التعاون
تقديم لابد منه
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم:
أرجو أن يكون في ذكرنا، أن هذه الإجابات إنما هي إشارات إجمالية إلىٰ أصول الأدلة، وأننا نعلم –مقدما- أن أحد الفريقين لن يدع مذهبه كأثر لهذه المناقشة، فلقد طالما تكررت هذه الملاحم من قبل واتخذت صورًا شتى من العنف والمهاترة والانتصار للمذهب على علاته وقلما كان للإنصاف العلمي نصيب في هذه الملاحم، بل قلَّما كان للإنصاف الخُلُقي، وضبط النفس والاحتياط وعفة الكلمة وأدب المناظرة والخوف من الله أيضًا أي نصيب.
ولا أحسبنا نضيف جديدًا، ما لم نعتصم بمعالي الأمور وندع سفاسفها، ونستنزه عن دعوى احتكار الصواب، وافتراض الخطأ وجوبًا في كل قضية تخالف مذهب المتحدث أو الكاتب، وبخاصة في هذه الفروع التي هي -بالطبع والشرع-محل اجتهاد، تستوجب ماهيته الخلاف، كاقتضاء ذاتي لهذه الماهية، مستقطبًا أسبابه العلمية، والشخصية والبيئية والاجتماعية العامة من كل باحث.
ثم ياليتنا نتعلم أدب المناظرة الشريفة، من قوله تعالى:﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [سبأ:24]، ثم قوله: ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ﴾ [الكهف:19]، وقوله: ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل:125].
وكلُّ ما نرجوه من إجابتنا هذه، هو محاولة تصحيح بعض المفاهيم، وتوضيح بعض الدلالات، حتى يتبين عذر الاعتصام بالمذهب، فيكون من وراء ذلك: جوٌّ صحي، صالح للتقريب بين الآراء والتعاون على البر والتقوى، ومحاولة جمع صفوف الأمة على المتفق عليه: فعلًا أو تركًا، والنصح المهذب فيما وراء ذلك ابتغاء رضوان الله؛ فإن القول بجمع الأمة على قول واحد في الفروع -فوق أنه مخالف للطبع والشرع- هو مما لا يمكن تحقيقه، لا باللسان ولا بالسنان، فالوقوف عنده عبث يضحك ويبكي في وقت واحد، وبين يدينا رأي مالك مع الخليفة العباسي، حين أراد الخليفة جمع الناس على (موطا مالك) فأبى مالك ذلك؛ لأنه مخالف للشرع والوضع([1]).
كما أن محاولة نقل أحكام الأصول إلى أحكام الفروع، عبث يُبكي ويحزن، علميًا، وخُلُقيًا، فقد كان هذا –وسيبقى- من أنكد أسباب تمزيق جماعة المسلمين باسم الإسلام، والله يقول الحق، وهو يهدي السبيل.
محمد زكي إبراهيم
([1]) لما حج المنصور قال لمالك: قد عزمتُ على أن آمر بكتبك هذه التي صنفتها فتُنسخ، ثم أبعث في كل مصر من أمصار المسلمين منها نسخة، وآمرهم بأن يعملوا بما فيها ولا يتعدوه إلى غيره.
فقال: يا أمير المؤمنين لا تفعل هذا؛ فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورووا روايات، وأخذ كل قوم بما سبق إليهم، وأُتُوا به من اختلاف الناس. فدع الناس وما اختار أهلُ كل بلد منهم لأنفسهم». ويحكى نسبة هذه القصة إلى هارون الرشيد، وأنه شاور مالكًا في أن يعلق الموطأ في الكعبة، ويحمل الناس على ما فيه، فقال: لا تفعل؛ فإن أصحاب رسول الله × اختلفوا في الفروع وتفرقوا في البلدان، وكلّ سنةٌ مضت» قال: وفقك الله يا أبا عبد الله. (من شجرة النور الزكية في طبقات المالكية ص 29-30).
السؤال الأول