السؤال الأول
( أ ) ما هو المقصود بالتصوف الإسلامي؟
(ب) وهل مورس هذا التصوف في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
(ج ) ولماذا يختلفون في تعريف التصوف؟
( د ) ولماذا يختلفون في تحديد مصادره؟
* * *
الجواب:
(أ) المقصود بالتصوف الإسلامي، يعرف من تعريفاته الكثيرة: التي تتلخص كلها في أن: «التصوف هو: «التخلّى عَن كل دَنِي، والتحلَى بكلى سَني» سلوكًا إلى مراتب القرب والوصول، فهو إعادة بناء الإنسان، وربطه بمولاه في كل فكر، وقول، وعمل، ونية، وفي كل موقع من مواقع الإنسانية في الحياة العامة».
ويمكن تلخيص هذا التعريف في كلمة واحدة، هي: ( التقوى) في أرقى مستوياتها الحسية، والمعنوية.
فالتقوى عقيدةٌ، وخُلُق، فهي معاملة اللّه بحسن العبادة، ومعاملة العبادة بحسن الخلق، وهذا الاعتبار هو ما نزل به الوحي على كل نبي، وعليه تدور حقوق الإنسانية الرفيعة في الإسلام.
وروح التقوى هو (التزكى) و﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى﴾ [الأعلى:14]، و﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾ [الشمس:9].
(ب) وبهذا المعنى تستطيع أن تستيقن بأن التصوف قد مُورِسَ فعلًا في العهد النبوي، والصحابة، والتابعين، ومن بعدهم.
وقد امتاز التصوف مثلًا بالدعوة، والجهاد، والخلق، والذكر، والفكر، والزهد في الفضول، وكلها من مكونات التقوى (أو التزكي) وبهذا يكون التصوف مما جاء به الوحي، ومما نزل به القرآن، ومما حثت عليه السنة، فهو مقام (الإحسان) فيها، كما أنه مقام التقوى في القرآن والتزكي في القرآن والإحسان في الحديث: مقامُ الربانية الإسلامية، يقول تعالى: ﴿كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ [آل عمران:79].
هذا هو التصوف الذي نعرفه، فإذا كان هناك تصوف يخالف ذلك، فلا شأن لنا به، ووزره على أهله، ونحن لا نُسأل عنهم فــ﴿كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾ [الطور:21] والمتمصوف شيء، والصوفي شيء آخر.
(جـ) أما الاختلاف في تعريف التصوف، فهو راجع إلى منازل الرجال في معارج السلوك؛ فكل واحد منهم ترجم احساسه في مقامه، وهو لا يعارض أبدًا مقام سواه؛ فإن الحقيقة واحدة، وهي كالبستان الجامع، كلُّ سالكٍ وقف تحت شجرة منه فوصفها، ولم يقل إنه ليس بالبستان شجرٌ سواها. ومهما اختلفت التعريفات، فإنها تلتقي عند رتبة من التزكى والتقوى: أى الربانية الإسلامية، أي (التصوف) على طريق الهجرة إلى الله ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ [الذاريات:50]: ﴿إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي﴾ [العنكبوت:26].
فالواقع أنها جميعًا تعريف واحد، يُكمل بعضه بعضًا.
( د ) أما الاختلاف في تحديد مصادر التصوف، فدسيسة من دسائس أعداء الله؛ فالتصوف كما قدَّمنا «ربانية الإسلام»، فهو عبادة، وخُلُق، ودعوة، واحتياط، وأخذ بالعزائم، واعتصام بالقيم الرفيعة، فمن ذا الذي يقول: إنه هذه المعاني ليست من صميم الإسلام؟ إنها مغالطات، أو أغاليط نظروا فيها إلى هذا الركام للدخول على التصوف من المذاهب الشاذة، أو الضالة، ولم ينظروا إلى حقيقة التصوف.
والحكم على الشيء بالمدخول عليه: غلطٌ، أو مغالطة.
والحكم على المجموع بتصرف أفراد انتسبوا إليه صدقًا أو كذبًا: ظلم مبين.
وهل من المعقول أن يترك المسلمون إسلامهم مثلًا لشذوذ طائفة منهم تشرب الخمر، أو تمارس الزنا، أو تحلل ما حرَّم الله؟
وهل عملُ هؤلاء يكون دليلًا على أن الإسلام ليس من عند الله؟!... شيئًا من التدبر أيها الناس !!!
السؤال الثاني