الوسـيلة
وفي العدد رقم (40) من مجلة اللواء الإسلامي نُشِرَ الجزء الثاني من ندوة السيد البدوي وقد جاء فيها ما يستوجب الإيضاح، والتقويم، واختيار الحكم الشرعي الذي يجمع الأمة، ولا يسبب الفتنة.
فنحن نشكر ما جاء في المجلة بشأن الموالد، وليس لمسلم عليه اعتراض، بل لقد اعترضنا عليه ولا نزال منذ أكثر من ثلث قرن حين لم يكن يتحدث في هذا الجانب أحد، ولا زلنا على العهد رغم ما نعاني بسببه.
ولكن العنوان الذي يقول: (إن التوسل بالأولياء مكروه) يحتاج إلى كثير من الإيضاح والتقويم، فكيف يقال أن التوسل بالأولياء مكروه دون إقامة دليل علمي عليه، فإن الكلمة التي قدمها فضيلة الشيخ موسى شاهين كلمة محددة قرر فيها أن (التوسل السليم) بالأولياء لا شيء فيه أو عليه، وإنما الممنوع هو الطلب المباشر من الألياء، فمن أين جاء الحكم بأن التوسل بالأولياء مكروه على الإطلاق حتى يكون عنوانًا لافتًا للنظر بهذه الصورة.
التوسل من حيث هو، أمر به الله أمرًا صريحًا واضحًا، فهو نص لا اجتهاد معه ولا تأويلًا، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الوَسِيلَةَ﴾ [المائدة:35].
فابتغاء الوسيلة أمر مقرر لا خلاف عليه، وإنما كان خلاف الأمة علىٰ صورته ولفظه، فكما جاء الأمر بدعاء الله مباشرًا جاء الأمر بابتغاء الوسيلة إليه، فيما هو مرجو منه، فقد تساوى الأمران، والتعصب لأحدهما نوع من الهوى، وأيهما اختار الإنسان فهو مصيب بشروطه.
أما ما دخل على أسلوب التوسل من انحراف أو جهالة فهذا شيء آخر له حكمه الخاص به، والدخيل لا يغير حكم الأصل.
وكيف يكون التوسل بالأولياء ممنوعًا، وقد صح علميًا حديث: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ»([1]).
وحديث: «اغفر لفاطمة بنت أسد بحق نبيك والأنبياء من قبلي»([2]).
وقد استشهد بالحديثين الشيخ ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وفيهما توسل صريح بالصالحين. وقد وفينا هذا الموضوع حقه في رسالتنا (قضايا الوسيلة والقبور) التي طبعت عدة مرات، وهي دائمًا رهن الطباعة.
إن من حق الناس الذين نشر عليهم هذا الحكم أن يعلموا الحكم الآخر شرعًا، وقانونًا ومروءة، فالتوسل بالأولياء بشرطه جائز شرعًا وعقلًا.
ومما جاء في هذه الندوة دعاء نسب إلى أبي الحسن الشاذلي، والواقع أنه للإمام أحمد بن عطاء الله السكندري. وجاء في هذه الندوة أن عائشة قالت عن المرأة الحرة: ألا ترى رجلًا، ولا يراها رجل. والأصح أن هذا من كلام فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وجاء في الكلام عن التوسل بالعباس لفظ الاستشفاع، والأصح فيه لفظ التوسل كما هو ثابت في الأحاديث، وإنما جاء لفظ الاستشفاع في حديث أبي بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم: فإنا نستشفع بك إلى الله -أو على الله- ونستشفع بالله عليك، أو إليك. فقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ لاَ يُسْتَشْفَعُ بِالله عَلَى أَحَدٍ»([3]).
ولم ينكر الاستشفاع به إلى الله فجاز التوسل به. وبما أنه لا مخصوص هناك فقد جاز التوسل بالأولياء والصالحين. وهذا الحديث من الأحاديث الثابتة التي تدل على جواز التوسل والاستشفاع إلى الله بالصالحين. فانتفى أنه مكروه كما جاء في عناوين المجلة، والله الموفق والمستعان.
([2]) أخرجه الطبراني في الكبير: (24/251 رقم 871)، والأوسط: (1/67 رقم 189)، وأبو نعيم في حلية الأولياء: (3/121).
من أحكام القبور والتبرك بأصحابها