قضية الخلافات المذهبية
أهل القبلة جميعًا إخواننا ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ [الأنبياء:92]، أبدًا بيننا وبين أي مذهب من مذاهب (أهل لا إله إلَّا الله)، سواء كانوا أحنافًا، أو مالكية، أو شافعيين، أو حنابلة، أو زيديين، أو إمامية، أو ظاهرية، أو إباضيين، أو غيرهم، فإن الاختلاف في الفروع ضرورة طبيعية، ويستحيل استحالة مادية جمع الناس على مذهب واحد، أو رأي واحد، في مسائل ظنّية هي موضع نظر واجتهاد.
ومادام مرجع الجميع كتاب الله وسُنَّة رسوله، والخلاف على الفرعيات إنما هو في الفهم والتوجيه والترجيح وطلب الحق، فلا خصومة قَطّ.
وقد اختلف الصحابة والنبي صلى الله عليه وسلم معهم في: مثل صلاة العصر في قريظة، ومصير أسرىٰ بدر. واختلفوا من بعده في مثل مسائل العول والكلالة، وعدة الحامل المتوفىٰ عنها زوجها، وسُكْنىٰ المبتوتة، وزواج المتعة، والطلاق الثلاث بلفظ واحد، وقراءة المؤتم، ورفع اليد قبل وبعد الركوع، والجهر بالبسملة، بل اختلفوا في صورة حركة الأصبع في التشهد... إلخ.
واحترم كِبار أئمة المذاهب آراء بعضهم، بل قلَّد بعضهم بعضًا أحياء وموتىٰ: فصلىٰ الإمام الشافعي عند قبر أبي حنيفة بمذهب أبي حنيفة أدبًا مع روحه الشريف.
وقلَّد أبو يوسف الإمام مالكًا، وقرظ الشافعي الليث بن سعد.
وقرظ أبو حنيفة سفيان الثوري والأوزاعي، بل صلّىٰ الإمام ابن حنبل خلف بعض أئمة القدرية.
وهكذا لا يُعْرَف عن كبار الأئمة مَن طعنَ أخاه أو انتقصه، إذ ليس في الدنيا مذهب كله خطأ، أو كله صواب.
وهذا إمامنا الشافعي وقد وضع مذهبه القديم بالعراق في ظروف وأحوال خاصة، فلما جاء إلىٰ مصر وواجه ظروفًا وأحوالًا أخرىٰ وضع مذهبه الجديد، كلاهما من الكتاب والسنة، وكلاهما صواب في موضعه ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج:78].
وهذا هو الإمام مالك لم يقبل من الخليفة العباسي أن يحمل الناس على كتابة الموطأ، وبَيَّن له أن بعض الصحابة سَمِعَ ما لم يسمع الآخر، أو عَلِمَ ما لا يعلم غيره فنشر ما عَلِمَ، وكل منهم على حق. ومِن ثَمَّ اختلفت الوجوه في المسألة الواحدة.
ونحن مع إمامنا جعفر الصادق في قاعدته العلمية: حسبنا من المسلم ما يكون به مسلمًا.
فالخلاف على الفروع طبيعة وشريعة كانت وستبقى ما دام هناك اختلاف في العقول والتحصيل والفهوم والبيئات والوراثات وغيرها ﴿وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ [هود:118-119].
والإنسان مكلَّف شرعًا بالعمل بما وصل إليه اجتهاده، واستقر عنده نظره، وحسبه الدليل الظنّي عند أهل العلم، ويكون هذا هو حكم الله في حقه وحق من قَلَّدَه حتى يتبين له خطأ ما ذهب إليه. وعلى هذا الأساس ننظر إلى مذاهب المسلمين فنقرب ما بينها، ونربطها جميعًا برباط لا فتنة فيه، ولا تفرقة ولا ضلال إن شاء الله، وندعو للمتعنتين والمتعصبين والمبتلين بضحالة العلم وضيق الأفق.
ذكر الله عز وجل