التصوف وعلماء الأزهر بين التأييد والتنديد
نحن نحترم دائمًا آراء من يخالفوننا، ونعذرهم باقتناعهم كما نعذر أنفسنا باقتناعنا ما دام هذا وهذا في طريقنا المحدود بين العلم والأدب.
وقد نشرت مجلة (التصوف الإسلامي) حديثها مع فضيلة الأستاذ الشيخ موسى شاهين، وقد أنكر أن التصوف من الإسلام، مادام لم يأت ذكره بلفظه في القرآن، وما معناه هذا، ولم ترد عليه مجلة (التصوف الإسلامي)، فرأينا أن يكون ردنا عليه من كلام زميليه الأخ الدكتور الحسيني أبو فرحة عميد كلية أصول الدين، والأخ الدكتور محي الدين الصافي عميد كلية الشريعة، ونحن هنا ننقل النص الذي نشرته لهما مجلة (اللواء الإسلامي(، ونكتفي بهذا في هذا المجال، ولنا -بإذن الله- عودة حتى يعلم من لم يكن يعلم أن التصوف هو الإسلام الكامل الصحيح.
أولًا: نص السؤال:
الطالب: صلاح إبراهيم:
لماذا ندرس في الأزهر مادة التصوف الإسلامي بالرغم من أنه لا توجد في القرآن ولا في السنة كلمة تصوف؟
ثانيًا: إجابة عميد كلية أصول الدين:
د/ الحسيني أبو فرحة:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله. وبعد، إن كلمة (تصوف) كلمة جديدة([1]) بمعنى أنها لم تكن موجودة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده. وقد استعملت بدلًا من كلمة (إحسان) التي كانت بهذا المعنى في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أنها جديدة اللفظ قديمة المعنى.
تعريف الإسلام والإيمان والإحسان:
فقد سئل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإسلام فقال: «أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا». وَسُئِلَ عن الإيمان فقال: «أَنْ تُؤْمِنَ بِالله وَمَلاَئِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَالْقَضَاء خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، حلوه ومره». وسُئِلَ عن الإِحْسَانِ. فَقَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ الله كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ».
منزلة الولي عند الله:
فالتصوف الإسلامي هو (الإحسان) يعني العبادة الكاملة. والإسلام قد وضع منهجًا للتصوف الإسلامي كما ورد ذلك في الحديث القدسي في صحيح البخاري فقد روى صلى الله عليه وسلم عن رب العزة: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ»([2]).
منهج التصوف الإسلامي:
في هذا الحديث القدسي يذكر رب العزة منهج الولاية أو منهج التصوف الإسلامي، وهو يتكون من أمرين: أداء الفرائض التي افترضها الله عز وجل، ثم الإكثار من نوافل العبادات. فالصوفي هو إنسان يؤدي الفرائض كما أمر الله، وهو إنسان يكثر من نوافل العبادات.
فإذا كانت الفريضة لها شكل وصورة فلها روح كذلك، ففريضة الصلاة من حيث الشكل تعلمون جميعًا أركانها وسننها، أما من حيث الروح، فكما سمعتم إذا دخل المسلم الكامل في صلاته فإنه يكون كامل الحضور فيها بقلبه بين يدي الله -عز وجل- ومن هنا تعتبر صلاة المؤمن الكامل معراجًا لروحه.
الصلاة معراج الأرواح:
فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عُرِجَ به ليلة الإسراء والمعراج، ليلة فرض الصلاة عرج بجسمه وروحه، فإن الصلاة التي فرضت في تلك الليلة هي معراج لكل مسلم ومسلمة.
معراج للروح حيث يلتقي العبد بالرب، لكي يزيل عن القلوب أدرانها، ويطهر النفوس من أرجاسها.
خمس دقائق عبادة:
إنك مثلًا لو جمعت الدقائق التي تؤدي فيها فرائض الصلوات لوجدتها في المتوسط ثلث ساعة في اليوم والليلة، ثلث ساعة تؤدي فيها سبع عشرة ركعة مفروضة، وغالبًا لا يحضر قلبك فيها إلا في حدود خمس دقائق موزعة على السبع عشر ركعة، هذا إذا كان لك حضور في الصلاة بين يدي الله -سبحانه وتعالى-، فأنت إذن صلاتك ناقصة وتحتاج إلى تكميل، من هنا كانت السنن لتكميل الفرائض، ومن هنا كان الإكثار من نوافل العبادات، وكان هناك قيام الليل، وصلاة الضحى وصلاة التراويح.
كل فريضة لها نافلة:
وقد سمعنا شيوخنا في الأزهر الشريف يعلموننا أن كل فريضة لها نافلة من جنسها، وأن الركن الأول من أركان الإسلام هو الشهادتان، فالإكثار من ذكر الله عز وجل هو نافلة الشهادتين، إن الله تبارك وتعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الأحزاب41-42].
إن المولى -عز وجل- يطلب من المؤمنين أن يذكروه كثيرًا، والأمر للوجوب أولًا فيجب، إلا أن يصرفنا عنه صارف.
سلم بين السماء والأرض:
أيها المسلم التصوف الإسلامي هو مقام الإحسان الذي جاء في الحديث الشريف، التصوف الإسلامي سلم بين السماء والأرض عليه المسلمون جميعًا، وفيه من الدرجات، وفيه من السعة ما يسع المسلمون جميعًا، فإن أهل التصوف الحقيقي يقفون على الدرجة العليا منه التي تلي السماء مباشرة، إنهم قوم يعيشون في رحاب الإيمان الكامل بمعية الله -عز وجل- ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ [الحديد:4]، ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا﴾ [المجادلة:7] يؤمنون بمعية الله، ومنهم من يأتنسون بالله، ويؤمنون برقابة الله -عز وجل-.
ومن هنا فإنهم لا يجدون مكانًا ولا زمانًا لمعصية، ولا تنشط جوارهم لمعصية، ولا تغفل قلوبهم عن ذكره سبحانه وتعالى، وألسنتهم رطبة بذكر الله -سبحانه وتعالى-. انتهى.
ثالثًا: إجابة عميد كلية الشريعة:
د/ محي الدين الصافي:
إضافة بسيطة لما قاله الدكتور الحسيني: إن كلمة تصوف وإن لم ترد في القرآن الكريم، ولا في الحديث، إلا أن علوم التصوف، ومقامته، وأحواله وردت في القرآن الكريم، وفي السنة النبوية الشريفة، فمن المعاني المنسوب إليها (تصوف أهل الصفة). وأهل الصفة كانوا من فقراء الصحابة -رضوان الله عليهم، انقطعوا لسماع الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولسماع العلم، وكانوا يأخذون من الصدقة، يعني لا يشتغلون، وانقطعوا انقطاعًا تامًا في هذه الصُّفَّةِ يعبدون الله -سبحانه وتعالى-، ويتفرغون لرسول الله صلى الله عليه وسلم لسماع حديثه، وسماع القرآن منه، والتبليغ إلى الناس.
الرسول صلى الله عليه وسلم يقر سلوك أهل الصُّفة:
والرسول صلى الله عليه وسلم أقر أهل الصفة على سلوكهم هذا، وكان يعطيهم من الصدقة، وكان يدعو لهم، لأن بعض الناس أو كثيرًا من المسلمين في ذلك الوقت انشغلوا بأقواتهم، بالسعي إلى الرزق، لكن أهل الصفة انقطعوا للتلقي والتبليغ عن الرسول صلى الله عليه وسلم وسجلوا أحاديثه، ومنهم أبو هريرة رضى الله عنه راوي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكانت وظيفتهم التعلم والتعليم، وحفظ الشرائع والقرآن.
مقامات الصبر والتوكل والتوبة:
كما أن هناك مقام الصبر، مقام التوكل، مقام التوبة، كل هذه المقامات التي ذكرها الصوفية في كتبهم مأخوذة من القرآن الكريم، نصوصها موجودة في القرآن الكريم والسنة النبوية، كل شيء ورد في كتب التصوف ورد مثله في القرآن والسنة، وفي أقوال المفسرين لكتاب الله، بل بعضهم فسر القرآن بالإشارات.
كلمة تصوف نفسها لم ترد، لكن كل ما ورد في كتب المتصوفة يرجع إليه، مثل كتب حجة الإسلام الإمام الغزالي وغيره، فقد ذكرت هذه الكتب أن المتصوفين يسيرون على الدين ولا يتخطونه مطلقًا.
ولكن هناك بعض المتصوفين المنحرفين كالذين قالوا بوحدة الوجود، والذين قالوا بالاتحاد بين الله -سبحانه وتعالى- وبين مخلوقاته، وهؤلاء منحرفون عن الطريق، وقد لَفَظَهُمُ الصوفيون السنيون الحقيقيون، ولم يبق لهم وجود. انتهى.
([1]) قال السيد الرائد رضى الله عنه: الواقع أن الكلمة قديمة جدًا حتى قبل البعثة ولكن استعمالها هذا الاستعمال الاصطلاحي هو الجديد.
ما هو الحديث الضعيف؟ وما موقف الصوفية منه؟