قضية الموالد وأيام الله بين الشريعة والتاريخ والأمل
تفاصيل موضوعية بالغة الأهمية
أولًا: من الوجهة العامة:
كل عمل يعود على المجتمع الإسلامي بالخير، ولا يخالف نصًا صريحًا في الدين، ولا معلومًا من الدين بالضرورة لا يمنعه الإسلام. فإن هدف الإسلام هو صالح البشرية أولًا وأخيرًا، وحيثما كانت المصلحة فثم شرع الله.
ولما كان الأصل في إقامة الموالد هو الاعتبار بسيرة صاحب المولد، والانتفاع بذكراه، وانتهاز فرصة التجمع للتعارف والتعاون على البر والتقوى، والانصراف إلى الله بذكره والتعبد له، والاستماع إلى الوعظ والقرآن، وإخراج الصدقات، وهو نوع من الشكر الجماعي لله تعالى على تفضله بمن جعل ذكريات موالدهم هذه خيرًا على المسلمين في دينهم ودنياهم.
ثم إن هذه التجمعات إنما هي مؤتمرات لتدارس شؤون المسلمين محليًا وعالميًا، فهي أسواق دينية جامعة لمطالب العقول والقلوب، بالإضافة إلى تنشيط الحركة الاقتصادية، والاجتماعية، والتروحية النظيفة.
لما كان ذلك كذلك ندب الإسلام إلى هذه الخدمات المباركة([1])، ولكل منها أدلتها، فمثلًا: الوعظ مطلوب شرعًا، والقرآن مطلوب شرعًا، والذكر مطلوب شرعًا، والبذل مطلوب شرعًا، والتعارف مطلوب شرعًا، وكذلك التلاقي في الله، والتراحم والتعاطف والتهادي والحب.
وإذا كانت أفراد الشيء مطلوب آحادًا كان اجتماعها أتم، وأنفع، وأدخل في المشروعية.
ولم يعرف في تاريخ الإسلام من أنكر على مثل هذه المعاني الصالحة الشاملة، ولو باعتبار أنها عادات مجردة.
فلما دخلت البدع والمناكر إلى هذه الأسواق الربانية النافعة بدأت حركة الإنكار لا على أصل الفكرة، ولكن على ما اندس فيها ومسخها من أقوال وأعمال وعقائد تالفة.
ثانيًا:من الوجهة المدنية:
ومن هنا اهتمت الأمم على اختلاف أديانها وعقائدها بإحياء ذكريات أبطالها الدينيين والمدنيين، بل إحياء ذكريات أيامها الخوالد، لما في ذلك من التربية النفسية والتوجيه، وتركيز المبادئ والمذاهب التي تؤمن بها الأمم.
وقد رأينا الأمم التي يفتقر تاريخها إلى الذكريات والأبطال تخلق لها ذكريات وأبطالًا أسطوريين لتشبع الرغبة الفطرية في الاعتزاز بالسلف، والقدوة بهم.
فإحياء هذه الذكريات المباركة سنة إنسانية من أصول طبائع الأمم، وضروة من ضرورات المجتمع للتنفيس، والترويح المحبب، ومناسبة ناجحة من مناسبات الانتعاش الثقافي، والتجاري، والعلمي، والروحي، والاجتماعي، والنفساني وغيره.
ثالثًا: الأحكام الدينية:
أ - ويمكن الاستئناس في الندب إلى الاهتمام بهذه الذكريات، بل استحسانها بقوله تعالى: ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ﴾ [مريم:15].
وفي اختصاص ولادة هذا النبي بالذكر، وطلب السلام فيه على لسان الحق ثم تكرر ذكره على لسان الخلق ﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم:33] دلالة عظمى، وتوجيه إلى خصائص الأولوهية والربوبية، فكيف إذا كانت ولادة إنسان سبق في العلم القديم أن يكون له في حياة الناس أثر قد يتغير بسببه صورة المجتمع في مادياته ومعنوياته.
وإذا كانت هذه المنزلة ليوم (الولادة) فلابد أن يكون ليوم (الوفاة) منزلته خطورته بالتالي، وإذا كان هذا بالنسبة للنبي بصفه (داعية الإصلاح الشامل) فهو كذلك وراثة بالطبع، ومشابهة بالضرورة فيمن استن بسنته، واتهج هديه من عباد الله الصالحين.
ب- ولقد كان رسولنا بشخصه يحي ذكرى مولده في كل أسبوع مرة (لا في كل عام مرة) وذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يلازم صيام يوم الاثنين، كما ثبت في أكثر من حديث شريف، فسئل في هذا، فقال: «هَذَا يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَأُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ»([2]).
فكان صومه صلى الله عليه وسلم هذا اليوم شكرًا لله، ونوعًا من إحياء ذكرى مولده، وتوجيهًا إلى منزلة هذا اليوم، وحثًا على الاهتمام بشأنه ولا شك في ذلك.
جـ- ويؤيد ذلك ما ورد من عدة طرق من أنه صلى الله عليه وسلم ذبح في آخر حجة له بعدد سنوات عمره من الإبل([3]).
ثم إن في اهتمامه النبي صلى الله عليه وسلم بإحياء (سبوع) المولود إلى تقدير يوم الولادة كذلك، وعمل ما يذكر به وما يكون شكر لله عليه، فلولا اليوم الأول ما كان اليوم السابع.
د- يؤخذ من توجيهه صلى الله عليه وسلم إلى صيام يوم عاشوراء؛ لأن الله أظهر فيه موسى على فرعون، جواز إحياء ذكريات (أيام الله) بما يرضي الله كما قال تعالى: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ﴾ [إبراهيم:5]. كما كان صلى الله عليه وسلم يصوم يوم الاثنين؛ لأنه كان أول أيام نزول الوحي عليه، بالإضافة إلى أنه كان يوم مولده الشريف، فهو يوم من أيام الله. فهذه كلها نصوص لا ترتقي إليها المعارضة في مشروعية إحياء ذكريات الموالد وأيام الله بما يحب الله ويرضى.
هـ- إرسال سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم كان رحمة من الله للعالمين كما صرح به القرآن الكريم، وكان فضلًا منه تعالى على الأكوان كلها.
وقد قال تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ [يونس:58]. والاحتفال بهذه الذكرى نوع من الفرح برحمة الله وبفضله، فهو مما أمر به الشرع في حدوده وقيوده، فتأمل.
و- وإن الله أمرنا بالشكر على النعمة، وليس أكرم من نعمة بعث هذا النبي العظيم صلى الله عليه وسلم فشكر هذه النعمة واجب، والاحتفال بذكراه صلى الله عليه وسلم نوع من الشكر الجماعي مضافًا إلى الشكر الفردي.
ز- ذكر الله تعالى كثيرًا من أنبيائه، وبعض أوليائه في كتابه الكريم للذكرى والقدوة ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه﴾ [الأنعام:90] والاحتفال بالموالد تذكير جماعي وقدوة جماهيرية.
ح- الإسلام دين التجمع والتكتل، فقد دعا إلى صلاة الجماعة، والجمعة، والعيدين، والحج لما في تجمع المسلمين من منافع علمية، وإنسانية، واجتماعية وغيرها.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أَمْرٌ أَمَرَ بلالًا أن ينادي في الناس (الصَّلَاةَ جَمِاعَةٌ) ليهرعوا إليه بجمع، فيخطبهم فيما استجد من الأحداث. ومعنى هذا استحباب دعوة الناس إلى الاجتماع كلما كان هناك خير يرجى، ولا شك في خيرية هذا الاحتفال بشروطه، وتوفر أسباب كل خير ديني ودنيوي فيه.
ط- والله يقول ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْر﴾ [آل عمران:104] فالدعوة إلى هذا الاحتفال دعوة إلى الخير، فهي هنا فرد كفاية، يقوم بها السادة المحتفلون عن بقية الأمة.
ي- واعتراض بعضهم بأن هذا استحداث لعيد جديد غير الفطر والأضحى مغالطة، لاختصاص هذين العيدين بشعائر ومعالم ليست في هذه الأحفال، فليس في ذكريات الموالد صلوات عيد ولا تكبير، ولا غيره من خصائص الأعياد.
ك- والاعتراض بقوله صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا»([4]) يعني: لهوًا ولعبًا؛ مردود. إلا إذا سمينا تلاوة القرآن ودراسة العلم، وأنواع العبادة وبذل الخيرات، لهوًا ولعبًا.
وهنا نقرر أنه لا اعتبار لما يفعله الجهلة من أنواع العبث، فهو آفة هذه الأحفال، ولابد من كفاحه بكل الوسائل، ونحن هنا نتحدث عن المشروع لا عن الممنوع.
فالمشروع تعاون على البر والتقوى.
والممنوع تعاون على الإثم والعداون، وشتان ما بينهما.
ل- وبعد فهذه كلها وغيرها كثير من دلائل مشروعية إحياء ذكريات مولد مولانا رسول الله المصطفى صلى الله عليه وسلم ومواليد أولياء الله الصالحين بما يحب الله لما فيها من المنافع التي لا تحصى ﴿لَا يَسْتَوِي الخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ﴾ [المائدة:100].
رابعًا: تاريخ الموالد الحالية:
ولابد من التنبيه إلى الدعوى التي تقول إن هذه الفكرة لم تكن معروفة بصورتها في زمن الصحابة والتابعين، فليس كل شيء لم يعمله الصحابة يكون حرمًا، وإلا كانت عيشتنا اليوم كلها حرام في حرام، إذا لم يكن معروفًا من حياتنا هذه على عهد الصحابة واحد على المائة، وبخاصة ما كانت العادة فيه أغلب، ونحن في أمور العادة على ما نشاء في الحد المحدود.
ولا مرية أبدًا في أن أصل الفكرة موجود في الدين كما قدمنا، ثم تطور هذا الأصل مع الزمان بحكم عدم محدوديته في الشريعة، فليس هو دينًا محضًا، وقد عرفت حكم الدين فيه.
والمشهور أن أول من احتفل بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم من أهل السنة بما يشبه أن يكون أصلًا لهذه اصورة الحاضرة بالفعل هو الملك المظفر أبو سعيد طغرل التركماني ملك إربل بالعراق، وقد بذل في هذا السبيل ما لم يُؤْثَرُ عن سواه كما ذكره ابن خلكان، وأقره على ذلك علماء عصره، وفي مقدمتهم العالم المحدث الحافظ عمر بن دحية الذي ألف للملك طغرل كتاب (التنوير في مولد السراج المنير)، فكافأه عليه ألف دينار. وكان يقرأ في احتفالات المولد الشريف.
ثم تابعهم المسلمون جميعًا، وعنهم تناقل المسلمون الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، ولكنها صارت بتلاحق العصور وتداول الأمم على صورتها الحالية، جامعة بين الخير والشر.
وكان الفاطميون أول من توسع من الشيعة في هذا الباب بما لم يسبق له مثيل.
ثم نقل الناس هذه الصورة الشائهة بهيئة مصغرة إلى ذكريات رجال الله وأيام الله. وما زال الشيطان يدس أنفه فيها، ويزين للناس حب الشهوات وفعل المنكرات حتى أصبحت الموالد بوضعها الحالي أمراضًا اجتماعية ودينية في أخطر الدرجات.
فقد مسخت أكثر المعاني الكريمة التي تلتمس في هذه المناسبات، واستحالت إلى معاني لئيمة مدمرة، وأصبحت أكثرية الموالد أسواقًا للفساد، ومزرعة للميسر، واستغالًا للسذج، وتحول خير ما فيها من الذكر والصدقة والإرشاد إلى ألوان رخيصة من الرياء، والتحريف، والتخريف، والنفاق والمفاخرة، والمكاثرة، والتهريج، وإرادة غير الله، وبيع الآخرة بالدينا، وشراء الدنيا بله الشعوذة والتدجيل والمخرفة.
فإذا أضفنا إلى ذلك ما يسمى (المواكب) بمهازلها ومباذلها، وما يسمى (الركبة) بعارها وشنارها، وما يسمى (الجمع والشورة) ببدعها وشنعها، وما يتخلل ذلك من طبول وزمور ورقص، ومتالف دينية، وكيف يتأثر المجتمع بهذه الأوبئة، وكيف يُصَوَّرُ الدين أمامه أعدائه، وأمام الأجنب بهذه الصورة المزرية، التي لا تمت إلى الجد ولا إلى التصوف النظيف بأي سبب؛ إذا أضفنا هذا عرفنا إلى أي حد كان كفاح هذه الموبقات فرضًا عينيًا على كل غيور على الدين وعلى تصوف المسلمين حتى تعود الموالد إلى صورتها الكريمة النافعة.
خامسًا: مواقف علماء الصوفية:
ومنذ ما ظهرت موبقات إدماج اللهو في العبادة باسم التصوف المسكين المظلوم، وعلماء الصوفية وغيرها على رأي واحد في كفاحها حفاظًا على بيضة الدين، وصيانة لسمعة التصوف ورجاله.
والمسلم الصوفي المنصف الذي يطلع على ما جاء مثلًا في الزواجر، وما جاء في كف الرعاع، وما جاء في المدخل، وما جاء في كتب الإمام الشعراني، ومن قبله الإمام السيوطي، وغيرهم من سلف علماء الصوفية، يدرك مدى العبث الذي أصاب تجمعات الصوفية، ونقلها من أسواق روحانية يستروح فيها الناس روائح الجنة، ويستشرفون عبيق الغيب الأسنى، ويشحنون قلوبهم بالطاقا ت الإيمانية الهائلة إلى ساحات للمخابث ومسارح الشيطان، يعرض فيها كبائره الموبقة باسم الدين والتصوف المظلوم.
سادسًا: علماء الصوفية المعاصرون:
ولقد تزعم كفح هذه الموبقات في عصرنا الحديث من علماء الصوفية أمثال: الشيخ محمد عبده، وشيخ الإسلام الظواهري، والبشري ومن جاء بعده، ثم الشيخ بخيت، والشيخ السمالوطي، والشيخ أبو عليان الصعيدي الشاذلي، والشيخ الحصافي الشاذلي، والشيخ خطاب السبكي، وهو من كبار الصوفية وإن أنكر أتباعه، ثم الشيخ إبراهيم الخليل الشاذلي، ثم الشيخ سلامة العزامي النقشبندي، والشيخ أبو العيون الخلوتي، والشيخ أحمد رضوان البغدادي، والشيخ أبو الوفاء الشرقاوي، والشيخ القاياتي، ومن عاصرهم ممن جمعوا بين العلم والعرفان بالله، ثم العشيرة المحمدية زعيمة هذا العصر. ولا داعي لأن نذكر مع هؤلاء آخرين ممن كافحوا في هذا السبيل من غير المتصوفين.
وإذن لم يقصر علماء الصوفية فيما أوجبه الله عليهم من النصحية لله ورسوله، وقد لاقوا في هذا السبيل ما لاقوا، ولا تزال السجلات الرسمية بمجلس الدولة تحتفظ بما لاقيناه في هذا السبيل وغيره، وما لاقه من قبلي والدي وجدي، مما هو مسجل في محفوظات بيت البكري أيام المشيخة الأولى.
حتى آل أمر كفاح هذه الموبقات إلى العشيرة المحمدية، وفيها طائفة من خيرة الصوفية على اختلاف المشارب، وعلى رغم ما يجدون من المصاعب والمتاعب، يأخذ الله دائمًا بأيديهم إلى الهدف الشريف، الذي بدأت آثاره واضحة على الصعيد الشعبي والرسمي بحمد لله. وتعتبر اللائحة الصوفية الأخيرة أثرًا بَيِّنًا من آثار مجهود العشيرة المحمدية ورجالها، وإن أنكر ذلك من أنكر، فإن التاريخ قد سجل هذا الجهد الخالد.
سابعًا: تدرج حركة الإصلاح الصوفي:
وفي أول عهد الثورة المباركة أدرك المسؤولون خطورة الأمر تحت إلحاح حركة العشيرة المحمدية، فتألفت لجنة لإصلاح التصوف عمومًا والموالد خصوصًا، بوصفها أكبر مظهر جماعي للدعوة الصوفية، برئاسة وكيل وزارة الداخلية وقتئذ السيد محمود متولي نور. ومُثِّلَت في هذه اللجنة وزارة الأوقاف، والشؤون، والأزهر، ودار الإفتاء، والمشيخة الصوفية، والعشيرة المحمدية، وكان الفضل في هذا (لله وللتاريخ) راجعًا إلى الأخ المحمدي المرحوم الدكتور إبراهيم حسين مدير مستشفى عين شمس، ونائب العشيرة المحمدية وقتئذ. ولكن هذه اللجنة لم تفعل إلا أنها أخلت بعض التعديلات على لائحة الطرق الصوفية القديمة التي وضعت في عام 1903م، ثم ألحقت بها أحصاءً مفصلًا لما يتعين كفاحه من المناكر المنسوبة للصوفية زورًا وبهتانًا.
وهنا قامت ظروف استوجبت إعادة النظر في هذا التعديل الجديد فتألفت في وزراة الأوقاف لجنة أخرى، كان رئيسها السيد الوزير الشيخ أحمد حسن الباقوري، ومقررها السيد حمود عبد اللطيف وكيل الوزارة حينئذ، وكان من أعضائها الأستاذ المشد مدير الوعظ والإرشاد وقتئذ. وحضر اجتماعها لفيف من كبار المشتغلين بالشؤون الإسلامية يومئذ، منهم شيخ الأزهر السابق الشيخ عبد الرحمن تاج، وآخرون من أفاضل العلماء والصوفية.
وقد وضعت هذه اللجنة قانونًا صوفيًا مُسْتَكْمَلًا تقريبًا، وكان أساسًا لا بأس به في تطهير الموالد وغيرها ممن البدع والمنكرات، ومستكرهات الأمور.
ثم جد ما اقتضى إرجاء الأخذ بهذا القانون -أيضًا-، فتألفت في وزراة الشؤون الاجتماعية لجنة لفحص العادات والتقاليد، ووضعت توصيات لا بأس بها لتطير الموالد، ولكن توصياتها لم تأخذ طريق التنفيذ لسبب أو لآخر.
فتألفت في الأزهر لجنة للتنظيم الصوفي، ووضعت هذه اللجنة -أيضًا- توصيات لا يعرف أحد أين ذهبت. وكانت العشيرة المحمدية ممثلة في كل هذه اللجان، بوصفها صاحبة الدعوة الأولى لإصلاح التصوف في هذا العصر، وكانت تتقدم بمشروعاتها في الإصلاح إلى كل لجنة، بما يرفع عنها نير المسؤولية أمام الله والناس.
ثامنًا: القانون الصوفي أو اللائحة:
وكانت حركة التطهير الصوفي، وبخاصة تطهير الموالد على أشدها بمجهود العشيرة، كما يبدو من الإجمال السابق، في عهد المرحوم الشيخ أحمد الصاوي العمراني شيخ الطرق الأسبق. فاجتمع المجلس الصوفي وألف لجنة لتعديل اللائحة الصوفية القديمة كخطوة في سبيل الإصلاح برئاسة السيد مرغني الإدريسي، وأمانة السيد رائد العشيرة، وأصدر المجلس تعليمات تواكب حركة الإصلاح والتطهير.
ثم ظلت هذه التعليمات الصريحة تنتظر التنفيذ، حتى ولي المشيخة الشيخ علوان فعزز التعليمات السابقة بتعليمات جديدة، وألف لجنة وضعت مشروعًا للإصلاح من وجهة نظر المشيخة، وكان الفضل فيه راجعًا إلى الأخ المرحوم المستشار مصطفى كمال وصفي. وقد أُرْجِئَ النظر في هذا المشروع كذلك لسبب أو لآخر.
وفي أول عهد الشيخ السطوحي تألفت لجنة جديدة للإصلاح -أيضًا-، وانتهت إلى مشروع القانون الحالي الذي اعتمدته الدولة وسار العمل على أساسه الآن، وفيه تحريم كل ما ليس من دين الله، ولكن وضع القانون شيء وتنفيذه شيء آخر، والمأمول -إن شاء الله- أن يكون لتنفيذ هذا القانون يومًا ما أثره النافع في الموالد وغيرها من كل ما يتصل بالتصوف الصحيح.
([1]) قال السيد الرائد رضى الله عنه: يقول المرحوم الشيخ المبشر الطبرازي، شيخ الإسلام السابق في تركستان: إن الاحتفال بذكرى المولد النبوي أصبح واجبًا أساسيًا؛ لمواجهة ما استجد من الاحتفالات الضارة في هذه الأيام.
مقترحات بالغة الأهمية